غولن: ما نواجهه أسوأ عشرات المرات مما تعرضنا له بعد الانقلابات العسكرية

جلسة برلمانية تركية استثنائية غدا للاستماع إلى تقرير حول شبكة رشى مزعومة تشمل وزراء

رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان يحيي أنصاره خلال تجمع لحزبه «العدالة والتنمية» في أزمير أول من أمس (رويترز)
TT

وصف الداعية التركي فتح الله غولن الحملة التي يشنها رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان على أتباعه بأنها «أسوأ عشرات المرات» من أي شيء واجهته حركته بعد الانقلابات التي قام بها الجيش العلماني. ويتهم إردوغان شبكة المراكز التعليمية، التي تعرف باسم «خدمة» التابعة لغولن ورسخت نفوذا قويا داخل جهازي الشرطة والقضاء على مدى عقود، بتدبير تحقيق الفساد الذي تحول إلى أكبر تحد لحكمه المستمر منذ 11 عاما. ورد إردوغان بتشديد سيطرة الحكومة على المحاكم ونقل الآلاف من ضباط الشرطة ومئات المدعين والقضاة فيما يقول معاونوه إنه مسعى لتطهير القضاء من نفوذ غولن.

وفي أول مقابلة كبيرة له مع وسائل الإعلام التركية منذ تفجر فضيحة الفساد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال غولن، المقيم في الولايات المتحدة والذي تقول شبكته من الاتباع على مستوى العالم أن عدد أعضائها بالملايين، إنه كان ضحية حملة لتشويه سمعته. وأضاف: «في أعقاب الانقلاب العسكري في 12 سبتمبر (أيلول) 1980 تعقبتني السلطات لست سنوات كما لو كنت مجرما. نفذت مداهمات. تعرض أصدقاؤنا لمضايقات. بمعنى أن الأمر أصبح بالنسبة لنا نمط حياة نعيش فيه تحت مراقبة دائمة في مناخ انقلابي». كما نقل عنه قوله في مقابلة مع صحيفة «زمان» ونسختها الإنجليزية وهما مقربتان من حركته: «ما نراه اليوم أسوأ عشرات المرات مما رأيناه خلال الانقلابات العسكرية».

وأطاح الجيش التركي الذي نصب نفسه حارسا للعلمانية بأربع حكومات في النصف الثاني من القرن العشرين قبل أن تحقق حكومة حزب العدالة والتنمية التي يرأسها إردوغان استقرارا سياسيا واقتصاديا على مدى عقد من الزمان. واتهمت جماعات حقوق الإنسان الجنرالات بالتعذيب والقتل بعد انقلابي 1960 و1980.

وقال غولن: «هذه المرة نواجه معاملة مماثلة لكن على أيدي مدنيين لهم نفس معتقداتنا. يجب أن أعترف أن هذا يسبب لنا مزيدا من الألم. كل ما نستطيع قوله.. هذا أيضا سيمر.. وسنظل صابرين».

لكن إردوغان عبر عن العداء بوصف تاريخي مساو عندما استعاد ذكرى أحد أبطاله السياسيين، وهو رئيس الوزراء عدنان مندريس، الذي أطاحه الجيش عام 1960 وأعدم شنقا مع اثنين من الوزراء بعد ذلك بعام. وكان مندريس خفف بعض القيود على الدين مثلما فعل إردوغان مما سمح بإعادة فتح آلاف المساجد وفتح مدارس دينية جديدة وأجاز قانونا الدعوة للصلاة باللغة العربية. واتهم بممارسة حكم سلطوي متزايد. وقال إردوغان أمام الآلاف في تجمع انتخابي في إقليم أيدين الجنوبي الغربي، حيث ولد مندريس مستعيدا ذكراه أكثر من 12 مرة: «وصفوا مندريس آنذاك بالديكتاتور. اليوم يقولون نفس الشيء عني. وصفوا مندريس بأنه عدو الحريات. اليوم يقولون ذلك عني».

ويهدد هذا العداء بتقويض استقرار تركيا قبيل الانتخابات البلدية في 30 مارس (آذار) الحالي، وهي أول اختبار لشعبية إردوغان في صناديق الاقتراع منذ اندلاع احتجاجات في أنحاء البلاد الصيف الماضي ومنذ تفجر فضيحة الفساد. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن إردوغان ما زال يتمتع بنسب تأييد عالية على الرغم من فضيحة الفساد وصراع القوى مع غولن، مستفيدا بالنمو الاقتصادي القوي للبلاد تحت حكمه. ويتطلع إردوغان إلى أن يصل إلى نسبة التصويت التي حصل عليها حزبه في الانتخابات البلدية قبل خمس سنوات وهي 39 في المائة أو يتجاوزها مدعوما بعوامل منها انقسام المعارضة وافتقارها لقيادة واضحة. وقال إردوغان في التجمع إنه إما أن يواصل معركة مندريس من أجل الديمقراطية وإلا سيكون قد انحاز لمن تسببوا في «استشهاده».

ويلي انتخابات هذا الشهر سباق رئاسي بعد خمسة أشهر تثور توقعات منذ فترة طويلة أن يخوضه إردوغان غير أن حزبه قد يغير أيضا من لوائحه الداخلية للسماح له بتولي فترة خامسة في رئاسة الوزراء. وانتقد إردوغان من يقفون وراء فضيحة الفساد ووصفهم بأنهم «حشرات»، منددا بما اتضح أنه تنصت على مدى سنوات على آلاف من الهواتف ومنها هاتفه الشخصي من قبل «دولة موازية» عقدت العزم على استخدام الابتزاز لكسب النفوذ. وقال في مقابلة مع القناة السابعة بالتلفزيون التركي في وقت متأخر من مساء أول من أمس: «أستطيع أن أقول إن وضع الدولة الموازية هو الذروة فيما يتعلق بتدبير المؤامرات وذروة كل المشكلات». ونقلت عنه وكالة «رويترز» وصفه «الدولة الموازية» بأنها أسوأ من محاولة قضائية عام 2008 لحظر حزب العدالة والتنمية على أساس اتهامات بالسعي لتطبيق الحكم الإسلامي. وأضاف: «ما يزعجنا حقا في هذا كيف يمكن التنصت على رئيس وزراء بلد سواء كان ذلك قانونيا أو غير قانوني». وفي أحدث المنغصات بالنسبة لإردوغان بينما يقوم بحملات في أنحاء تركيا للانتخابات المحلية نشر حساب على «تويتر» سبق له نشر سلسلة تسريبات في الفضيحة يوم الخميس الماضي ما عرضه كملفات قضائية تتهم أربعة وزراء بالحكومة بالضلوع في الرشى والتهريب. ولم يتسن التحقق من صحة هذه الوثائق.

ومن المقرر أن يتلى ملخص لتقرير يوضح تفاصيل شبكة رشى مزعومة تشمل وزراء وذلك خلال جلسة استثنائية للبرلمان غدا، بعدما طالبت المعارضة المجلس بالانعقاد خلال عطلة. لكن وزير العدل بكر بوزداج قال أمس، إنه يتعين تشكيل لجنة برلمانية قبل أن يتسنى لأعضاء اللجنة النظر في جميع المستندات وهي عملية من غير المرجح أن تجرى إلا بعد انتخابات 30 مارس.

من ناحية ثانية، تبدأ في 12 يونيو (حزيران) المقبل في إسطنبول محاكمة 29 شخصا متهمين بالوقوف وراء التظاهرات المناهضة للحكومة، وفق ما أفادت وكالة «دوغان» للأنباء أمس. ووجهت إلى المتهمين، وبينهم الأمينان العامان لنقابة المهندسين موجيلا يابيجي ونقابة الأطباء في إسطنبول علي جيركيز أوغلو، تهم إنشاء «منظمة إجرامية» وانتهاك قوانين التظاهرات ومقاومة ضباط في الجيش، وهم يواجهون في ضوئها عقوبات تصل إلى السجن 29 عاما، بحسب الوكالة.