روبرتسون لـ «الشرق الأوسط»: النظام السوري لن يكسب المعركة عسكريا.. وعليه معرفة ذلك

وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط: غياب إيران ساهم في إنجاح مؤتمر مونترو

هيو روبرتسون
TT

قال وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هيو روبرتسون بأنه لا يمكن أن تكسب الحكومة السورية المعركة الدائرة في سوريا عسكريا، وأن عليها معرفة ذلك والتعامل مع هذه الحقيقة خلال المفاوضات التي تنطلق في جنيف اليوم. والتقت «الشرق الأوسط» روبرتسون في مونترو على هامش الاجتماع الوزاري لدفع عميلة جنيف2 الذي أنهى أعماله الليلة الماضية.

وروبرتسون، الذي عين في منصبه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لديه خبرة مختلفة عن وزراء ونواب بريطانيين آخرين، إذ كان عسكريا في الجيش البريطاني، وشارك في حرب تحرير الكويت، كما أنه كان قياديا في «مجلس حزب المحافظين للشرق الأوسط»، الذي يعمل على تطوير الروابط بين حزب المحافظين البريطاني والدول العربية. وشارك روبرتسون في الوفد البريطاني، الذي ترأسه وزير الخارجية ويليام هيغ في مونترو. وفيما يلي أبرز ما جاء في الحوار.

* من الواضح أن الحكومة السورية والمعارضة لديهما اختلافات شاسعة، ولكن بعض الدول الحاضرة في اجتماع «جنيف2» أيضا لديها آراء مختلفة حول كيفية حل الأزمة السورية. كيف تطور الموقف خلال اليومين الماضيين من النقاشات؟

- أعتقد أنه إذا نظرنا إلى خلفية الـ48 ساعة الماضية، لا يمكن إلا أن نتشجع مما حدث في مونترو، كانت هناك نقطة يوم الأحد الماضي عندما جرت دعوة إيران وشعرنا أن الأمر كله قد ينهار. وعندما وصلنا إلى مونترو، كانت الوفود المشاركة سعيدة بأننا وصلنا إلى هنا ولكن التوقعات كانت قليلة جدا. فعقد الاجتماع في حد ذاته وبدء المفاوضات المرتقب غدا (اليوم الجمعة) في جنيف، أمر مشجع. ولكن مع ذلك، الجميع يعلم أن الأمر في غاية الصعوبة وكذلك الطرفان مبتعدان تماما عن بعضهما البعض ولكن على الأقل أنهما يتحدثان وعلى الأقل المجتمع الدولي الآن لديه الوقت للبحث عن طرق لسد الفجوة بين الطرفين، مثلا من خلال إجراءات بناء الثقة.

* فيما يخص إجراءات بناء الثقة الممكنة، هناك أفكار مختلفة مثل اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية أو تبادل معتقلين، ما هو برأيك الإجراء الذي يمكن أن يكون فاتحة لبناء حسن نية بين الطرفين؟

- بصراحة لا أعلم، من الصعب تحديد ذلك في هذه المرحلة، ولكن أعتقد أن القضية الأقل تعقيدا هي العمل على طرق لتوصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين. وإجراءات بناء الثقة ستكون خطوة أولى إلى الأمام ولكن بحد ذاتها لن تحقق الكثير، لأنه إذا كان هناك إجراء واحد ولكن لا توجد ثقة أكبر في العملية الأوسع فإنه من السهل أن تنهار إذا سعى البعض على الأرض إلى إضعافها ونعود إلى نقطة الصفر. ولقد رأيت ذلك عندما كنت جنديا في البوسنة عام 1994. فهناك كان الكثير من حالات وقف إطلاق النار المحلية وتبادل المعتقلين. وكنت قائد الوحدة البريطانية في سراييفو خلال الحصار عام 1994، وهناك كانت لدينا بعض هذه الإجراءات وكان علي أن أشرف على بعض هذه العمليات مثل تبادل الأسرى. كانت وظيفة صعبة، على سبيل المثال كنا نصل إلى اتفاق بشأن تبادل أسرى الحرب ولكن عند عملية تبادل عدد أقل من الأسرى المتفق عليه أو تكون الجثامين مشوهة، عند إعادتها، يغضب الطرف الآخر فيخل أيضا بالاتفاق وهكذا. قصدي هنا أن إجراءات بناء الثقة ممكن أن تلعب دورا مهما ولكن يجب أن تكون جزءا من إطار اتفاق أكبر.

* بناء على تجربتك في البوسنة هل تعتقد أن هناك حاجة لغطاء دولي لتطبيق أي اتفاق يجري التوصل إليه؟

- شخصيا، لا أعتقد أنه من الممكن التوصل إلى حل في سوريا من دون تنسيق دولي حقيقي، ومن الواضح أن هناك ثلاثة لاعبين أساسيين هم الأميركيون والروس والأمم المتحدة مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى لاعبين أساسيين في الخليج وغيرهم لديهم تأثير على طرف أو آخر. يمكننا أن نشعر ببعض الثقة لأننا أتينا كلنا هنا وبدأ الحوار، وثانيا، مشاركة هذا العدد الكبير من الدول لأنهم عازمون على حل الأزمة وهذا أمر مهم. أعتقد أن هذه القضية ستحتاج إلى عملية أكبر وليس فقط إجراءات لبناء الثقة، وتحتاج أيضا إلى اتفاق المجتمع الدولي والوقوف وراء العملية ومساعدة الطرفين في الدفع إلى الأمام.

* هناك دول مقتنعة بذلك ولكن أخرى لا، هل يمكن القول بأن المجتمع الدولي داعم لهذه العملية؟

- أعتقد نعم، المجتمع الدولي بات أكثر وحدة الآن من أي وقت مضى في الأشهر الكثيرة الماضية. الكثير من ذلك يعود إلى عمل وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف. ولكن أعتقد أيضا أن عمل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لجلب أطراف مختلفة، مثل مشاورات لندن مع دول مجلس التعاون الخليجي. خلال الشهرين الماضيين، كنا واضحين بأن «جنيف2» هي العملية الوحيدة الموجودة، وهذا ما نقوله لكل حلفائنا، وأعتقد أن هذا الأمر بات مفهوما ورأينا ذلك هنا في مونترو.

* حدثت ضجة حول إمكانية مشاركة إيران في المؤتمر، فهل برأيك في النهاية كان من الأفضل عدم دعوتها؟

- نعم أعتقد ذلك، لأنه من الضروري أن تصل الأطراف المعنية إلى مستوى معين من الاتفاق قبل أن يكون من المجدي دعوتهم. كل من شارك في المؤتمر كان واضحا في أن المطلوب حل سياسي بناء على جنيف1 لأنه لا يمكن أن يكون حلا عسكريا. وإيران تعمل فعلا على الأرض لحل عسكري وترفض جنيف1. وبينما نريد أن نرى إيرانيين هنا (أي في الاجتماعات السياسية)، إلا أن عليهم قبول مبادئ محددة قبل ذلك، وإذا لم يفعلوا ذلك سيكون الأمر خطيرا جدا.

* لكن الحكومة السورية نفسها غير مقتنعة بهذه المبادئ، فكيف يمكن بدء العملية من دون اعترافها بجنيف1؟

- النظام لا يعترف بكل مبادئ جنيف1، وذلك يشكل عراقيل. وأكبر حجرة عثرة، بناء على ما سمعناه منهم، هي مستقبل الرئيس (السوري بشار) الأسد ولا أعتقد أن هناك شخصا في الوفد الحكومي السوري يمكن أن يواجه حقيقة أن مستقبل سوريا لن تشمل الرئيس السوري. لم يصلوا إلى هذه القناعة بعد. النهاية المنطقية لعملية جنيف1، أي حكومة مبنية على التوافق المتبادل، والتوافق لن يحدث في حال وجود الأسد كرئيس لأن المعارضة ترفض ذلك والحكومة تعرف ذلك. وذلك يجعله من الصعب للحكومة المصادقة على جنيف1.

* لقد انقطعت الحكومة السورية عن المحافل الدولية منذ فترة، كيف كان التعامل معهم خلال المؤتمر؟

- لا بد أن نعد هذا تطورا. يمكن الاستماع للخطابات، ولكن وجود الحكومة والمعارضة في نفس القاعة مع الأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة، وهما الداعمان للطرفين، مع أكثر من 30 دولة، هذا وجود دولي مهم وذلك يعطي رسالة للمعارضة والحكومة بأنه مطلوب منهم التوصل إلى اتفاق ولكن الطريق ما زال طويلا.

* ولكن هناك ضرورة لتحديد إطار زمني للمفاوضات كي لا تستمر إلى ما لا نهاية، هل يمكن وضع مثل هذا الإطار؟

- أعلم أن تقليديا هذا ما يحدث، تضع إطارا زمنيا وتدفع الأطراف إلى التوافق خلال هذا الإطار الزمني. ولكن إذا نظرنا إلى النزاعات التي عايشتها، فكنت جنديا في آيرلندا الشمالية وكانت تفاصيل النزاع مختلفة لكن مع ذلك عندما بدأت عملية السلام ووضع إجراءات لبناء الثقة وتشجيع الطرفين للجلوس سويا، لم يكن هناك جدول زمني للعملية. والأمر نفسه خلال عملية السلام في البوسنة. أعتقد في الوقت الراهن، إذا جرى تحديد موعد، سيضيعون الوقت ويمر الموعد المحدد ويعود كل طرف إلى نقطة الصفر.

* أهذا لأن الطرفين لم يقتنعا بعد بالحل السياسي وما زالا يعتقدان أنه من الممكن كسب المعركة عسكريا؟

- لا أعلم، كل المعلومات التي نحصل عليها تشير إلى أنه لا يوجد حل عسكري. إذا نظرنا إلى الوضع على الأرض، نجد أنه من المثير أن الأسد لديه عتاد عسكري أكثر بكثير من المعارضة ولكنه لا يسيطر على نسبة كبيرة من البلاد. فشل خلال ثلاث سنوات لكسب المعركة عسكريا، وبالتالي يجب أن يكون ذلك عبرة للحكومة.

* مع خلفيتك العسكرية، في رأيك ما يمنعه من كسب المعركة عسكريا؟

- لا أعلم، هذا أمر لا يمكن إلا أن نحزره، ولكن من الواضح أنهم لم يكسبوا عسكريا ولكن لا أعلم إذا كان النظام فهم ذلك أم لا.

* بعد انتهاء الاجتماع الوزاري في مونترو، ما هو دور المجتمع الدولي في دعم هذه العملية؟

- من الضروري الإبقاء على تواصل مكثف مع الأمم المتحدة والمبعوث الخاص الأخضر الإبراهيمي والحفاظ على الائتلاف الدولي حول هذه القضية وتجنيد هذا الائتلاف عندما تصل المحادثات إلى مرحلة تحتاج إلى ضغوط دولية على الطرفين من أجل إبقائهم على التفاوض.

* وزير الخارجية الأميركي جون كيري شدد في خطابه على ضرورة أن يرحل الأسد عن السلطة، ولكن وزير الخارجية البريطاني لم يقل ذلك؟

- الأساس بالنسبة لنا هو بيان جنيف1. هذه هي النقطة الجوهرية بالنسبة لنا والأساس. البيان لا يقول: إن الأسد يجب أن يترك السلطة ولكن يقول: إنه يجب تشكيل حكومة بناء على توافق متبادل. وإذا تم تطبيق مبادئ جنيف1، لا يمكن تصور بقاء الأسد في السلطة.

* هناك حاجة ماسة لتوصيل المساعدات الإنسانية والغذائية للملايين من السوريين، هل حدث أي تقدم في هذا المجال خلال اجتماع مونترو، خاصة أن مبعوثة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري ايموس حضرت الاجتماع؟

- لا توجد وثيقة الآن تؤكد إمكانية وصول المساعدات، ولكن الكثير من الدول عبرت عن عزمها تسهيل هذا الأمر وتوصيل المساعدات الإنسانية من بين الإجراءات المطروحة لبناء الثقة ولكن الأمر ليس سهلا على الإطلاق عند التطبيق.

* كانت هناك تقارير تفيد بأن الحكومة السورية تتعاون مع تنظيم القاعدة بل وتمول بعض مقاتليها، هل يمكنك تأكيد ذلك؟

- لقد قرأت التقارير الإعلامية حول هذه المسألة ولكن شخصيا لم أر أي معلومات استخبارية تربط الأسد نفسه بتنظيم القاعدة أو تمويلهم من خلال النفط والغاز. أنا لم أر مثل هذه التقارير، هذا لا يعني أنها لم تحدث أو أن النظام قادر على ذلك.

* هناك من يطالب بإحالة الرئيس السوري وبعض مسؤوليه إلى المحكمة الدولية، خاصة بعد نشر التقارير عن تعذيب الآلاف من السوريين ومطالبة محامين دوليين بذلك، هل تعتقد أنه حان الوقت لمثل هذه الخطوة؟

- في هذه اللحظة، سيشكل هذا الأمر عرقلة للمفاوضات. لا يوجد شك لدي أن المرحلة المقبلة للأسد يجب أن تكون في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وأعتقد سيحدث ذلك لاحقا. ولكن في هذه المرحلة، لا أعتقد ذلك. يجب التركيز في الوقت الحالي على وقف القتال والتهجير.