الجوع يتجاوز اليرموك إلى عشرات البلدات قرب دمشق وحمص ودرعا

الأمم المتحدة: سبعة ملايين سوري يحتاجون إلى مساعدات غذائية

فلسطينيان يحملان الخبز في رام الله أمس تضامنا مع مخيم اليرموك جنوب دمشق (أ.ب)
TT

تواصل القوات النظامية السورية حصارها لعدد من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريف دمشق وحمص ودرعا بقصد تجويع سكانها والضغط على المقاتلين المعارضين للخروج منها، ما يهدد بتفاقم الأوضاع الإنسانية والصحية للقاطنين في هذه المناطق. وجاء ذلك بينما تزداد الأوضاع في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوب دمشق، سوءا حيث وصلت حصيلة ضحايا الحصار النظامي على المخيم إلى 48 شخصا ماتوا جوعا.

وبحسب مجلس قيادة الثورة بدمشق فإن «المجاعة انتشرت في كامل أرجاء مخيم اليرموك ذي الكثافة السكانية العالية، إذ بات غذاء السكان يقتصر في الآونة الأخيرة على الفجل والبصل، وحتى العدس أصبح صعب المنال في ظل ارتفاع سعره إلى ثمانين دولارا للكيلوغرام الواحد».

وكان ناشطون بثوا على الإنترنت صورا لجثث أطفال وشيوخ ماتوا نتيجة الجوع، كما بثوا صورا لنساء وأطفال يجمعون الحشائش داخل المخيم للأكل.

ورغم الوساطات التي قادتها منظمة التحرير الفلسطينية لفك الحصار عن اليرموك، فإن أكثر من ستة محاولات لإدخال قوافل غذائية إلى المخيم المحاصر منذ أكثر من سنة باءت بالفشل، آخرها قبل يومين حيث تعرضت ست شاحنات محملة بـ1700 طرد غذائي مقدمة من منظمة الأونروا و14 فصيلا فلسطينيا لإطلاق النار عند منطقة الحجر الأسود قبل وصولها إلى اليرموك.

وفي حين قال وزير العمل الفلسطيني أحمد مجدلاني، الذي يزور دمشق مع وفد من منظمة التحرير، إن مصادر إطلاق النار على قافلة المساعدات الإنسانية التي حاولت دخول مخيم اليرموك «كانت محددة ومعروفة من المنطقة التي تسيطر عليها تنظيمات إرهابية مسلحة»، اتهم «اتحاد شبكات أخبار المخيمات الفلسطينية» القوات النظامية باستهداف القافلة من حاجز الكابلات في حي سبينة.

وكان وفد فلسطيني رسمي سعى إلى التفاوض مع الحكومة السورية لإخراج نحو 300 مريض من المخيم، إلا أن هذه المفاوضات اصطدمت بعراقيل كثيرة، لا سيما أن النظام والفصائل الفلسطينية الداعمة له (فصيل أحمد جبريل) تصر على انسحاب الجيش الحر والمسلحين المعارضين من المخيم وتسليم السلاح، على أن تنشر مكانها قوات اللجان الشعبية الفلسطينية المؤلفة من فلسطينيي الفصائل الداعمة للنظام. لكن المعارضة السورية تنفي وجود مقاتلين داخل المخيم من «الجيش السوري الحر» أو «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أو «جبهة النصرة».

وغادر المخيم عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين كان عددهم يقدر بنحو 170 ألفا قبل اندلاع المعارك، إضافة إلى الآلاف من السوريين الذين لجأوا إليه هربا من أعمال العنف في مناطقهم منذ اندلاع الأزمة في البلاد منتصف مارس (آذار) 2011.

ودعت منظمات فلسطينية عاملة في بريطانيا إلى ممارسة ضغط حقيقي على النظام السوري لوقف ما وصفته بـ«الجرائم» بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، وأعربت عن أملها في «دور فاعل للدول الكبرى في كسر هذا الحصار، وإجبار النظام السوري على الالتزام بقواعد النزاع المنصوص عليها بالقانون الدولي».

وبحسب برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن «سبعة ملايين سوري يحتاجون إلى إمدادهم بالمواد الغذائية»، مشيرا إلى أنه «بين هؤلاء نحو مائة ألف طفل دون الثانية يعانون سوء التغذية». وأعلن البرنامج من جنيف أمس حاجته إلى «35 مليون دولار أسبوعيا لحماية ضحايا الحرب في سوريا من الجوع». ولا تقتصر سياسة الحصار التي يعتمدها النظام السوري لتجويع المدنيين على مخيم اليرموك، إنما تشمل معظم مناطق جنوب دمشق التي تعاني من نفاد المواد الغذائية بشكل شبه كامل، وفق ناشطين معارضين. وتضم المنطقة الجنوبية إلى جانب مخيم اليرموك أحياء القدم والعسالي والحجر الأسود والتضامن ويلدا وببيلا وبيت سحم.

ويشير ناشطون إلى أن ما يزيد على «60 ألف مدني بينهم آلاف النساء والأطفال يعيشون تحت حصار مطبق تماما منذ سنة تقريبا، قطعت خلالها كل الاحتياجات الرئيسة من غذاء ودواء وكهرباء وماء واتصالات».

ويصف ناشطون ميدانيون الوضع في جنوب دمشق بـ«المجاعة»، مؤكدين وجود «مدنيين بينهم أطفال ونساء يعانون من أمراض مزمنة كالفشل الكلوي، إضافة إلى ظهور الكثير من الأمراض الكثيرة كسوء التغذية والجفاف أو التهابات كثيرة في الجهاز الهضمي أصابت الأطفال نتيجة قلة الطعام والماء والاعتماد على الغذاء والماء الملوثين، حيث اختلطت مياه الشرب في بعض المناطق بمياه المجاري بعد دمار كبير أصاب البنى التحتية».

ولا يقل الوضع سوءا في مناطق المعضمية وداريا في الغوطة الغربية لدمشق، حيث تعاني هذه المناطق المحاصرة من قبل القوات النظامية منذ 10 أشهر من نقص حاد في المواد الغذائية والطبية.

وتؤكد مصادر المعارضة وجود «500 مدني محاصر في المعضمية، إضافة إلى 10 آلاف في داريا». كما يتشابه الوضع في الغوطة الشرقية التي يعيش فيها مليون ونصف مليون مدني في ظروف إنسانية سيئة بسبب الحصار المفروض عليها. ومن الشمال إلى العاصمة دمشق، تفرض القوات النظامية حصارا على عشرات الأحياء في محافظة حمص وسط سوريا، حيث تعتبر مادة الخبز من أكثر المواد المفقودة في المدينة، بسبب انعدام وجود موارد الطاقة لتشغيل المخابز. وقبل نحو أسبوعين، حاول مقاتلون معارضون فك الحصار عن حمص عبر إدخال مادة الطحين، إلا أن القوات النظامية التفت عليهم لدى خروجهم من أحياء حمص القديمة وقتلت نحو 45 مقاتلا، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في حين أشارت وكالة الأنباء السورية «سانا» إلى أن «عناصر من المجموعات الإرهابية قتلوا أثناء محاولة التسلل من أحياء القصور والقرابيص وجورة الشياح إلى منطقة المطاحن».

وفي درعا، تتعرض بلدة تسيل الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة في الريف الغربي للمحافظة لحصار خانق من قبل القوات النظامية، حيث يحاول بعض التجار فيها إدخال المواد الأولية من خلال الطرق الزراعية، ما يعرض الكثير منهم للاعتقال.