ستة مرشحين أربعة منهم سبق لهم خوض غمار «الرئاسيات» ينافسون بوتفليقة في الانتخابات الجزائرية

جدل حاد حول غياب «مرشح النظام» عن الحملة بسبب المرض * الموالاة ترى أن «شعبية الرئيس» تخيف معارضيه

TT

لم يكن قرار المجلس الدستوري الجزائري، الصادر مساء أول من أمس، بخصوص تثبيت ستة مرشحين لانتخابات الرئاسة المرتقبة في 17 أبريل (نيسان) المقبل، وإقصاء خمسة آخرين، غريبا؛ فمن بين الذين توفرت فيهم شروط الترشح يوجد خمسة سبق أن طلبوا كرسي الرئاسة، وكلهم هزموا أمام «مرشح السلطة» عبد العزيز بوتفليقة، باستثناء عبد العزيز بلعيد، الذي يرأس حزبا حديث النشأة، ويوصف بـ«المرشح المغمور».

وبصدور النتائج انتهت حالة الترقب التي دامت عشرة أيام، التي استغرقتها دراسة ملفات المترشحين الـ11، وطغى على عملية «الغربلة» بـ«المجلس الدستوري» (الهيئة المكلفة مراقبة مطابقة القوانين مع الدستور) جدل حاد حول صحة بوتفليقة، الذي يعاني آثار الإصابة بجلطة في الدماغ أقعدته فوق كرسي متحرك منذ قرابة سنة. وتساءلت صحف معارضة لترشحه لولاية رابعة عن «سلامة» الشهادة الطبية التي منحت له من طرف أطباء محلفين، والتي يشترط قانون الانتخابات وضعها في ملف الترشح.

ويعد بوتفليقة (77 سنة) من أبرز المترشحين للانتخابات، بل يوجد اعتقاد راسخ لدى الطبقة السياسية وقطاع واسع من الجزائريين أن نتيجة الاستحقاق محسومة له، لعدة أسباب أبرزها أن بوتفليقة يتحكم في كل أجهزة الدولة، والحكومة موالية له، بدليل أن رئيس الوزراء عبد المالك سلال هو مدير حملته الانتخابية، إذ استقال من مهامه الحكومية مؤقتا، وجرى استبداله بوزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي. ويرجح أن يعود سلال إلى منصبه بعد الانتخابات. غير أن ما يسمى «الموالاة» التي تضم أحزابا وتنظيمات وشخصيات محسوبة على «جماعة الرئيس» تقول إن بوتفليقة يحظى بشعبية كبيرة،، وإن ذلك هو ما يخيف منافسيه، وترى أن «دليل شعبيته» فوزه العريض في استحقاقات 1999 و2004 و2009؛ إذ فاقت نسبة الأصوات التي حصل عليها في كل استحقاق الـ80 في المائة.

وتعهد بوتفليقة في بداية حكمه بإنجاز ثلاثة مشاريع كبرى: «إطفاء نار الفتنة»، على حد قوله، بلملمة الجراح التي تولدت عن عشر سنوات من حرب أهلية خلفت 150 ألف قتيل وخسائر في البنية التحتية قدرت بـ20 مليار دولار. وثاني الأهداف التي سعى إلى تحقيقها: «استعادة الجزائر مكانتها في الساحة الدولية» بعد العزلة التي مرت بها خلال الأزمة الأمنية. أما الهدف الثالث فهو إنعاش الاقتصاد. وقد جرى ضخ أكثر من 750 مليار دولار خلال سنوات حكم الرئيس في مشاريع التنمية الاقتصادية.

وتختلف المواقف حيال الأهداف التي سطرها بوتفليقة بعد نهاية ولاياته الثلاث؛ فالمعارضة ترى أن المبلغ الضخم الذي جرى إنفاقه لم يحقق الرفاهية التي يفترض أن تكون في بلد غني بالنفط والغاز. وترتكز في هذا الموقف على الآلاف من بؤر التوتر التي نشبت في الجزائر خلال سنوات حكم بوتفليقة، بسبب سوء المعيشة وافتقاد مناطق كثيرة لضروريات الحياة مثل الماء والكهرباء والطرق. وأهم ما تأخذه المعارضة على الرئيس كثرة فضائح الفساد في عهده، التي مست مقربين منه. كما تأخذ عليه أنه أوقف إنشاء أحزاب جديدة مدة 13 سنة.

أما «الموالاة» فتقول إن «إنجازات بوتفليقة لا ينكرها إلا جاحد»، على أساس أن البطالة كانت 30 في المائة في 1999 وأصبحت اليوم بنسبة تسعة في المائة، وأن «التسهيلات» التي وفرتها الحكومات للشباب مكنت من إنشاء أكثر من ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة. وأكثر ما تتباهى به «جماعة الرئيس» أنه «استرجع السلم بعدما كان غالبية الجزائريين يخافون الخروج من بيوتهم بعد السادسة مساء»، في إشارة إلى المشروعين السياسيين «الوئام المدني» (1999) و«المصالحة الوطنية» (2005)، اللذين عرضا على المسلحين الإسلاميين التوقف عن الإرهاب مقابل إلغاء الأحكام القضائية الصادرة ضدهم.

يشار إلى أن بوتفليقة ألغى في 2008 ما يمنع الترشح لأكثر من ولايتين فاتحا لنفسه الباب لـ«الثالثة». والمثير في ترشحه لـ«الرابعة» أن الموالين له صرحوا بأنه ليس مجبرا على أن يقوم بالحملة بنفسه بسب حالته الصحية السيئة.

وتأتي لويزة حنون (60 سنة) الأمينة العامة لـ«حزب العمال» اليساري، الثانية من حيث أهمية المترشحين لأنها المرأة الوحيدة التي تتقدم لانتخابات الرئاسة ولثالث مرة على التوالي. وتبدو حظوظها ضئيلة ضمن «وعاء انتخابي ذكوري»، يفضل المرشح الرجل. فإن كانت لويزة تحظى بشعبية في بعض المدن، ومنها العاصمة، فنتائجها كمرشحة في الاستحقاقات الماضية، ونتائج حزبها في انتخابات البرلمان والبلدية، كانت ضعيفة.

وتحسب حنون على المعارضة، غير أنها وقفت ضد أحزاب وشخصيات دعت إلى منع بوتفليقة من الترشح لولاية رابعة، بحجة أن الدستور يكفل الترشح لجميع المواطنين. ويطغى على خطاب حنون التخويف من «التدخل الأجنبي» إن سارت الجزائر في التغيير على طريقة تونس ومصر وليبيا. وتؤمن حنون بإمكانية التغيير السلمي من دون استعمال العنف ضد النظام. وسألت «الشرق الأوسط» حنون قبيل إعلان «المجلس الدستوري» عن حظوظها أمام بوتفليقة، فقالت: «لا تستبقوا الأحداث؛ فكل شيء وارد، والجزائريون أحرار في اختيار من يرونه أهلا لقيادة بلادهم في المرحلة المقبلة». وتبدي حنون غضبا شديدا من وصفها بـ«المرشحة التي يستعين بها النظام لإضفاء منافسة مزيفة على الانتخابات»، كما ترفض بشدة الخوض في حياتها الشخصية.

ويعد علي بن فليس (70 سنة) أهم منافس لبوتفليقة. وكان مدير حملته في 1999 ثم أصبح مديرا لديوان الرئيس ثم أمينا عاما بالرئاسة، وبعدها رئيسا للحكومة (2000 - 2003)، وفي 2004 قرر أن يخوض انتخابات الرئاسة، ما تسبب في قطيعة بينه وبين بوتفليقة. وانقسمت السلطة المدنية والعسكرية بين مؤيد لبن فليس وداعم لترشح بوتفليقة الذي اكتسح الانتخابات في النهاية، وأبعد قائد أركان الجيش الفريق محمد العماري من منصبه بسب انحيازه لبن فليس الذي استقال من الأمانة العامة لحزب «جبهة التحرير الوطني» (أغلبية)، بعد أن أحدثت فيها الانتخابات شرخا عميقا.

وانسحب بن فليس من الحياة العامة طيلة عشر سنوات، وظل يرفض إجراء مقابلات مع الصحافة ما جلب إليه غضب أنصاره الذين طالبوه بإنشاء حزب للدفاع عن المشروع الذي عرضه على الناخبين في 2004.

وحذر بن فليس الأسبوع الماضي من «تزوير الانتخابات»، وقال: «الشعب الجزائري لن يسكت هذه المرة إن جرى السطو على أصواته». وهو اتهام ضمني بأن الحكومة زورت انتخابات 2004 التي شارك فليها وأنها عازمة على تزوير الانتخابات المقبلة لفائدة بوتفليقة.

وقال حليم بن عطا الله كاتب الدولة (وزير دولة) مكلف الجالية الجزائرية بالخارج وأحد أبرز الموالين لبن فليس، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن عازمون على خوض غمار هذه الانتخابات ومتأكدون من قوة مشروع مرشحنا، ولا نبالي بما يقال بأن الرئيس المترشح فائز سلفا».

ويشارك علي فوزي رباعين (59 سنة)، رئيس حزب «عهد 54» المعارض، للمرة الثالثة في الانتخابات. ومعروف عنه أنه «معارض ثابت على مواقفه»، ولم يسبق له أن هادن السلطة، رغم محاولات بوتفليقة استمالته ليقبل حقائب وزارية، على عكس الكثير من المعارضين. ويحلو لرباعين القول: «أنا أنحدر من عائلة ثورية ترى أن الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الجزائر، بمن فيهم بوتفليقة، حادوا عن المبادئ التي قامت من أجلها الثورة. ومهمتي أنا هي الحفاظ على هذه المبادئ». وفوزي هو ابن أحد أشهر المجاهدات في ثورة التحرير هي فاطمة أوزلاغن.

وسئل رباعين عن حظوظه في الانتخابات الأسبوع الماضي، فقال: «الشعب يعرف الصالح من الطالح، ويدرك جيدا أن بوتفليقة أهدر أمواله، وسلط عليه مفسدين، وكذب عليه بإطلاق وعود لم يتحقق منها أي شيء، وبالتالي هو يعرف ماذا ينبغي أن يفعل يوم 17 أبريل».

ويخوض موسى تواتي (61 سنة)، رئيس «الجبهة الوطنية الجزائرية»، المنافسة لثاني مرة على التوالي. ولم تتعد نسبة فوزه واحدا في المائة في استحقاق 2009، وهو أيضا يرفض أن يوصف بأنه «مشارك في ديكور معد سلفا». وأكثر ما عرف عن تواتي، وهو إطار سابق في الجمارك، كثرة الانقلابات التي تعرض لها في حزبه، وكان في كل مرة ينجو منها.

ويملك تواتي المئات من المنتخبين في المجالس الولائية والبلدية، كانوا سندا قويا له في حملة جمع التوقيعات الضرورية لملف الترشح. وقال للصحافة الأسبوع الماضي، إن عددا كبيرا من منتخبي «الجبهة» باعوا أصواتهم لمرشحين آخرين.

وذكر تواتي في اتصال به: «ليس لدي أي شك في أن الإدارة المشرفة على تنظيم الانتخابات منحازة لبوتفليقة، وليس بالضرورة أن العاملين فيها تلقوا تعليمات بالتزوير للرئيس المترشح، ولكن لأن الذهنية المستحكمة في عقولهم التي تعد الرئيس هو ولي نعمتهم، تدفعهم إلى التزوير له»، مشيرا إلى أن حزبه لا يملك إمكانيات مراقبة كل مكاتب التصويت التي يفوق عددها 45 ألف مكتب أما عبد العزيز بلعيد (51 سنة)، رئيس «جبهة المستقبل» المعارضة، فهو «المرشح المفاجأة»، بحسب الصحافة التي تنبأت بمرور الوزير السابق علي بن واري، على غربال «المجلس الدستوري» بسلام، بينما قللت من حظوظ بلعيد. وكان رئيس «المستقبل» مناضلا بارزا في «جبهة التحرير»، ودافع بشراسة عن بن فليس في استحقاق 2004 وكان من أشد المعارضين لبوتفليقة. ويقول مقربون منه إن الانتخابات المقبلة فرصة له للترويج لخطابه لكسب التأييد تحسبا لمواعيد انتخابية مقبلة.

وسألت «الشرق الأوسط» الجنرال المتقاعد محمد الطاهر يعلى، الذي سحب ترشحه احتجاجا على ترشح بوتفليقة، عن رأيه في نتائج «المجلس الدستوري» فقال: «ليس لدي إلا تعليق واحد، هو أن هذه الأسماء (المرشحين) جرى إعدادها قبل أن يجتمع المجلس الدستوري ليتحقق من صحة الملفات».