طرابلس غارقة في دمائها منذ خمسة أيام.. ولا مساعي جدية للتهدئة

تفجير الضاحية يشعل الجبهات.. وحصيلة الضحايا ترتفع إلى ستة قتلى و51 جريحا

TT

كادت المعارك في الضاحية الشمالية لطرابلس تهدأ، أو هذا ما كان يبدو، صباح أمس، ظاهريا على الأقل. فبعد ليلة حامية الوطيس بين جبل محسن (غالبية علوية) وباب التبانة (غالبية سنية)، ومع انبلاج النهار، سيطر هدوء حذر على مختلف محاور القتال في طرابلس، وسط انتشار كثيف نفذته وحدات الجيش منذ الصباح في المنطقتين، بدءا من مستديرة الملولة مرورا بشارع سوريا، فطلعة الشمال، وصولا إلى جبل محسن.

وسير الجيش دوريات مؤللة وراجلة، وأقام حواجز دققت في هويات المارة. أما حركة السير في المدينة، فكانت شبه طبيعية، ومعظم المحال التجارية والمؤسسات فتحت أبوابها كالمعتاد، كما رفعت السواتر التي عادة ما تسدل لمنع الرؤية على القناصة. لكن ما إن وقع الانفجار الانتحاري في الضاحية الجنوبية لبيروت، حتى عادت جبهة طرابلس لتشتعل من جديد، وسمعت أصوات القذائف والرشاشات، وارتفعت وتيرة القنص. واستهدفت عربة تابعة للجيش اللبناني بقذيفة، في شارع سوريا، فأصيب ضابطان، وخمسة جنود، بينما جرح عدد من المدنيين، لقي أحدهم حتفه وهو عمر علوش نتيجة رصاص القنص. وأصيب شخص بجروح في الميناء، بعيدا جدا عن مناطق الاشتباكات، مما جعل التجول في كل أحياء طرابلس خطرا نظرا لكثافة الرصاص البارد الذي يتساقط بكثافة. وارتفعت حصيلة الاشتباكات خلال الأيام الخمسة أمس إلى ستة قتلى و51 جريحا.

وبعد ظهر أمس، انسحبت آليات للجيش من باب التبانة، وسيطر التشاؤم بشكل كبير. وقال أحد فاعليات باب التبانة لـ«الشرق الأوسط»، رافضا الكشف عن اسمه: «لا شيء يدعو للتفكير في أن المعارك قد تهدأ اليوم. في الأساس، كل الأسباب التي حكي عنها عند بدء المعارك، كانت ذرائع مفتعلة وغير مقنعة، وعودة الاشتباكات بعد انفجار الضاحية ذريعة أخرى يصعب فهمها». وتابع: «كل ما أعرفه أن هناك من يريد إشعال المنطقة لأهداف تخفى علينا هنا، والحديث يدور عن أكثر من جهة، من دون أن نتمكن من التأكد من أي منها»، مشيرا إلى وجود «مرتزقة في المنطقة على استعداد لفتح النار لصالح الجهة التي تدفع».

وحذر المصدر ذاته، وهو على صلات بمقاتلين وقادة محاور، ويعرف الحيثيات من قرب، من أن «هناك شيئا مخيفا، لأن الدوافع والمحرك هي من المجهولات هذه المرة، بالنسبة لنا»، متابعا: «إنها سابقة تجعلنا ننظر بحذر كبير إلى ما يدور في باب التبانة. أقولها بصدق إنها المرة الأولى التي تكون فيها الصورة ضبابية ومرعبة إلى هذا الحد».

وكشف المصدر ذاته، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «مقاتلين يأتون من خارج المنطقة هذه المرة ليقاتلوا في باب التبانة، وهذا ما لم نكن نراه من قبل، كما أن الجيش جاد جدا في قمع المخلين، وهذا أصبح باديا بوضوح وللجميع»، محذرا في الوقت ذاته من أن «الوضع متروك، ولم تحدث أي اجتماعات سياسية جدية لإيقاف الاقتتال أو الوصول إلى هدنه». وذكر أنه «ليلة الثلاثاء، ومع اشتداد وطيس المعارك، حاول النائب محمد عبد اللطيف كبارة الاتصال بكثير من قادة المحاور لحثهم على التهدئة، فكانت إجاباتهم جميعا أنهم لا يشاركون في القتال، مما يعني أن ثمة من لا يشارك بالفعل، بينما فئة أخرى لا تريد أن تستمع إلى أحد، وهي تفعل ما تريد غير عابئة أو مهتمة».

في المقابل، قال مصدر مطلع من «باب التبانة» لـ«الشرق الأوسط»، إن «المقاتلين لا يعتزمون وقف إطلاق النار من دون الحصول على ضمانات من جهات مسؤولة، فثمة إحساس لدى هؤلاء بأنهم قد يكونون كبش محرقة، وأنهم معرضون للسجن في أي لحظة نظرا للتسويات التي تجري في المنطقة. وربما من كان يحميهم سابقا، سيتخلى عنهم بعد أن تبدلت الحسابات والمصالح».

وفي انتظار الحل الذي لا تلوح بوادره في الأفق، لغاية اللحظة، تعيش طرابلس أياما من الشلل الجزئي، بينما تبقى المناطق المنكوبة التي تدور فيها الاشتباكات في وضع بائس. وشهدت طرابلس ليلة الثلاثاء ساعات عصيبة، إذ اشتد القصف بعد أن انتصف الليل، واستخدمت القذائف بشكل كثيف، خاصة على محاور «المنكوبين - البقار - المشروع - الأمركان – الشعراني»، وسمع صداها في مناطق بعيدة جدا مثل زغرتا والكورة وعكار. وطلب من الأهالي في مناطق الاشتباكات تعتيم المنازل، ومن سكان المناطق البعيدة عدم الخروج إلى النوافذ والشرفات لأن الرصاص العشوائي يطال بكثافة المناطق البعيدة، خصوصا الزهراية، والتل وأطراف الميناء، والبداوي، وأبي سمراء.

وكانت الاشتباكات اندلعت في طرابلس مساء الجمعة الماضي إثر الاعتداء في منطقة القبة على شابين من آل عاصي، توفي أحدهما على الأثر، وهما من أقرباء الشيخ أسد عاصي، رئيس «المجلس الشرعي العلوي»، مما فتح باب المعارك. لكن أصداء كانت تتردد في المدينة قبلها بأيام، والجميع منها على حذر، تنبه إلى أن معارك شديدة الوطأة ستندلع في طرابلس على مشارف مؤتمر «جنيف 2» بشأن الأزمة السورية.