«هيومان رايتس ووتش»: نظام الأسد تعمد هدم الآلاف من منازل المدنيين عقابا

دعت لإحالة الملف إلى «الجنائية الدولية».. والائتلاف عده إدانة جديدة

صورتان تظهران الدمار الذي لحق بحي مشاع الأربعين في حماه جراء قصف النظام.. الصورة التي على اليمين تظهر الحي يوم 28 سبتمبر 2012.. وبجانبها صورة لنفس الموقع في أكتوبر من العام نفسه بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش (أ.ف.ب)
TT

اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية نظام الرئيس السوري بشار الأسد بـ«معاقبة» السوريين عبر هدم آلاف المنازل «من دون وجه حق» في دمشق وحماه، داعية مجلس الأمن إلى إحالة هذه القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، في وقت رأى الائتلاف السوري المعارض أن التقرير يثبت «تورط النظام في معاقبة المدنيين بشكل ممنهج وجماعي». وأشارت «هيومان رايتس ووتش»، في تقريرها الذي حمل عنوان «التسوية بالأرض: عمليات الهدم غير المشروع لأحياء سكنية بسوريا في 2012 - 2013»، إلى أن «صور الأقمار الصناعية وشهادات الشهود وأدلة مستمدة من مقاطع فيديو وصور فوتوغرافية، جميعها تبين أن السلطات السورية قامت عمدا، ومن دون وجه حق، بهدم الآلاف من المباني السكنية بدمشق وحماه في عامي 2012 و2013».

ويوثق التقرير «سبع حالات لعمليات هدم واسعة النطاق بالمتفجرات والجرافات وانتهاك هذه العمليات لقوانين الحرب، حيث إنها لم تكن تخدم أي غرض عسكري ضروري، وبدت كأنها تعاقب السكان المدنيين عن قصد، أو تسببت في أضرار كبيرة للمدنيين». وقال الباحث في المنظمة أوليه سولفانغ، إن «عمليات الهدم غير المشروع هذه تأتي كأحدث إضافة إلى قائمة طويلة من الجرائم التي ارتكبتها الحكومة السورية». ويفيد التقرير بأن الكثير من المباني التي هدمت كانت مؤلفة من طبقات عدة، مشيرا إلى أن الآلاف من السوريين كانوا يقطنون فيها. وتظهر صور ملتقطة من الأقمار الاصطناعية لحي الجوز في حماه ما قبل الدمار وما بعده. وتظهر الصور تجمعات من الأبنية بين طريقين رئيسين في أبريل (نيسان) 2013، في حين تبدو التجمعات نفسها وقد استحالت ركاما أبيض اللون في شهر مايو (أيار) من العام ذاته.

وينقل التقرير عن امرأة كانت تقيم بالقرب من هذا الحي أنه «بعد تهديم وادي الجوز، جاء الجيش إلى حينا بمكبرات الصوت، وقالوا إنهم سيدمرون حينا كما دمروا وادي الجوز ومشاع الأربعين إذا أطلقت رصاصة واحدة من هنا». وكانت المناطق المتضررة، وفق «هيومان رايتس ووتش»، تعد جميعها «معاقل للمعارضة»، في وقت برر فيه مسؤولون سوريون ووسائل إعلام موالية عمليات الهدم بأنها «شكلت جزءا من جهود التخطيط العمراني أو إزالة المباني المخالفة للقانون»، رغم أنها جرت بإشراف قوات عسكرية وكثيرا ما أعقبت جولات من القتال، وفق التقرير ذاته.

وتربط «هيومان رايتس ووتش»، في تقريرها، عمليات الهدم بالنزاع المسلح، وتشير إلى أنها «لم تكن تخدم أي غرض عسكري ضروري وبدت كأن القصد منها معاقبة السكان المدنيين، أو أنها تسببت في أضرار غير متناسبة للمدنيين بالمخالفة لقوانين الحرب»، ملاحظة أنه «بقدر ما استطاعت التأكد، لم تجر عمليات هدم مشابهة في المناطق المؤيدة بصفة عامة للحكومة».

ودفعت الوقائع التي نشرتها المنظمة الدولية الحقوقية «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، إلى تجديد المطالبة «بمحاكمة نظام الأسد أمام محكمة الجنايات الدولية، وذلك في ظل ظهور المزيد من الأدلة على اتباع النظام سياسة ممنهجة تستهدف المدنيين الأبرياء». وعد، في بيان أصدره أمس، أن التقرير «دليل إضافي يثبت تورط النظام في معاقبة المدنيين بشكل ممنهج وجماعي لإجبارهم على الخضوع والتخلي عن مطالبهم بالحرية والعدالة والديمقراطية». ويؤكد عدد من السكان المستجوبين في التقرير أنه لم يتح لهم الكثير من الوقت لمغادرة منازلهم قبل هدمها. وفي هذا الإطار، يقول صاحب مطعم في حي القابون، شمال شرقي دمشق، إن «قوات الأمن وصلت بالجرافات في صباح أحد الأيام من دون إنذار، وأمرته بمغادرة المكان»، مشيرا إلى أنه حين سؤاله عن السبب، أجابه الجندي: «كفانا من الأسئلة». ويتابع: «بينما كنت أسير نظرت خلفي فرأيت الجرافة تهدم مطعمي (...) أمام عيني، جرى تدمير كفاح عائلتي في ثانية واحدة». ولم تقتصر عمليات الهدم التي أجرتها القوات النظامية على أحياء معارضة فحسب، بل عمدت إلى تنفيذ عمليات مماثلة في نطاق مواقع حكومية عسكرية أو استراتيجية كانت قوات المعارضة قد هاجمتها. وتقول «هيومان رايتس ووتش»، في تقريرها، إنه و«رغم أن السلطات ربما كانت لها مبرراتها (...)، لكن تدمير المئات من المباني السكنية، على بعد كيلومترات من هذه المواقع في بعض الحالات، يبدو غير متناسب وينطوي على المخالفة للقانون الدولي». وطالبت المنظمة السلطات بأن «تتعهد بوضع حد فوري لعمليات الهدم التي تخالف القانون الدولي، وأن تعوض الضحايا وتوفر سكنا بديلا لهم»، في موازاة تأكيد أوليه سولفانغ، الباحث في المنظمة، أنه «لا يجوز لأحد أن ينخدع بمزاعم الحكومة بأنها تقوم بالتخطيط العمراني في وسط نزاع دموي، فهذا عقاب جماعي لتجمعات سكانية يشتبه في تأييدها للمعارضة».

ويرى سولفانغ أنه «على مجلس الأمن وعن طريق الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، أن يرسل رسالة واضحة، مفادها أن عمليات التستر وإفلات الحكومة من العقاب لن تقف في طريق العدالة للضحايا»، بالتزامن مع تشديد الائتلاف السوري المعارض على أن «ترويع المدنيين لإجبارهم على التخلي عن مطالبهم في الحرية من السياسيات المحورية التي يتبعها نظام الأسد». وأشار إلى أن الأخير «حاول مرارا وتكرارا خلال محادثات جنيف أن يتجاهل المطالب برفع الحصار عن حمص، المحاصرة منذ أكثر من عام، في إصرار على تحويلها إلى سجن كبير، يرتكب فيه جرائم القتل والتعذيب والتجويع على نحو ما كشفه التقرير الذي نشر أخيرا ووثق عمليات تعذيب وقتل منظم لنحو 11 ألف معتقل في سجون النظام تحت ملابسات تذكر بما حدث في معسكرات التعذيب النازية».