مشاهدات يابانية: السعودية واليابان.. 60 سنة تؤسس لشراكة مستقبلية

علاقات تاريخية أرساها عملاقا النفط والتكنولوجيا

ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز يصافح شينزو آبي لدى وصوله إلى المقر الرسمي لرئيس الوزراء الياباني (رويترز)
TT

أنهى ولي العهد السعودي، الأمير سلمان بن عبد العزيز، زيارة رسمية إلى اليابان، أكدت عمق العلاقات التي تربط بين المملكة العربية السعودية واليابان، العملاق الاقتصادي والصناعي والثقافي، ليس على مستوى آسيا فحسب، بل على مستوى العالم بأسره.

تتمتع اليابان، التي يبلغ عدد سكانها اليوم نحو 130 مليون نسمة، بمكانة اقتصادية عالمية رفيعة، إذ يبلغ حجم ناتجها المحلي الإجمالي في حساب القدرة الشرائية 4.866 تريليون دولار أميركي (الرابعة في العالم)، والحجم الاسمي 5.960 تريليون دولار (المرتبة الثالثة عالميا)، مع احتلالها المرتبة بين 22 و23 في معدل دخل الفرد. ثم إن اليابان التي تضم 778 جامعة ومعهد تعليم عال، يدرس فيها نحو ثلاثة ملايين طالب وطالبة، تتبوأ موقعا بارزا في طليعة دول العالم على صعيد الأبحاث العلمية المتقدمة.

وكان هذان الجانبان بين ما أشار إليه الأمير سلمان، في كلمة القاها في جامعة واسيدا, حين قال: «..إن العلم والمعرفة هما الأساس الذي تقوم عليه نهضة الأمم، وهما عماد الاقتصادات الحديثة. بلادنا تبعد عنكم آلاف الكيلومترات. صحيح أننا اقتربنا من بعضنا البعض بفضل التقنية المدهشة، التي كان لكم يد في ازدهارها بالطبع، إلا أنني أدعوكم للاقتراب منا أكثر, الاقتراب من ثقافتنا الإسلامية والعربية.. فلدينا الكثير مما نود إطلاعكم عليه، لتكتشفوا الكثير من المبادئ والتعاليم والقيم التي نشترك فيها معا. نحتاج لمن هم في علمكم، وإلى مثلكم لفهم ثقافتنا. فنحن نعاني من تصورات خاطئة تضعنا، أحيانا، في قوالب جاهزة. نفخر بطلابنا السعوديين الذي يدرسون في معاهد وجامعات اليابان».

تعود العلاقات السعودية - اليابانية إلى عام 1938، حين لبت الحكومة اليابانية دعوة رسمية وجهها الملك عبد العزيز، عبر مندوبه الشيخ حافظ وهبة، وأوفدت وزيرها المفوض في سفارة اليابان في القاهرة ماسايوكي يوكوياما. وقد دون الدبلوماسي الياباني رحلته تلك، منذ لحظة نزوله في ميناء جدة متوجها إلى مدينة الرياض للقاء الملك عبد العزيز في قصره بالبديعة. ومما روي عن تلك الفترة ما كتبه ايجيرو ناكانو، بعد رحلة قام بها إلى الجزيرة العربية عام 1938، يصف فيها تلك الحياة التي كانت قائمة في تلك الفترة.

علاقات تاريخية في مارس (آذار) 1938، اكتُشف حقل كبير للنفط في السعودية، بواسطة شركة «كاليفورنيان أرابيان ستاندارد أويل» الأميركية، من كاليفورنيا، وهي إحدى شركات «سوكال». وفي مايو (أيار) 1938، زار الوزير السعودي في لندن الشيخ حافظ وهبة اليابان، لحضور حفل افتتاح مسجد طوكيو. وأثناء وجوده في العاصمة اليابانية أبلغ مدير المكتب الأوروبي الآسيوي في وزارة الخارجية اليابانية، إينويو، بأن الحكومة السعودية مستعدة لتقديم امتيازات نفطية لليابان. ثم ذهب الوزير الياباني في القاهرة، ماسايوكي يوكوياما، برفقة اثنين من المسؤولين هما تي متسوشي (جيولوجي)، وإي ناكانو (مترجم للغة العربية)، إلى الرياض، حيث جرت مباحثات خاصة ببحث الامتيازات النفطية، بين الوزير الياباني والشيخ يوسف ياسين (السكرتير الخاص للملك عبد العزيز)، استمرت من 1 - 6 أبريل (نيسان) 1939. ثم استؤنفت في جدة، في 13 من الشهر عينه. وفي المرتين، لم يتم التوصل إلى اتفاق. وبحسب كي إس تويتشل، فعلى الرغم من أن شروط اليابان كانت «مغرية لأنها كانت رائعة»، قررت السلطات السعودية ألا تمنح اليابان أي امتياز، آخذة بنصيحة تقول «إن اليابانيين سياسيين وليسوا تجاريين».

فهل كان تفسير تويتشل دقيقا؟

في البداية، أعد السعوديون مقترحا لليابان لامتياز يخص المنطقة حول صحراء الدهناء ووادي السرحان، وكذلك المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية. وقد تم استبدال الأخيرة، خلال المباحثات السعودية اليابانية التي جرت في جدة، بالنصف الغربي من صحراء الربع الخالي. لكن اليابانيين كانوا يرغبون في المنطقة المحايدة فقط، فقد كانوا مقتنعين بأنه لن يكون هناك نفط في المناطق الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن مسموحا لهم بالسفر داخل المملكة، لإجراء مسوحات أولية لتلك المناطق. كما طُلب منهم التوقيع على اتفاق امتياز، ودفع رسم امتياز أولي إلى الحكومة السعودية، يساوي مبلغ 200 ألف جنيه إسترليني من الذهب. لم يكن بوسع الوزير الياباني أن يقبل الشرط ببساطة، ورد العرض السعودي.

كانت الحكومة السعودية آنذاك مدينة لشركات أجنبية عدة، بما يقارب 152 ألف جنيه إسترليني، منها «جيلاتلي»، و«هانكي وشركاه»، و«إتش سنتجون فيابي وشركاه». علاوة على ذلك عانت السعودية من مواسم حصاد فقيرة، في شتاء عامي 1936 - 1937 و1937 - 1938، بسبب شح الأمطار. وعلى الرغم من أن الحكومة حصلت مقدما، عام 1938، على دفعة من شركة «سوكال»، تساوي قيمتها خمسين ألف جنيه ذهبي، فإنها كانت بحاجة أكبر للمال.

في تلك الظروف كان السعوديون تواقين للحصول على أفضل الشروط الممكنة لامتيازات النفط، حيث كانوا يتفاوضون مع جهات أخرى تسعى للحصول على الامتيازات. لذلك طلبوا من يوكوياما التكتم على سرية المناطق والشروط التي نوقشت خلال المباحثات في الرياض وجدة.

بالفعل كانوا سريعين في استغلال الوضع وتحقيق مكاسب من المباحثات المجهضة. وبحسب موسلي، فقد أخبر الملك الأميركيين بأنه رد جميع طالبي امتيازات النفط الأجانب «بما في ذلك اليابانيون الذين عرضوا عليه عرضا هائلا» (الأقواس من عندنا). من الممكن أن يكون تويتشل صدّق ببساطة قصة الحكومة السعودية. ونجحت «سوكال» في الحصول على امتياز جديد للمناطق المحايدة بين المملكة والكويت، وبين المملكة والعراق، في 31 مايو 1939. وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، اندلعت الحرب العالمية الثانية في أوروبا، ولم تتعرض تجارة اليابان للاضطراب مباشرة. لكن بمجرد سقوط فرنسا في يونيو (حزيران) 1940، انضمت إيطاليا إلى ألمانيا بإعلانها الحرب على الحلفاء، وامتدت الحرب العالمية الثانية لتصل إلى الشرق الأوسط. في ذلك الحين أغلقت قناة السويس أمام الملاحة اليابانية، ولم يكن هناك سوى كميات محدودة من البضائع اليابانية يمكن تصديرها إلى مناطق متفرقة من المنطقة، عبر ميناء البصرة.

إضافة إلى ذلك، قطعت كل من مصر والعراق وإيران عام 1941 علاقاتها الدبلوماسية مع اليابان. في ظل تلك الظروف، اضطرت المكاتب التمثيلية للشركات التجارية اليابانية إلى الغلق واحدة تلو الأخرى. فأغلقت شركة «إم تي سي»، على سبيل المثال، مكاتبها في بيروت وبغداد وطهران والإسكندرية، خلال الفترة من سبتمبر 1940 إلى أكتوبر (تشرين الأول) 1941. وعلى الرغم من أن شركة «نيبون مينكا» رفعت وضع مكتبها التمثيلي إلى مستوى الفرع، فإنها اضطرت إلى غلقه في يوليو (تموز) 1941.

لذلك يمكن القول، إنه حتى لو كانت اليابان مُنحت امتيازا نفطيا، فهي لم تكن قادرة على استخدامه خلال فترة الحرب. على الرغم من ذلك، من الجدير بالملاحظة أنه حتى في تلك الفترة المبكرة من عام 1939 قامت اليابان بمسعى كبير في المملكة التي لم تكن بعيدة عنها وحسب، بل ولم تكن لديها علاقات دبلوماسية معها.

* اليابان والشرق الأوسط

* على امتداد قرون، ارتكز أمن الطاقة في اليابان على العلاقة مع دول الخليج، حيث تستورد معظم النفط الخام من السعودية (تعتبر أكبر مستورد للنفط الخام من السعودية على مستوى العالم). كما أن اليابان تعد أكثر المشترين للغاز الطبيعي من قطر. وفي ضوء تعليق برنامجها النووي المدني، ستعتمد اليابان بشكل أكبر على صادرات الطاقة من هذه الدول. وعلاوة على ذلك، سعت الشركات اليابانية، بما فيها شركات صناعة السيارات، إلى الدخول في الأسواق الواسعة في المنطقة بحثا عن عملاء جدد.

من جهة أخرى، تعتبر اليابان موردا رئيسا للمساعدات الإنسانية التي يحصل عليها لاجئو الحرب الأهلية السورية. فقد قدمت المنظمات اليابانية ما يزيد على 100 مليون دولار من المساعدات إلى مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ووكالات الإغاثة في دول المنطقة، التي تحاول التخفيف من التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي يواجها اللاجئون السوريون.

* اليابان: مركز المنح الدراسية للطلاب

* إلى ذلك، توفر الجامعات اليابانية للطلاب من الشرق الأوسط برامج دراسية رائعة. وتعد جامعة طوكيو واحدة من هذه الجامعات. وبالإضافة إلى ذلك، يضم معهد اقتصاديات الطاقة الياباني سجلا رائعا من المنح الدراسية في الاقتصاد السياسي لدول المنطقة. ويضم السلك الدبلوماسي الياباني عددا كبيرا من الدبلوماسيين الذين يتحدثون اللغة العربية بطلاقة. وعلاوة على ذلك، يدرس بعض الطلاب اليابانيين في إيران. وسافر تاكاشي هياشي - الذي يعد واحدا من أبرز العلماء اليابانيين في المنطقة - إلى السعودية مرات عدة. ويعمل الأكاديمي النشط، نومي تسوجيغامي، أستاذ كرسي السلطان قابوس لدراسات الشرق الأوسط، في جامعة طوكيو.

تائه في عشر سنوات ضائعة منذ انفجار فقاعة أسعار الأصول في بداية التسعينات، وتأثره جراء الأزمة المالية التي هزت العالم عام 2008، فقد الاقتصاد الياباني قدرته على التعافي على مدى عقدين. ولا تزال معدلات البطالة مرتفعة (4 في المائة). وشهد عام 2013 عجزا في الميزان التجاري، بلغ رقما قياسيا وصل إلى 11.5 تريليون ين. كما تمتلك اليابان في الوقت الراهن أثقل عبء ديون في العالم (كوادرليون ين). وفشلت سياسات رئيس الوزراء، شينزو آبي، الاقتصادية في إنعاش الاقتصاد في عام 2014.

نتيجة لهذا الأداء المتردي، خفضت مؤسسة «كريدي سويس» التوقعات الاقتصادية لليابان لعام 2014، من 2.2 إلى 1.6 في المائة. فشهد يناير (كانون الثاني) وحده عجزا تجاريا بلغ 2.79 تريليون ين. وانخفض مؤشر بورصة «توبكس» في الوقت الراهن، 7 في المائة. وعلى الرغم مما قدمه انخفاض قيمة الين الياباني مقابل الدولار الأميركي العام الماضي بنسبة 18 في المائة، من مساعدة لشركات السيارات اليابانية، فإنه رفع، في المقابل، تكلفة واردات المنتجات على الأسر اليابانية المتوسطة الدخل. كما يواجه المستهلك الياباني أيضا ضريبة مبيعات جديدة، ستدخل حيز التنفيذ في أبريل المقبل، (لترفع الضريبة من 5 في المائة إلى 8 في المائة). ومن المتوقع أن يتأثر العجز التجاري لليابان سلبا، في ظل الاعتماد المتزايد على النفط الخام (ارتفعت واردات النفط الخام بنسبة 28 في المائة خلال شهر يناير/ كانون الثاني).

تولى شينزو آبي مقاليد السلطة في ديسمبر (كانون الأول) 2012، بفضل برنامجه الاقتصادي الجديد، «أبينومكس»، لإعادة إنعاش الاقتصاد الياباني، ووقف 15 عاما من الانكماش. وارتكز برنامجه على ثلاثة محاور أساسية هي الحوافز المالية، والتيسير الكمي، وإصلاحات هيكلية محدودة.

رفع «أبينومكس» الآمال في بادئ الأمر، وارتفعت في مايو 2013 ثقة المستهلك إلى أعلى مستوى لها خلال ست سنوات. لكن هذه الثقة، بدأت في التراجع بعد ذلك، نتيجة للتوقعات بتراجع نمو الدخل، وتراجع مشتريات السلع المعمرة، وتباطؤ نمو أسعار الأصول. وكان يناير 2014 الشهر الأدنى من حيث ثقة المستهلكين في السياسات الاقتصادية منذ تولي شينزو منصبه، حيث انخفضت الأجور الأساسية بنسبة 0.6 في المائة في ديسمبر من العام الماضي. وبلغت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي، في الربع الرابع من العام الماضي، واحدا في المائة فقط. وقد نشرت وكالة «بلومبرغ» تقريرا لمجموعة من الاقتصاديين الذي توقعوا متوسط نمو يصل إلى 2.8 في المائة.

على الرغم من هذه الإحصاءات الكئيبة فإن آبي ما زال ماضيا في سياسته الاقتصادية. فقدم بنك اليابان المركزي يوم الثلاثاء الماضي حوافز جديدة لزيادة القروض المصرفية. ويتوقع أن يستمر في محاولاته لتحفيز الاقتصاد بمزيد من التيسير الكمي، لكن ضريبة المبيعات التي طرحها رئيس الوزراء تهدد بتقويض هذه السياسة النقدية.

* إصلاح الفجوة بين الجنسين

* تعاني اليابان من فجوة كبيرة بين الجنسين في سوق العمل. وعلى الرغم من أن عدد النساء في الجامعات يفوق عدد الرجال فإن نسبتهن في قوة العمل تقف عند 25 في المائة. ووضع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي عن الفجوة بين الجنسين اليابان في المرتبة 102 بين 135 دولة. إضافة إلى ذلك، تعاني اليابان من أسوأ فجوة على مستوى الأجور بين الجنسين أيضا، بحسب منظمة التعاون والتنمية. فالمرأة اليابانية لا تحصل إلا على 72 في المائة، مما يحصل عليه الرجال عن العمل نفسه. وترجع أسباب هذه الفجوة إلى التقاليد الثقافية، والسياسات الضريبية، وساعات العمل، ورعاية الأطفال. ولمعالجة هذه الفجوة، سعى آبي إلى زيادة مشاركة النساء في سوق العمل، من خلال عدد من السياسات. ووعد بتوفير 200 ألف مكان رعاية نهارية بحلول عام 2015، و200 ألف أخرى بحلول عام 2017. كما طالب الشركات بمد إجازة رعاية الطفل إلى ثلاث سنوات. وطالب أيضا بأن تشغل النساء 30 في المائة من المناصب القيادية في الشركات والحكومة، بحلول عام 2020. ويدرس آبي أيضا طرح إصلاحات ضريبية لتحفيز النساء على العمل. وقال أخيرا، إنه يرغب في تقديم برامج تدريبية جديدة للنساء.

* تركيبة سكانية تثير القلق

* نظرا لما تتمتع به من معدل أعمار هو الأعلى في العالم، وأدنى معدل للولادة، تواجه اليابان أزمة في عدد السكان. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تنخفض القوة العاملة في اليابان بنسبة 40 في المائة بحلول عام 2050، كما يتوقع أن تتجاوز أعمار 38 في المائة من سكان اليابان سن الخامسة والستين، وأن تصل نسبة السكان العاملين إلى السكان المسنين 1:1. وسينخفض عدد سكان اليابان بحلول عام 2060 إلى 87 مليون نسمة. ولعل أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت آبي لتعزيز مشاركة المرأة في قوة العمل هو زيادة نسبة عدد السكان العاملين، لأن تراجع أعداد القوة العاملة سيتطلب دفع معاشات تقاعدية لكبار السن. ويأمل آبي في أن تسهم ضريبة المبيعات الجديدة في دفع تكاليف عبء المعاشات المتزايدة في بلاده.

ناطحات السحاب في خطوط التصدعات الأرضية لم تكن الزلازل التي تسببت، في بعض مراحل تاريخها، في حدوث أضرار كبيرة لبعض المناطق، غريبة عن اليابان. وخلف تسونامي الذي ضرب البلاد عام 2011، وما صاحبه من زلزال، دمارا هائلا. وعلى الرغم من هذا، وتزايد الهجرة من الريف للعيش في طوكيو (يعيش 30 في المائة من سكان اليابان في العاصمة والمناطق المحيطة بها)، توفر ناطحات السحاب خيار معيشة عمليا. وقد ساعد النمو الاقتصادي القوي لليابان، الذي بلغ ذروته في الثمانينات، في تحول المدن الكبرى إلى مدن ناطحات سحاب براقة، أبرزها طوكيو. وعلى الرغم من تراجع النمو الاقتصادي فإن مشروعات ناطحات السحاب الجديدة، بما في ذلك الفنادق والشقق السكنية، لا تزال مستمرة في طوكيو، بما في ذلك تطوير وسط المدينة الجديد.

* تكنولوجيا العولمة

* كانت الشركات اليابانية في طليعة الابتكار التكنولوجي، حيث غيرت منتجاتها من أسلوب حياتنا وتفاعلنا في عالم تحول إلى قرية صغيرة. وقد جعلت شركات السيارات، مثل «تويوتا»، وشركات الأجهزة الإلكترونية الشخصية، مثل «باناسونيك» و«سوني»، التكنولوجيا أكثر جاذبية، وحولتها إلى جزء لا غنى عنه في حياتنا اليومية. فغيرت بذلك من طريقة تفاعلنا مع بعضنا البعض، ورفعت من نوعية حياتنا وجودتها أيضا. وقد كانت الثورة التكنولوجية في اليابان أحد العوامل الرئيسة في العولمة. ولولا مثل هذه التكنولوجيا لما وصل الكثير من العالم النامي إلى ما وصل إليه اليوم.

* طوكيو 2020: «الألعاب الأوليمبية»

* فازت اليابان أخيرا بشرف استضافة فعاليات دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية، المزمع إقامتها في طوكيو في عام 2020. والجدير بالذكر أن العاصمة اليابانية كانت قد استضافت أول دورة ألعاب أوليمبية صيفية في عام 1964. وبهذا ستكون اليابان الدولة الآسيوية الوحيدة التي تستضيف تلك الألعاب مرتين. وستقوم المعمارية العالمية زها حديد بتصميم الملعب الأوليمبي الوطني الجديد.

ويأمل آبي في أن تسهم دورة الألعاب الأوليمبية في استعادة اليابان صورتها المتألقة مجددا. وقال في تصريح له في سبتمبر 2013 «لدينا فرصة عظيمة لجعل صورة طوكيو واليابان متألقة وبراقة. أريد التغلب على مشكلة الانكماش الاقتصادي المستمر منذ 15 عاما. وسيكون لاستضافة فعاليات الألعاب الأوليمبية وأولمبياد المعاقين تأثير جيد على نطاق واسع من القطاعات، مثل البنية التحتية والسياحة».

ويأمل آبي أيضا في أن تسهم الألعاب الأوليمبية في تحفيز الاستثمار الاقتصادي، وزيادة ثقة العملاء في اليابان. وتتوقع الحكومة اليابانية أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي للبلاد رواجا بنسبة 0.3 في المائة، من خلال الناتج المحلي الإجمالي لتلك الألعاب. ويشير بعض المحللين الاقتصاديين إلى هذا الأمر على أنه العنصر الرابع الوارد في السياسات الاقتصادية الخاصة بآبي. وستؤدي دورة الألعاب الأوليمبية أيضا إلى المساعدة في تحقيق انتعاش في مجال الإنشاءات في طوكيو لإعدادها لاستضافة فعاليات هذه الدورة. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الألعاب تثير مخاطر زيادة ديون البلاد. وفي ضوء الإصلاحات الاقتصادية التي يطرحها آبي، يمكن لتلك المعدلات أن تأتي دون المتوقع.

* حديث السياسة

* خلال الزيارة التي تواصلت لأيام، جرى لقاء في طوكيو، مع ناتسو ياماغوتشي، رئيس حزب «نيو كوميتو»، وهو واحد من أكبر الأحزاب السياسية في اليابان. تحدث ياماغوتشي عن علاقته بالشرق الأوسط، وقال إنه زار السعودية خلال حرب الخليج. وعرض صورة التقطها من الطائرة بعد تحرير الكويت في فبراير (شباط) 1991 من احتلال جيش صدام حسين الذي استمر قرابة أربعة أشهر. ووصف لحظة التقاطه للصورة بقوله إن الطائرة التي أقلته حلقت فوق سحب كثيفة من الدخان المتصاعد من آبار النفط المشتعلة. في تلك اللحظة، كان يفكر في الكويتيين الذي لا بد أنهم كانوا يحتفلون بتحررهم، على الرغم من الثمن الغالي الذي دفعوه.

وأضاف ياماغوتشي أنه كان عائدا من السعودية يشاهد التحولات التي تجري في المنطقة من ارتفاع عال في السماء. وتذكر الأوقات الطيبة التي قضاها في مدينة الخبر حتى وقت قصير قبل مغادرته البلاد، وما تركت زيارته للمملكة من انطباعات إيجابية، واستمتاعه الكبير بالوقت الذي قضاه متنقلا فيها.

* موقف ياباني أفضل

* اللقاء مع أحد مستشاري رئيس الحكومة (فضل عدم الإفصاح عن اسمه) بدأ بحوار حول الوضع السوري. وقد تحدث المستشار كمن يعتذر عن موقف بلاده من الأزمة. وقال إنه يتوجب على اليابان أن تأخذ موقفا إضافيا من الوضع هناك. لقد جرت محاولات للوقوف على الحياد، والاكتفاء بتقديم مساعدات إنسانية. غير أن ما يجري في سوريا يتطلب موقفا أخلاقيا أيضا. كان التدخل في الأزمة صعبا على طوكيو، بسبب عدم شرعية التدخلات الخارجية عموما. وقد عبر المستشار بوضوح عن قلقه من التصعيد الحاصل في سوريا، قائلا إن اليابانيين يأملون في حل الأمور هناك بشكل ودي.

وحين وصل الحديث إلى الملف الإيراني انتقد المستشار الوضع بشدة، والاتفاق الأميركي مع إيران. وقال إن بإمكان بلاده المساعدة في هذا المجال، وتقديم خدمات مختلفة. لكنها لا تثق كثيرا في المسؤولين الإيرانيين الذين يريدون علاقات أفضل مع بلاده لكنهم يرفضون بشدة كل ما تطرحه. لا نريد التفريط في أصدقائنا وحلفائنا في دول الخليج، لكننا نتعرض لضغوط من الجانب الإيراني بسبب هذه العلاقات. نأمل أن ينجح مشروع الاتفاق النووي.

ومقارنة بما جرى مع كوريا الشمالية، التي سعت واشنطن إلى التقارب معها، وزارتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت سنة 2000، والتقت زعيمها، كيم إيل جونغ، وطالبها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بالتخلي عن نشر أسلحة الدمار الشامل، إذا كانت ترغب في إقامة علاقات تجارية واقتصادية متميزة مع بلاده، فإن الأمور لم تصل إلى ما كانت ترجوه واشنطن، فبيونغ يانغ لم تزل تتجاهل النصائح، وتتصرف بطرق تؤدي إلى توتير الوضع الأمني في المنطقة.

* بعيدا عن طهران لم يغب الموضوع الإيراني عن الحديث مع مدير شركة التنقيب عن النفط أيضا. تناول بداية العلاقات التجارية مع السعودية، التي اعتبرها شريكا تجاريا مهما. وقال إن هناك عددا من المشروعات السعودية التي تعبر عن هذه الشراكة. أما في الشأن الإيراني فقال إن الاتفاق الأميركي الإيراني قلل رغبة بلاده في العلاقة مع طهران. فهناك برأيه سباق أميركي - أوروبي محموم نحو إيران. «أما نحن، فقررنا الانسحاب، لأن لدينا عقدا للتنقيب عن النفط، مدته عشر سنوات، لم يحقق لنا أي أرباح، بل لم نتمكن من استرداد رأس المال المستثمر». أما الإيرانيون فيحاولون الجلوس معنا.

* عاشق الأوبرا

* أما رئيس شركة «ميتسوبيشي» اليابانية، ومديرها التنفيذي شونيتشي مياناغا، فكان من أكثر اليابانيين الذين جرت لقاءات معهم ظرفا. جرى اللقاء على هامش العشاء التكريمي الذي أقامه رئيس وزراء اليابان، على شرف الأمير سلمان، ولي العهد السعودي، في مقر رئاسة الوزراء القديم، المعروف بـ«سوري كوتيي»، الذي أقيم عام 1929، قبل أن يلحق به مبنى جديد عام 2002، أصبح مقرا لرئيس الوزراء، وعدد من مستشاريه. وتعقد في المبنى الجديد الاجتماعات الوزارية المهمة، ويستقبل قادة الدول الأجنبية. كان اللقاء حميما، والحديث شيقا ومميزا. ودار حديث حول الوضع الاقتصادي والمشكلات التي تعاني منها اليابان. فقال إن بلاده لم تتعاف بعد، لكن ثمة مؤشرات في هذا الاتجاه. وأضاف «لدينا ثقة بأن اليابان إذا واصلت إصلاحاتها فإنها تستطيع تحسين أوضاعها». واعتبر مياناغا السعودية سوقا مهمة بالنسبة لشركة «ميتسوبيشي» التي يرأسها، تعد من ضمن أهم سبع أسواق في العالم.

خلال الحديث المميز هذا، كشف مياناغا عن عاشق كبير للموسيقى الكلاسيكية والأوبرا. تحدث عن مبنى الأوبرا الجديد الذي أقيم في طوكيو، لكنه قال إنه لم يزل زائرا للمبنى القديم، مواظبا على عروضه الجميلة. ثم تناول رحلته إلى السعودية، فقال إن رحلته التي قام بها خارج الرياض مما لا ينسى، وقد ظلت عالقة بذاكرته.

يذكر أن شركة «ميتسوبيشي»، ومقرها طوكيو، توظف أكثر من سبعين ألفا، وهي واحدة من بين أكبر خمسمائة شركة في العالم، حيث تأتي في المرتبة 327 من حيث القيمة السوقية.

سفراء متطوعون في ختام جولته، وجه الأمير سلمان، ولي العهد، تحية إلى الطلبة السعوديين الدارسين في جامعات طوكيو، الذين بالإضافة إلى اجتهادهم الدراسي والأكاديمي تولوا العديد من الترتيبات وقاموا بالترجمة خلال العديد من اللقاءات والحوارات الجانبية، مما أثلج قلوب الجميع فعلا. لقد تبرع هؤلاء الطلاب بتقديم خدمات عظيمة للوفد السعودي الزائر.

كانت زيارة الأمير سلمان، الذي تكرم بمنحة الطلاب، مهمة في التواصل معهم. وقد قال كلمة مهمة ومؤثرة لدى استقباله لهم. قال إنهم وجه مشرف وسفراء للبلد