مصادر فرنسية: ما يرى خارج غرف التفاوض في جنيف أهم مما يجري داخلها

باريس تدعو لرصد المواقف الروسية.. وترى في حضور المعارضة نجاحا سيقوي موقفها

TT

لم تفاجأ باريس بالمسار الذي سلكه اليوم الأول من مؤتمر «جنيف 2» حول سوريا في مدينة مونترو السويسرية ولا بالمشاورات المعقدة التي يجريها المبعوث العربي - الدولي الأخضر الإبراهيمي مع الطرفين السوريين ومع الجهات الخارجية الداعمة لهما. ولا تعلق باريس، وفق مصادرها، الكثير من الآمال على ما قد يخرج من «جنيف»، إذ إن قناعتها أن حظوظ النجاح فيه «ضعيفة»، وهو ما تعيده إلى المواقف المتشنجة والمغلقة للوفد السوري الرسمي والمحاولات المستميتة التي بذلها لـ«حرف» الاجتماع عن غرضه الأول الذي لخصه الوزير لوران فابيوس بأمرين اثنين: الأول، إشعار السوريين بفوائد المسار السياسي منذ البداية، والثاني، السعي سريعا نحو تشكيل حكومة انتقالية تتولى إخراج سوريا من حال الحرب. بيد أن المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» حرصت على التأكيد على أن باريس ومعها الأطراف الغربية، وبشكل عام المجموعة الأساسية من أصدقاء الشعب السوري، تعد أن ما حصل كان «في سياق الأمور المنتظرة»، وخصوصا أن أحدا «لم يكن يتوقع أن يأتي الوفد الرسمي ليقدم تنازلات أو يتحدث عن تسهيلات منذ اليوم الأول»، أو عن جلسة «وردية» وفق تعبير الوزير فابيوس. ولذا، فإن باريس ترى أن ما جرى أمس «تأكيد على مواقف مبدئية» لكنها لن تكون «بالضرورة نهائية». وتعلل المصادر الفرنسية مقاربتها بالإشارة إلى أنه إذا كان صحيحا أن ما يجري داخل غرفة المفاوضات، إذا توصل الإبراهيمي إلى جعلها مباشرة بين الطرفين السوريين، مهم، فإن «الأهم هو ما سيجري خارجها»، أي في كواليس المؤتمر وعبر الوفود المؤثرة التي ستبقى على مقربة من قصر الأمم في جنيف أو في داخله.

وفي هذا السياق، تدعو باريس لرصد المواقف الروسية التي تبقى الأكثر تأثيرا على ما يمكن أن يقدمه النظام السوري من تنازلات بداية في المسائل الثلاث التي اتفق الوزيران كيري ولافروف عليها في اجتماعهما يوم 13 الجاري في بيت السفير الأميركي في باريس، وهي: الوقف «الموضعي» لإطلاق النار بدءا بحلب، وإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، وتبادل الأسرى والموقوفين.

وتندرج هذه «الخطوات الصغيرة» في إطار ما اتفق على تسميته «إجراءات الثقة» بين الطرفين التي من شأنها المساعدة على تسهيل المفاوضات اللاحقة والبناء عليها. لكن لتحقيق هذا الهدف المتواضع، يتعين إجراءات «مصاحبة» مثل تعيين الجهة التي سيعهد إليها الإشراف على وقف النار وآلياته حتى إن كان موضعيا والصلاحيات التي ستعطى لها وكيفية تشكيلها بحيث لا تتكرر التجربتان الفاشلتان اللتان عرفتهما سوريا في السابق.

وتتوقع باريس مفاوضات «طويلة وشاقة» لكنها تنبه منذ البداية إلى أنه يتعين الانتباه حتى لا تكون هذه المفاوضات «بلا نهاية»، بحيث يستخدمها النظام لتحقيق تقدم ميداني أو إضاعة غرضها الأول وإغراق المعارضة في التفاصيل أو استغلال التناقضات التي قد تبرز بين مكوناتها، فضلا عن ذلك، تنبه باريس على ما قد يلجأ إليه النظام لنسف المفاوضات عن طريق «تسخين» جبهات قتالية لوضع المعارضة في موقف صعب أو لدفعها إلى ترك طاولة المفاوضات.

وتربط المصادر الفرنسية بين ما سيجري في جنيف وبين وضع المعارضة، وتحديدا الائتلاف الوطني السوري، الذي يمثل عمودها الفقري. ومن وجهة نظرها، فإن أي تقدم يحققه وفد المعارضة على طاولة المفاوضات وكل تنازل ينجح في انتزاعه من ممثلي النظام يمكن أن ينعكس إيجابيا على أحوال السكان خصوصا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، «سيزيد من صدقيته ويرفع أسهمه ويثبت شرعيته» لدى السوريين. ولذا، ترى باريس أن القرار الصعب الذي اتخذه الائتلاف بقبول الذهاب إلى جنيف - مونترو كان «صائبا»، إذ إنه لم يترك الميدان معقود اللواء لوفد النظام وأثبت أنه توجه إلى جنيف لتطبيق خارطة الطريق المنبثقة عن «جنيف 1» واستخدم «لغة مسؤولة» بعكس النظام.

وتشدد المصادر الفرنسية على أن الحل التفاوضي هو «الوحيد» المتاح في الوقت الحاضر، وذلك ردا على التأويلات التي أعقبت تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في كلمته أمام المؤتمرين خلال الجلسة الافتتاحية حين أشار إلى «خيارات بديلة» يمكن اللجوء إليها في حال فشلت المفاوضات في تحقيق غرضها الأساسي، أي العملية الانتقالية.

وفي المقام الأخير، تعد باريس أن «كلمة السر» في هذه المفاوضات موجودة لدى الطرف الروسي الذي لن يفرج عنها، بطبيعة الحال، في بداية العملية السياسية بل في نهايتها، ووفقا لما يرى أنه قد حصل عليه من ضمانات إن لمصالحه المباشرة في سوريا والمنطقة أو لجهة مصير الأجهزة السورية التي ساهم في بنائها أو طبيعة السلطة الانتقالية وتشكيلها، فضلا عن ضمانات بشأن محاربة الإرهاب وتحديدا المنظمات الجهادية التي يرى فيها تهديدا مباشرا لأمنه الداخلي، الأمر الذي يبين مدى تشابك المسائل وتداخلها في ما بينها.