الشبان الهنود يعقدون حسابات السياسيين عشية الانتخابات

الأحزاب تصوغ برامجها بناء على تطلعات الناخبين الجدد وتبتكر وسائل حديثة للتواصل معهم

راهول غاندي يصافح مناصريه خلال تجمع انتخابي في مدينة ديبروغاره في ولاية أسام الشمالية (أ.ب)
TT

بعد انتقادات من جانب الناخبين الشبان في الهند، رفض حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي ترشيح زعيم مجموعة يمينية متطرفة هاجمت نساء في حانة بمدينة مانغلور عام 2009 وأوسعتهن ضربا بسبب دخولهن مكانا تعده المجموعة حكرا على الرجال. ويظهر تراجع الحزب عن ترشيح برامود موتاليك، قوة الدور الذي يتوقع أن يلعبه الشبان خلال الانتخابات العامة المقرر انطلاقها في 7 أبريل (نيسان) المقبل وتستمر على مدى خمسة أسابيع. وتضم الهند أكبر نسبة كبيرة من الشبان بين سكانها، إذ يمثل من هم تحت سن 26 أكثر من نصف السكان البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة.

وعلى خلفية انتخابات العام الحالي، تسعى الأحزاب السياسية إلى التودد للشبان، على عكس ما كان يحدث من قبل. وحسب أحدث البيانات الصادرة عن لجنة الانتخابات، سيكون بمقدور نحو 90.000 ناخب، بين سن 18 و22 سنة، التصويت لأول مرة العام الحالي، مما يؤكد على أهمية الناخبين الشبان - الذين غالبا ما ينظر إليهم على أنهم قليلو الصبر وكثيرو الطموح - بالنسبة لجميع الأحزاب.

وتعد انتخابات 2014 مؤشرا على حدوث ما يمكن تسميته «زلزال الشبان»، إذ سيلعب الشبان دورا مؤثرا كما لم يحدث من قبل، إذ ستحسم أصوات الشبان الذين يصوتون لأول مرة ما يقرب من خمس عدد المقاعد المتنافس عليها خلال تلك الانتخابات. وتشير إحصاءات رسمية صادرة عن لجنة الانتخابات إلى أن عدد الناخبين الشبان وصل إلى 146 مليونا عام 2011. يبدو حزب «بهاراتيا جاناتا» متفائلا بشأن تلك الإحصاءات، إذ يتوقع أن لا يكون لدى الناخبين الجدد ولاء تجاه آيديولوجيات سياسية معينة، مما يساهم في تعزيز فرص التصويت ضد حزب «المؤتمر» الحاكم. ويقول الأمين العام لحزب بهاراتيا جاناتا، موراليدار راو، إن «التركيبة النفسية للناخبين الشبان ما زالت نقية ولم تلوث بعد، وهؤلاء الشبان يبدون أكثر حماسة للأفكار التي تتبنى مكافحة الفساد وغلاء الأسعار ونقص فرص العمل». وأضاف أن الحزب «حاول التقرب إلى الشبان من خلال عرض الكثير من البرامج التي تحظى بتأييدهم».

على مدى عقود طويلة، رأى رافي (25 سنة) والديه وهما يصوتان لصالح «المؤتمر»، الذي يصور نفسه على أنه مناصر للعائلات الفقيرة، التي تعد عائلة رافي واحدة منها. لكن هذا الشاب الذي يدرس الهندسة الزراعية، ينوي التصويت لصالح حزب بهاراتيا جاناتا، مبتعدا بذلك عن التقليد السياسي الذي أرسته عائلته طوال عقود.

وتعهد مرشح حزب بهاراتيا جاناتا لمنصب رئيس الوزراء، نارندر مودي، بتوفير عشرة ملايين فرصة عمل للشبان في حال وصوله إلى السلطة. وخلال حملته الانتخابية، نجح مودي في اللعب على وتر أصوله المتواضعة كابن لرجل كان يبيع الشاي، مما عزز جاذبيته في أوساط الشبان الذين ينتمون إلى الأسر المعدمة، التي كانت دائما تصوت لحزب «المؤتمر».

ويقول مانيش شيبر، نائب رئيس تحرير جريدة «إنديان ديلي» القومية، إنه «على عكس الكتل التصويتية الأخرى، التي غالبا ما تتوحد على أساس الطبقة الاجتماعية أو الهوية العرقية، يملك الناخبون الشبان - لا سيما الذين يحق لهم التصويت لأول مرة - الرؤية المتطلعة لإحداث التغيير. ويأتي الفساد على رأس قائمة أكثر الأشياء بغضا لدى الشبان، يليه عدم الكفاءة، ثم الغياب التام لمبدأ المساءلة». ويضيف: «بينما يركز غالبية السياسيين على قضايا الطائفية ومسائل غير مهمة، يريد الشبان من السياسيين التركيز على قضايا التعليم والصحة والأمن والخدمات وفرص العمل». ويضيف شيبر لـ«الشرق الأوسط» إنه «بصرف النظر عن صورته كرجل مؤيد لرجال الأعمال، يبدو أن أكثر ما يجذب الشبان لمودي جهوده المستمرة لتغيير الخطاب العام تجاه قضايا التنمية وبناء الأمة».

كانت الأحزاب السياسية على اختلاف انتماءاتها، أولت الشبان اهتماما كبيرا حتى صعد الشبان إلى قمة اثنتين من أكبر حملات المجتمع المدني التي ظهرت في الآونة الأخيرة: حركة مكافحة الفساد، والاحتجاجات العفوية التي انطلقت في أعقاب عملية الاغتصاب الوحشي لطالبة شابة في نيودلهي في ديسمبر (كانون الأول) 2012، ودفعت تلك الاحتجاجات الأحزاب السياسية إلى توجيه اهتماماتها نحو الشبان. وبينما تستعد للانتخابات العامة، تحاول تلك الأحزاب جاهدة حشد أصوات هؤلاء الناخبين الشبان.

انضم الكثير من طلاب الجامعات والمهنيين الشبان إلى حملات الأحزاب السياسية في شتى أنحاء البلاد، سواء حزب «المؤتمر» أو حزب «بهاراتيا جاناتا» أو تكتل مجموعة من الأحزاب الصغيرة تتنافس على 543 مقعدا في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ومن اللافت أن غالبية الأحزاب تستغل طاقة الشبان المتعلمين لإضفاء مزيد من الحماس على حملاتهم الانتخابية، إذ يستخدمون مهاراتهم ومعارفهم لصياغة الخطط الانتخابية وجمع التبرعات وحشد أصوات الناخبين الشبان للتواصل مع قادة الأحزاب.

عاد أبيشيك شارما، الذي يدرس في الولايات المتحدة، إلى مسقط رأسه، مدينة فاراناسي، للمشاركة في إضراب عن الطعام جرى تنظيمه عام 2011 من قبل حركة «الهند ضد الفساد» بقيادة الناشط آنا هازار لممارسة ضغوط على الحكومة من أجل مكافحة الفساد. وكان «فريق سياتل» التابع لشارما، والذي يضم أكثر من 250 من المهنيين في شركات «مايكروسوفت» و«أمازون» و«إيه تي تي»، لعب دورا محوريا في النجاح الذي حققه حزب «آم آدمي» (الرجل العادي) خلال انتخابات الأخيرة. ويركز شارما جهوده في تحقيق التواصل مع الجمهور وجمع الأموال وتوفير الخدمات اللوجيستية المختلفة لحزب «آم آدمي»، الذي تبرع له بمنحته الدراسية وراتبه.

بدوره، استقال غوراف باندي، أحد أنصار حزب «المؤتمر»، من وظيفة نائب رئيس لإحدى شركات التمويل غير المصرفية، ليقود فريقا مهمته التواصل مع المتطوعين المناصرين لحزب المؤتمر في شتى أنحاء الهند. ويدير فريق باندي المسمى «مع المؤتمر»، الحملة الإعلامية للحزب على شبكات التواصل الاجتماعي.

كذلك، أطلق حزب «بهاراتيا جاناتا» حملة سماها «مهمة 272 فأكثر»، في أكثر من 35 دولة، تستهدف مختلف الفئات المهنية الداعمة للحزب، بهدف الفوز بـ272 مقعدا على الأقل. ويكشف فيجاي جولي، رئيس الحزب في الخارج، عن أنه جرى إعداد قوائم مختصرة بأسماء الناشطين والمتطوعين الداعمين للحزب في الخارج.

وفي سعيها لتحقيق التواصل المباشر مع الشبان، تستغل الأحزاب السياسية وسائل الإعلام الاجتماعي بشكل إيجابي للغاية، إذ تستعد تلك الأحزاب للمعركة الانتخابية من خلال خوضها أولا على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وكان مودي أول من سعى في الهند لإنشاء قناة تواصل بديلة، هي الأولى من نوعها في حقل السياسة الهندية. وتمكن بذلك الرجل من تحقيق التواصل مع جمهوره من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. ويبقى مودي من أكثر الزعماء شعبية بين جميع الأعمار في الهند، لا سيما الشبان، إذ يتابع تغريداته على موقع «تويتر» أكثر من 3.5 مليون شخص. كما يعد أرفيند كرجريوال، مؤسس حزب «آم آدمي»، أحد أكثر الذين تجري متابعتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استطاع كرجريوال أن ينجح في جمع التبرعات وزيادة شعبية حزبه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الجانب الآخر، ورغم إحجامه عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في بادئ الأمر، تواصل راهول غاندي، نائب رئيسة حزب «المؤتمر»، أخيرا مع أعضاء حزبه من خلال دردشة حية على الإنترنت. لكن حزب غاندي يعد متأخرا عن الأحزاب الأخرى في معركة مواقع التواصل الاجتماعي.-