الاستفتاء يعيد الضوء على سيناريو «السيسي ـ صبحي» لرئاسة مصر وقيادة الجيش

زغاريد وورود في استقبال رئيس الأركان

الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري، خلال تفقده إحدى اللجان الانتخابية شرق القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

ارتفع شعاع الشمس وزاد عدد الواقفات في الطابور، وكان بعضهن يرفعن صورة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي. ومن بين المنتظرات دورهن في الاستفتاء على الدستور الجديد، نظرت «نوال» تجاه السيارات العسكرية القادمة ناحية لجنة الاستفتاء الخاصة بالسيدات، وأطلقت زغرودة ترحيب بالفريق صدقي صبحي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذي تنقل بالطائرة على مدار يوم أمس لمتابعة عدد من لجان الاستفتاء في عدة محافظات، منها القاهرة والإسكندرية.

وتبعت زغاريد نوال زغاريد وأغانٍ تمجد قادة الجيش من سيدات وفتيات أخريات في مقر لجنة الاستفتاء بـ«نادي السكة الحديد» في مدينة نصر شرق العاصمة المصرية. وألقت بعضهن الورود على من يعدونه ثاني أقوى رجل في مصر، بعد السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي. وتقول منال راضي، عضو الجبهة الوطنية لنساء مصر، إن كثيرا من المصريين يتعاملون مع الفريق صبحي على أنه وزير الدفاع المقبل، في حال ترشح السيسي لرئاسة الدولة.

وبعد أن رفع يده من بين جنوده محييا، عبر صبحي باب اللجنة. وقال أحد مرافقيه من الضباط وهو يساعد في إفساح الطريق، إن الفريق سيمر أيضا على كثير من اللجان الأخرى، منها لجان في الإسكندرية (200 كلم شمال غربي القاهرة)، بينما أوضح مصدر مقرب من الجيش أن كثيرا من المصريين كانوا يعتقدون أن صبحي هو القائد الوحيد القادر على مواجهة «الإخوان»، منذ مطلع 2013 «بسبب لهجته التي فُهم منها رفضه لطريقة الجماعة في الحكم وقتها»، بينما لم تكن ملامح السيسي الذي قاد الإطاحة بـ«الإخوان» في الثالث من يوليو (تموز) الماضي، قد ظهرت للمصريين بعد.

ويعد صبحي (57 سنة)، ومن مواليد محافظة المنوفية، «أحد المقربين من السيسي وواحدا من رجاله الموثوق فيهم. ومن المؤمنين بأن العلاقة بين الشعب والجيش في مصر وثيقة جدا على مر التاريخ، وأن القوات المسلحة لا تتدخل في السياسة، ولكن عينها دائما على ما يدور داخل الدولة». وقوله أيضا إن الشعب «إذا احتاج للقوات المسلحة ستكون في أقل من ثانية موجودة في الشارع».

وقال أمس، وهو يتابع تأمين الاستفتاء، إن الشعب صاحب الدور الأكبر في عملية التأمين بنزوله بكثافة للإدلاء بصوته، معربا عن سعادته بالتعاون بين الجيش والشرطة والقوات البحرية لتذليل العقبات أمام الناخبين. وأضاف قائلا لمحييه: «لقد أثبتم للعالم ماذا تعني ثورة 30 يونيو 2013».

ووفقا لمصادر عسكرية وسياسية، فإن ملامح السيناريو المحتمل هو أن يجري تعديل وزاري محدود في الأيام العشر الأخيرة من الشهر الحالي، يخرج بموجبه الفريق أول السيسي من موقعه كوزير للدفاع، حتى يكون من حقه الترشح للرئاسة، ويُعيّن صبحي، القادم من «الجيش الثالث الميداني» و«سلاح مشاة ميكانيكي» خلفا له.

وظهر الفريق صبحي على شاشات التلفزيون وفي الصحف بقوة خلال الأيام الأخيرة، خاصة أنه شارك مع كبار قادة الجيش والشرطة في وضع عملية تأمين مقار الاستفتاء لمواجهة أي أعمال شغب أو عمليات إرهابية، مع الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس حفاظا على أرواح المواطنين.

وتفقد صبحي إجراءات تأمين الاستفتاء في اللجنة، وانطلق في السيارة العسكرية إلى لجان أخرى. وبدا متفائلا والابتسامة مرسومة على وجهه، وهو يرى أول استحقاقات خارطة الطريق، التي أعلنها السيسي عقب الإطاحة بمرسي، تحظى بقبول شعبي، في أول اختبار عملي لها، وهو أمر تعول عليه القاهرة كثيرا للرد على منتقديها الغربيين، خاصة الولايات المتحدة الأميركية.

ولوحظ اقتران عملية الاستفتاء على الدستور برفع كثير من الناخبين في الطوابير صور قائد الجيش. وتقول السيدة نوال التي تعمل معلمة في ضاحية مدينة نصر، وتضع صورة صغيرة للسيسي في عقد حول عنقها، إن تصويتها بـ«نعم» على الدستور يعني طي صفحة جماعة الإخوان، ونجاح بلدها في مكافحة الإرهاب، والالتفات إلى المستقبل، لكي يتحسن الاقتصاد ويعود الأمن وتتمكن من تزويج ابنها الذي يخدم في سلاح حرس الحدود بالجيش منذ سنة.

وقالت، قبل أن تشيع الفريق صبحي كوزير دفاع محتمل: «نريد السيسي رئيسا. ننتهي من الموافقة على الدستور، ونتفرغ لدعوته للترشح للرئاسة».

ومن المقرر أن يعلن رئيس الدولة المؤقت، المستشار عدلي منصور، موعد انتخابات الرئاسة والبرلمان خلال الأيام المقبلة. وقال عبد النبي عبد الستار، المتحدث باسم حملة «كمل جميلك» التي تدعو السيسي للترشح للرئاسة، وتضم في صفوفها ضباطا متقاعدين من الجيش والشرطة وعددا من السياسيين والناشطين: «ما حدث اليوم ثورة على بقايا وفلول جماعة الإخوان. هذه رغبة من المصريين في طي صفحة الإرهاب».

وأضاف أن كلمة الفريق أول السيسي، قبل يومين، التي دعا فيها المصريين للنزول للاستفتاء كانت «عاملا مؤثرا.. الناخبون يربطون بين الأمن والأمان ووجود السيسي كرئيس.. والسيسي يربط نزوله لانتخابات الرئاسة بنزول الناس بكثافة في الاستفتاء. أعتقد أن نتيجة الاستفتاء هي التي ستحدد هل يترشح للرئاسة أم لا»، مشيرا إلى أنه من بين السيناريوهات المتوقعة أن يستجيب السيسي للإرادة الشعبية المطالبة برئاسته للدولة.

وقالت مصادر أخرى مقربة من الحكومة إن الرئيس عدلي منصور، ربما يعلن، وفقا لهذا السيناريو، عن تعديل وزاري محدود يجري فيه تصعيد الفريق صبحي ليكون وزيرا للدفاع، وخروج السيسي للاستعداد للمهمة الأكبر، وهي الترشح للرئاسة، مشيرة إلى أن التعديل الوزاري «لن يتضمن إقالة الحكومة الانتقالية، برئاسة الدكتور الببلاوي، إلا بعد الانتهاء من إتمام المرحلة الانتقالية قبل منتصف هذا الصيف». وتستعد تكتلات مدنية كبيرة تضم وزراء وقيادات برلمان سابقين، لحشد الجماهير للاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة يناير يوم 25 من الشهر الحالي، ومطالبة قائد الجيش بخوض انتخابات الرئاسة. وقال مسؤول حملة «كمل جميلك»: «أعتقد أن السيسي سيعلن في هذا اليوم أنه تحت أمر الشعب. أعتقد أن هذا سيكون يومي 25 و26 يناير (كانون الثاني) الحالي».

وتفقد السيسي وعدد من كبار رجال الدولة بعض اللجان الانتخابية في القاهرة وسط إجراءات أمنية مشددة، تحسبا لأي محاولة لإفساد «عرس المصريين بالدستور الجديد»، كما يصفه قادة سياسيون أيدوا خارطة المستقبل والتخلص من حكم الجماعة منذ الصيف الماضي. ورفض مسؤول عسكري التعليق على مدى صحة سيناريو «السيسي - صبحي»، وترك الباب مفتوحا للاحتمالات، لكنه تحدث عن الضمانات التي ستعطى للسيسي في حال تركه منصب وزير الدفاع، وإلى أن يفوز في انتخابات الرئاسة، موضحا أن «رئيس الأركان رفيق كفاح السيسي، والمؤسسة العسكرية مؤسسة وطنية وليس فيها مطامح شخصية ولا قرارات مفاجئة سواء بالنسبة لمجيء صدقي صبحي كوزير للدفاع أو بالنسبة لأي وزير دفاع آخر».

وعلى الرغم من أن عمرها يعود إلى عام مضى، فإن بعض المصريين ما زال يتذكر مقولة «كل شيء في وقته»، التي ذكرها الفريق صبحي، حين رد على ناخبين ساخطين على دستور الإسلاميين أثناء المشاركة في الاستفتاء عليه عهد مرسي نهاية 2012.