في مشهد يعكس على ما يبدو عمق الانقسام في الشارع المصري احتفل ألوف المواطنين من مؤيدي الجيش في ميادين عدة مدن بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، بينما تظاهر الألوف أيضا ضد ما عدوه «عودة ممارسات الدولة القمعية»، وسط أنباء عن سقوط عشرات القتلى والمصابين.
وفي تغير لافت شاركت قوى وحركات احتجاجية مدنية في مسيرات لجماعة الإخوان المسلمين أمس، تصدت لها قوات من الجيش والشرطة بالرصاص للحيلولة دون تقدمها باتجاه ميدان التحرير، مما دفع تلك القوى لإعلان انسحابها رسميا «حفاظا على أرواح أعضائها»، بعد أن تحولت عدة شوارع في القاهرة لساحات قتل سمع خلالها دوي إطلاق كثيف للنيران.
وعقب يوم دام، شهد سلسلة تفجيرات ضد مواقع شرطية في قلب العاصمة أسفرت عن مقتل ستة أشخاص، وسقط خلاله أيضا نحو 15 قتيلا في مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين ينتمون لجماعة الإخوان، استيقظت القاهرة على تفجير هو الخامس خلال اليومين الماضيين شمال القاهرة، لم يسفر عن خسائر في الأرواح، بحسب مصادر أمنية.
وبدا الصراع هو سيد الموقف في مصر بعد ثلاثة أعوام من الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. وفي ميدان التحرير وكبرى ميادين المحافظات تحدى مواطنون العمليات الإرهابية، وشاركوا في إحياء ذكرى الثورة وسط إجراءات أمنية مشددة. لكن الصراع الرمزي بالوجود في الميادين المؤمنة، بدا أكثر سخونة في الشوارع المؤدية لتلك الميادين، حيث زحفت مظاهرات معارضة للنظام القائم ورفعت مجددا شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».
المشهد الرسمي الذي بثته قنوات تابعة للدولة وإعلام خاص ركز على احتفالات ميدان التحرير وميادين في الإسكندرية، وبورسعيد والسويس (شرق القاهرة) والمنصورة والمنوفية والغربية والشرقية (دلتا مصر)، والمنيا وأسيوط وقنا (صعيد مصر).
وفي دعم قوي للمحتفلين زار الدكتور حازم الببلاوي، رئيس مجلس الوزراء ميدان التحرير أمس وأشاد بما اعتبره «روح الإصرار التي دفعت جماهير الشعب المصري إلى الاحتشاد في الميادين والاحتفال بثورته، وتحدي كل ما تمارسه قوى الإرهاب من أعمال إجرامية تسعى لإرهاب هذا الشعب والتأثير على عزيمته».
وقال الببلاوي إن نزول الجماهير بكثافة إلى الميادين سيكون ضامنا لنجاح هذه الاحتفالات، مشددا على أن الدولة بجميع أجهزتها قوية وحريصة على حماية الوطن وقادرة على التصدي لكل المخططات الإرهابية، التي تهدف إلى هدم الدولة وعرقلة سيرها على «خارطة المستقبل».
ووضع قادة الجيش بالتوافق مع قوى سياسية خارطة للمستقبل تضمنت وضع دستور جديد، وهي الخطوة الأولى التي أنجزت منتصف الشهر الحالي، فيما لا يزال المصريون ينتظرون إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ووجه الجيش أمس تهنئة للشعب المصري بالعيد الثالث لثورة 25 يناير، وقال في بيان له إن «هذا اليوم سيبقى رمزا لعظمة الشعب وصلابة إرادته الوطنية ورفضه العنف والإرهاب».
وقاد وزير الثقافة صابر عرب مسيرة من دار الأوبرا المصرية إلى ميدان التحرير رافقه فيها وفد من الفنانين والمثقفين، وقدمت فرق الموسيقات العسكرية عروضا في الميدان، الذي هيمن عليه الطابع الرسمي.
وهيمن مشهد مغاير على عدة مناطق في القاهرة تحولت لساحات قتال بين قوات الأمن ومعارضين. وفي تحول نوعي عقب نحو 6 شهور من مظاهرات أنصار جماعة الإخوان وقوى إسلامية داعمة لها، شارك في مظاهرات يوم أمس قوى وحركات احتجاجية يسارية وشبابية على رأسها حركة شباب 6 أبريل، والاشتراكيين الثوريين.
وأظهر المحتجون إصرارا على التقدم باتجاه ميادين رئيسة في العاصمة القاهرة، أبرزها ميدان مصطفى محمود بحي المهندسين (غرب القاهرة). وقال شهود عيان إن قوات الأمن تصدت بقوة لتلك المحاولات واستخدمت قنابل الغاز وطلقات الخرطوش والرصاص الحي لمنع عدة مسيرات من التقدم إلى الميدان.
وتكررت مشاهد المواجهات العنيفة بين قوات الأمن المعززة بقوات من الجيش والمتظاهرين المعارضين، أمام نقابة الصحافيين، وفي ميدان رمسيس بوسط القاهرة، وفي أحياء حلوان والمعادي (جنوب القاهرة)، وعين شمس والألف مسكن ومدينة نصر (شرق القاهرة)، والسادس من أكتوبر (غرب القاهرة).
وناشدت جبهة طريق الثورة التي تضم قوى اشتراكية وحركات احتجاجية أعضاءها وكل من لبى دعوتها بالنزول لإحياء ذكرى الثورة الانسحاب الكامل من كافة الفاعليات. وقالت الجبهة في بيان لها أمس إن ما شهدته ذكرى الثورة من عنف مفرط من قبل قوات الشرطة في كافة الميادين ضد كل من يحاول التعبير عن رأيه يعد جريمة كبرى تضاف لجرائم السلطة الحالية، في وسط تأمينها لأنصارها بميدان التحرير. وأضافت أن «الحفاظ على أرواح القابضين على الجمر الآن هو مهمة ثورية بامتياز، والمعارك مع السلطة الحالية مستمرة ولن تنتهي، ولكن أرواحكم وحريتكم والحفاظ عليها هي الأمل الأهم لبقاء الثورة».
وقالت وزارة الصحة المصرية إن أربعة قتلوا خلال المواجهات بين الشرطة والمحتجين. وقالت مصادر أمنية إن قواتها ألقت القبض على عشرات من المنتمين لجماعة الإخوان خلال مظاهراتهم. ويبدو أعداد القتلى مرشحة للزيادة مع احتدام العنف في المواجهات. وتعيد مظاهرات يوم أمس (السبت) إلى الأذهان احتفال القاهرة بذكرى حرب السادس من أكتوبر، حيث احتفل الألوف حينذاك في ميدان التحرير أيضا بينما قتل 57 من أنصار الإخوان في الطرق المؤدية إلى الميدان.