الحكومة الفرنسية الجديدة احتفظت بالوزراء الأساسيين وغاب عنها الخضر

أبواب الإليزيه فتحت مجددا في وجه سيغولين رويال رفيقة درب الرئيس السابقة

وزيرة البيئة والتنمية المستدامة والطاقة الجديدة سيغولين رويال تصفق أثناء كلمة سلفها فيليب مارتن أمام موظفي الوزارة بباريس خلال حفل التسليم والتسلم أمس (أ.ف.ب)
TT

ست دقائق فقط أخرت الإعلان عن الحكومة الفرنسية الجديدة عن الموعد الذي حدده قصر الإليزيه صباح أمس. فقد كشف أمين عام الرئاسة عن التشكيلة الحكومية والرئيس فرنسوا هولاند ما زال على الأراضي الفرنسية (وفقا لما يتطلبه البروتوكول) متوجها إلى بروكسل للمشاركة في القمة الأوروبية – الأفريقية. وقال هولاند للصحافيين في فناء القصر، إن عملية التشكيل كانت «سهلة وسريعة وبالغة الوضوح». وبالفعل كانت كذلك، إذ ما بين تعيين مانويل فالس رئيسا للحكومة خلفا لجان مارك أيرولت والإعلان عن التشكيلة لم يمر سوى يومين، الأمر الذي يعكس رغبة رئيسي الجمهورية والحكومة بالإمساك مجددا بالمبادرة السياسية بعد الهزيمة المدوية للاشتراكيين في الانتخابات المحلية. وحقيقة الأمر أن المناصب السيادية لم يطرأ عليها أي تغيير. فوزارة الخارجية بقيت معقودة اللواء للوران فابيوس، والدفاع لجان إيف لودريان، والعدل لكيستيان توبيرا، رغم الإشاعات التي سرت بشأن إسناد حقيبة وزارية أخرى لها بعد الجدل الذي أحاط بعملية التنصت الهاتفي على الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.

ووفق ما أعلنه الرئيس الفرنسي مساء الأحد الماضي، فإن الحكومة اقتصرت على 16 وزيرا أساسيا بالتساوي بين النساء والرجال على أن تستكمل الأسبوع المقبل بتعيين وزراء دولة، الأمر الذي أريد منه أن يكون عملها منسجما وديناميا، وأن تجسد تصور هولاند بقيام «الحكومة المقاتلة» المناطة بها محاربة البطالة والعمل بـ«ميثاق المسؤولية» لدفع الاقتصاد والتخفيف عن الطبقات الشعبية الأكثر هشاشة، فضلا عن العمل بالتزامات فرنسا إزاء المفوضية الأوروبية في حقل عجز الميزانية. وستمثل أمام البرلمان يوم الثلاثاء لطلب الثقة.

ويمثل غياب حزب الخضر عن الحكومة ميزتها الأولى، إذ إنه اعتبر أن تعيين فالس «لا يوفر الاستجابة المطلوبة للوضع الراهن»، الأمر الذي يعني اقتصارها على الاشتراكيين وعلى الحزب الصغير الرديف لهم (الحزب الراديكالي اليساري) الذي تمثله توبيرا. أما يسار الحزب الاشتراكي الذي أعرب عن خيبته من وصول فالس إلى «قصر ماتينيون»، مقر رئاسة الحكومة فقد تفرقت صفوفه ببقاء أحد ممثليه (بونوا هامون) في الحكومة وتكليفه وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العالي ما يعد ترقية له.

بيد أن الظاهرة الأبرز هي دخول سيغولين رويال، المرشحة الرئاسية السابقة ورفيقة درب الرئيس هولاند السابقة ووالدة أولاده الأربعة إلى الحكومة الجديدة وإعطاؤها حقيبة موسعة تضم شؤون البيئة والتنمية المستدامة والطاقة، فضلا عن احتلالها المرتبة الثالثة بروتوكوليا بعد فالس وفابيوس.

قصة رويال جديرة بأن تروى إذ تتداخل فيها الشؤون الخاصة والعامة. وما كان لها أن تعود إلى منصب حكومي لو لم ينفصل هولاند قبل أسابع عن رفيقة دربه الثانية فاليري تريرفيلر التي دخلت معه إلى القصر الرئاسي،، بعد انكشاف علاقته العاطفية مع الممثلة الفرنسية جولي غاييه. ذلك أن تريرفيلر أقفلت أبواب القصر على رويال وقامت بكل ما هو ممكن لمنعها من الاقتراب منه، لا بل وصلت الأمور إلى درجة منعها من حضور حفل تعليق وسام جوقة الشرف على صدر أحد المقربين منها، الوزير السابق جان لوي بيانكو في الإليزيه. وخلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، نشرت تريرفيلر تغريدة على حسابها الخاص تزكي فيه منافس رويال للمقعد النيابي في مدين لاروشيل (غرب فرنسا)، الأمر الذي أثار لغطا سياسيا وأضعف الرئيس هولاند. ويعد وصول رفيقة درب رئيس الجمهورية إلى منصب وزاري خلال ولايته سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية. وسبق لرويال وهولاند أن كانا معا وفي وقت واحد نائبين في البرلمان، لكنها تميزت عنه بأنها شغلت في السابق مناصب وزارية، بينما مال هو إلى الاضطلاع بدور سيادي داخل الحزب الاشتراكي.

ورويال أحد وزيرين جديدين اثنين في حكومة فالس. الوزير الثاني هو فرنسوا ربسمان، صديق هولاند القرب ومدير حملته الرئاسية. وربسمان الذي عهدت إليه وزارة العمل والحوار الاجتماعي كان رئيس المجموعة الاشتراكية في مجلس الشيوخ ورئيس بلدية مدينة ديغون (مقاطعة بورغونيا) المعروفة بإنتاج الخردل. وكانت أنظار ربسمان ترنو نحو وزارة الداخلية، بيد أن هولاند وفالس، فضلا عن إيكالها إلى برنار كازناف الذي شغل في الحكومة السابقة منصب وزير الخزانة. وعهدت هذه الوزارة في الحكومة الجديدة إلى رجل يتمتع بخبرة كبيرة وبثقة الرئيس هولاند هو ميشال سابان الذي نقل إليها من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وبالمقابل، فإن وزارة الاقتصاد والاقتصاد الرقمي عهد بها إلى الوزير أرنو مونتبورغ الذي توسعت صلاحياته. وينتمي مونتبورغ إلى الجناح اليساري المعتدل في الحزب الاشتراكي. وتبين التشكيلة الجديدة رغبة رئاسية واضحة في إقامة أقطاب وزارية ذات ثقل يعهد إليها إدارة الدولة بكافة مكوناتها وعهد بها إلى وزراء أصحاب وزن وخبرة. وفي هذه التشكيلة، تبرز أسماء فابيوس وسابان ورويال وكازنوف ولودريان التي عليها أن تشكل «القاطرة» المناط بها إعادة إطلاق العجلة الحكومية بإدارة «مايسترو» يتمتع بقبضة حديدية هو فالس.

كما كان متوقعا، لم تحظ الحكومة الجديدة برضا اليمين. فقد وصفها جان فرنسوا كوبيه، رئيس حزب التجمع من أجل حركة شعبية بـ«المركب التائه» واعتبرها «غير مؤهلة للاستجابة لمطالب الفرنسيين»، إذ «لا يفيد تغيير الوزراء والاحتفاظ بالسياسة نفسها». أما رئيس الحكومة السابقة جان بيار رافاران فقد اعتبرها «مخيبة للآمال». وقال فلوريان فيليبو، نائب رئيس الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) لأن هذه الحكومة «لا تحمل جديدا ولا ينتظر منها أي تغيير ذي معنى» (في السياسة)، مضيفا أنه «بسبب المعاهدات الأوروبية وقيودها الرهيبة، نعلم أن الحكومة ستطبق سياسة بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي)». وبالمقابل، أشادت الأكثرية بالحكومة الجديدة وبرئيسها.