مصادر فرنسية رسمية لـ «الشرق الأوسط»: لا جولة مفاوضات ثالثة من غير ضمانات حول هيئة الحكم الانتقالية

باريس تراهن على ثلاثة عوامل لإحداث تغيير في الموازين الحالية

TT

تراوح الأزمة السورية مكانها بعد أن أغلقت جزئيا النافذة الدبلوماسية التي تمثلت بجولتين غير مثمرتين من المفاوضات في جنيف بين وفدي النظام والمعارضة بوساطة المبعوث العربي - الدولي الأخضر الإبراهيمي.

وقالت مصادر فرنسية رسمية عالية المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن وفد المعارضة «لن يعود إلى جنيف ما لم يكن متأكدا من أن الطرف الآخر مستعد للخوض في موضوع تشكيل هيئة الحكم الانتقالية»، وهو ما رفضه خلال جولتي التفاوض.

من جانبها، قالت مصادر المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط» إن الإبراهيمي «لم يفاتحها بأمر الجولة الثالثة»، وإنها «لا تعرف ما إذا كانت هذه الجولة (أو غيرها) سترى النور أم لا».

وبالإضافة إلى الطريق المسدود الذي أفضت إليه وساطة الإبراهيمي في جنيف، فإن باريس تعد أن الفشل الآخر يتمثل في أن المفاوضات «لم يكن لها أي تأثير على الأرض»، بمعنى أن المعارك لم تتوقف وأعداد القتلى لم تتراجع ولم يشعر المدنيون بأنها جاءت لهم بجديد على صعيد حياتهم اليومية وتوفير الأمان والمأوى والمعيشة. ورغم وجود إجماع حول الصورة الجيدة التي أعطتها المعارضة عن نفسها مع توسيع وفدها للجولة الثانية وتقديم مقترحات وتصور للحل في سوريا والتحلي بحس المسؤولية والانفتاح بعكس وفد النظام، فإن عدم تحقيق نتائج «ينعكس سلبا عليها (المعارضة)»، بحيث أنها تحتاج اليوم «أكثر من أي وقت مضى» إلى ضمانات جدية لعدم الاستمرار في مسار عقيم. بيد أن المصادر الفرنسية، رغم تيقنها من أن النظام «لم ولن يذهب إلى جنيف ليسلم السلطة»، وهو أمر لم تقتنع به قط، فإنها ترى أن للأزمة السورية «ديناميتها» الخاصة وهي تتوكأ على مجموعة من المؤشرات التي تدفع بهذا الاتجاه من غير أن تشكل «كلا متكاملا» لتصور حل شامل للأزمة. وفي مقدمة المؤشرات توصل مجلس الأمن الدولي إلى استصدار قرار بالإجماع (رقم 2139 بتاريخ 22 فبراير/ شباط) حول الوضع الإنساني وضرورة تسهيل وصول المساعدات إلى المدنيين ووضع حد للحصار المفروض عليهم منذ أشهر مع تحديد دقيق للمواقع المحاصرة. وترى باريس في إجماع المجلس «بداية تفسخ في الدرع الروسية التي تحمي النظام السوري»، حيث إن موسكو لم تستخدم حق النقض (الفيتو) لأنها وجدت نفسها «محشورة» سياسيا ولم تكن قادرة على الوقوف بوجه قرار إنساني.

وتعترف باريس أن موسكو «نزعت أسنان» القرار من خلال حذف إمكانية فرض عقوبات على الطرف المخالف. غير أنها قبلت بأن يعود الملف دوريا أمام المجلس من خلال تقرير للأمين العام للأمم المتحدة خلال ثلاثين يوما عن مدى التقدم في تنفيذه. وتعني هذه الآلية، بحسب باريس، أن الموضوع السوري «سيكون على طاولة مجلس الأمن باستمرار» وسيكون تقرير بان كي مون «وسيلة ضغط على النظام وعلى حلفائه». وما يزيد من قوته أنه يتناول مسائل «محسوسة» يمكن تقويم التقدم الحاصل بشأنها بسهولة.

أما العنصر الثاني «الإيجابي» فقوامه وصول الإدارة الأميركية إلى قناعة بأن سياستها في سوريا «وصلت إلى طريق مسدود» وأن الطرف الروسي وهو الشريك في رعاية مؤتمر جنيف والدعوة إليه «خذلها» في منتصف الطريق ولم يقم بالضغط على النظام السوري لتنفيذ بنود «جنيف1» وبنود التفاهمات الأميركية - الروسية. إذن، فإن واشنطن تعمل اليوم على إعادة النظر بسياستها «Reset» التي أفضت كما هو واضح إلى طريق مسدود. ولذا، فإن واشنطن «ستكون مضطرة» لبلورة سياسة جديدة بدأت بعض معالمها تظهر إلى العلن، بينما جوانب أخرى ستبقى بعيدة عن الأضواء. وفي كل الأحوال، سيكون من الصعب على واشنطن أن «تركن» من الآن فصاعدا إلى وعود الدبلوماسية الروسية خصوصا أن أزمة أوكرانيا أدخلت عوامل جديدة إلى مكونات الأزمة السورية باعتبار أنها شكلت «فشلا ذريعا» لموسكو في جوارها القريب.

ويتمثل العنصر الثالث في إعادة تفعيل مجموعة الدعم الأساسية للمعارضة السورية، لكن «شريطة أن يكون لما ستقدمه من دعم تأثير ميداني، وعلى مسار الأزمة»، وهو ما يقصد به «إعادة التوازن» لأرض المعركة عن طريق دعم المعارضة المعتدلة مما سينعكس لاحقا على طاولة المفاوضات وعلى الموقف الروسي وموقف النظام. وتؤكد باريس أن في دعم المعارضة المعتدلة التي تقاتل «داعش» والجهاديين المتطرفين، «مصلحة أوروبية وأميركية كما أنها مصلحة سورية وإقليمية»، إذ إنها من جهة يمكن أن تقوي المعارضة المعتدلة التي تريد حلا سياسيا وتزيد من الضغوط على النظام، وهي من جهة أخرى ستضغط على الجهاديين والمتطرفين. وتؤكد المصادر الفرنسية أن باريس ما زالت تدعو وتصر على الحاجة إلى «آلية منظمة للضغط على النظام تتمتع بالصدقية اللازمة»، وهو الأمر الذي ما فتئت باريس تدعو إليه وتحاول إقناع الطرف الأميركي به. لكن واشنطن ترددت كثيرا بحجة القلق على مصير السلاح المقدم للمعارضة ورغبتها في السيطرة على مساره ومآله.