كيري: مفاوضات السلام لن تبقى مفتوحة.. وآن الأوان لإجراء تقييم لنعرف الخطوات المطلوب اتخاذها

وزير خارجية أميركا يلتقي العاهل المغربي.. ويؤكد أن واشنطن لا تفرض على الرباط شيئا لا تريده

العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى استقباله جون كيري في الدار البيضاء امس (ماب)
TT

استقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس أمس بالقصر الملكي في الدار البيضاء، جون كيري وزير الخارجية الأميركي، وذلك عقب ترؤسه، رفقة نظيره المغربي صلاح الدين مزوار، الدورة الثانية للحوار الاستراتيجي بين البلدين التي عقدت أمس في الرباط.

وأفاد بيان للديوان الملكي بأن زيارة كيري للمغرب تندرج في إطار الرئاسة المشتركة لأشغال الدورة الثانية لـ«الحوار الاستراتيجي» بين البلدين الذي يعد شقا مهما من الشراكة الاستراتيجية الاستثنائية التي تربط بين البلدين. كما تندرج هذه الزيارة أيضا في إطار تتبع مسار الزيارة الملكية لواشنطن، والمبادرات المكثفة والمتنوعة التي جرى تبنيها، بهذه المناسبة، بين الملك محمد السادس والرئيس باراك أوباما.

وأوضح البيان ذاته أن العاهل المغربي أكد خلاله لقائه رئيس الدبلوماسية الأميركية تشبثه العميق بهذه الشراكة الاستراتيجية، عادًّا إياها نتاج تحالف عريق ومتعدد الأبعاد مع الولايات المتحدة، التي تستمد عمقها من الثقة والتضامن والقيم المشتركة، ومن الترابط والدفاع عن المصالح المشتركة، وهي شراكة تمكنت من التأقلم والتطور والتجدد من أجل الاستجابة لانتظارات البلدين، ومواكبة تحولات السياق الإقليمي والدولي.

وذكر البيان أن كيري أشار إلى أن الزيارة الملكية لواشنطن، يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مكنت من فتح آفاق جديدة للارتقاء بهذه الشراكة الاستراتيجية، وذلك بإغناء أجندتها بشكل جوهري، وفتح آفاق أكثر طموحا أمامها.

ودعا البيان المشترك، الذي جرى اعتماده بمناسبة زيارة كيري، إلى التشاور بشأن القضايا الاستراتيجية، وتسطير سبل جديدة للتعاون، وتكييف الآليات القائمة وتطوير أخرى متنوعة، مع تكريس المكتسبات وترسيخ أسس التحالف التاريخي بين المغرب والولايات المتحدة.

من جهة أخرى، ذكر الملك محمد السادس أن السياق الإقليمي والدولي الراهن يعزز صواب وعمق هذه الشراكة، المدعوة إلى التوسع والمساهمة في الاستقرار والأمن المستدام، والازدهار الاقتصادي المشترك والتنمية البشرية للقارة الأفريقية.

بدوره، جدد كيري تشبث الرئيس أوباما بتعميق الشراكة الاستراتيجية المتفردة مع المملكة المغربية، كما أكد حرص الولايات المتحدة على مواصلة العمل مع المغرب، من أجل تعزيز السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وفيما يتعلق بالقارة الأفريقية، ثمن كيري الالتزام القوي والدائم للملك محمد السادس بخدمة قضايا الاستقرار والتنمية في أفريقيا، مجددا الدعوة له للمشاركة في قمة الولايات المتحدة - أفريقيا، المزمع عقدها في واشنطن خلال شهر أغسطس (آب) المقبل.

وأشاد كيري كذلك بالدور البناء والمساهمة الفعالة للملك محمد السادس بصفته رئيسا للجنة القدس، في الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية عادلة ونهائية وشاملة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، على أساس دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن واستقرار، طبقا لقرارات الأمم المتحدة.

وسلم الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، لكيري ملفا بخصوص مختلف الخروق الإسرائيلية المرتكبة في مدينة القدس الشريف، التي تهدف إلى طمس هويتها الدينية وطابعها المعماري الأصيل.

حضر الاستقبال عن الجانب الأميركي، دوايت إل. بوش، سفير الولايات المتحدة لدى المغرب، وبريم كومار المدير العام للشؤون الخارجية المكلف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأمن القومي، وجونتان فاينر نائب رئيس الديوان، وعن الجانب المغربي المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، وصلاح الدين مزوار وزير الخارجية.

وكان كيري أعلن أن واشنطن ستجري تقييما لمفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مشيرا إلى أنه سيبحث مع الإدارة الأميركية والرئيس أوباما «ما هو ممكن وما هو غير ممكن»، و«أين نقف اليوم وأين سنذهب».

وأوضح كيري، الذي كان يتحدث أمس بالرباط، في مؤتمر صحافي مقتضب مشترك مع نظيره المغربي، عقب ترؤسهما افتتاح أشغال الدورة الثانية للحوار الاستراتيجي بين البلدين، أن كلا الطرفين يؤيدان الاستمرار في المفاوضات، «بيد أن العملية لن تبقى مفتوحة، لقد آن الأوان لإجراء تقييم لنعرف ما هي الخطوات المقبلة التي يتعين علينا اتخاذها».

وردا على سؤال حول ما إذا كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يخبراه بقراريهما الأخيرين، في إشارة إلى إعلان عباس عن توقيع طلبات الانضمام إلى 15 منظمة ومعاهدة دولية، وتعليق إسرائيل الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وما إذا كانت الإدارة الأميركية أضاعت وقتها في رعاية هذه المفاوضات، أوضح كيري أن الطرفين قاما بخطوات غير ملائمة. وأضاف: «لم نضيِّع أي وقت، بل قمنا بتضييق هوة الخلافات بين الطرفين».

وأشار كيري إلى أنه في أي مكان يذهب إليه يسأل عن عملية السلام في الشرق الأوسط، لأنها أضحت مصدر قلق عالمي. وأضاف: «لدينا جدول أعمال كبير، والكثير من القضايا التي يتعين التعامل معها، مثل المباحثات مع الروس بشأن أوكرانيا والوضع في سوريا، والملف النووي الإيراني».

وفي موضوع منفصل، قال كيري إن انعقاد الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة يعد خطوة مهمة للارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد وفي مرحلة مليئة بالتحديات، مشيرا إلى أن بلاده «تؤمن بالقدرات الهائلة التي يتوفر عليها المغرب، وتشجع الإصلاحات الجذرية التي قام بها لمواجهة المستقبل».

وأشار كيري خلال افتتاح الدورة الثانية للحوار الاستراتيجي، إلى أن الأمن من أبرز الالتزامات بين البلدين، مشيرا في هذا الصدد إلى المناورات العسكرية المشتركة التي أجريت أخيرا في أغادير، وقال إنه سيجري توسيعها لإدخال شركاء آخرين في أفريقيا من أجل تعزيز الاستقرار في المنطقة. كما نوه بالجهود التي يبذلها المغرب وانخراطه في المبادرات الدولية في مجال محاربة الإرهاب، وقال إنه يلعب دورا «قياديا» في هذا المجال.

وأوضح رئيس الدبلوماسية الأميركية أن بلاده «لا تفرض على المغرب أي شيء لا يريده» بل تدعمه لتنفيذ الإصلاحات.

وفي الجانب الاقتصادي، أقر كيري بضعف مستوى الاستثمار الأميركي في المغرب الذي لا يتجاوز ثمانية في المائة، وهو ما يتعين تطويره في المستقبل، وهو ما تراهن عليه الرباط كذلك من خلال الحوار الاستراتيجي.

ونوه كيري بزيارة الملك محمد السادس إلى عدد من الدول الأفريقية، والاتفاقيات التي وقعت معها، كما تحدث عن الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى واشنطن في نوفمبر الماضي، ولقائه الرئيس أوباما، وقال إنها ساعدت على تعزيز الروابط بين الدولتين في جميع المجالات.

من جهة أخرى، ذكر كيري بالأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورات في بلدان الربيع العربي، والمرتبطة بغياب فرص العمل، مقابل ارتفاع نسبة الشباب، وسرد قصة محمد البوعزيزي بائع الفواكه التونسي المتجول، وقال إنه كان يريد أن يعيش حياته لكن شرطية ضربته ومنعته العمل، فأشعل النار في جسده. وأضاف قائلا: «في مصر أيضا الشباب هم من خرجوا للتظاهر في ميدان التحرير وليس (الإخوان)، ضد نظام لم يوفر لهم فرص العمل».

يذكر أن كيري بدأ حديثه بالإشادة بالأطباق المغربية التي قدمت له، كما عبر عن إعجابه وانبهاره بمكتب صلاح الدين مزوار الذي عقد فيه لقاؤهما الثنائي قبل الاجتماع، وقال إنه زار عدة مسؤولين مغاربة لكنه لم ير مكتبا يطل على منظر طبيعي رائع مثله، وقال له: «أتساءل كيف تنجز عملك؟». وأضاف أنه سيتذكر ذلك المنظر الجميل كلما اتصل بمزوار.

من جانبه، تطرق مزوار، في افتتاح أشغال الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي الذي حضره عدد كبير من المسؤولين المغاربة، إلى عدة قضايا من بينها نزاع الصحراء، باعتباره أولوية الدبلوماسية المغربية.

وقال مزوار إن «استقرار المنطقة والساحل يمر وجوبا عبر التسوية النهائية للنزاع الإقليمي حول الصحراء»، معربا عن تقدير المغرب للدعم المستمر الذي تقدمه الولايات المتحدة لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي لإيجاد حل سياسي نهائي ومقبول من قبل أطراف هذا النزاع، على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي. وذكر أن الإدارة الأميركية تعد هذه المبادرة مبادرة «جدية وواقعية وذات مصداقية».

وبشأن العلاقة مع أفريقيا التي يتطلع المغرب إلى أن يصبح فاعلا رئيسا فيها، بالتعاون مع الشريك الأميركي، قال مزوار إن القمة الأميركية - الأفريقية المقرر عقدها يومي الخامس والسادس من أغسطس المقبل، تمثل «إشارة قوية عن التزام الإدارة الأميركية لصالح تنمية القارة».

وأعرب مزوار عن قناعة المغرب بقدرة البلدين على بناء شراكة قوية موجهة للفضاء الأفريقي، وذكر في هذا الإطار بالجولات التي قام بها الملك محمد السادس إلى الكثير من الدول الأفريقية وقال إن «السلطة الروحية التي يتمتع بها العاهل المغربي باعتباره أميرا للمؤمنين، تضطلع بدور طلائعي في محاربة التطرف، وإشاعة التدين الوسطي والمعتدل، والتعاون مع الدول الأفريقية الصديقة في المجال الديني».

واستعرض مزوار مختلف الإصلاحات التي باشرها المغرب في مختلف المجالات، وعلى رأسها مجال حقوق الإنسان باعتباره ملفا يجري استغلاله من قبل خصوم بلاده السياسيين للتأثير على مسار نزاع الصحراء. وعدَّ الإصلاحات «ضمانات قدمها المغرب لمواطنيه ولشركائه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وهي إصلاحات تكرس فرادة التجربة المغربية ضمن سياق إقليمي ما زال ينشد الاستقرار».

على صعيد آخر، استقبل الملك محمد السادس أمس بالقصر الملكي في الدار البيضاء، دوايت إل. بوش سفير الولايات المتحدة الجديد، وعصمان أمادو سفير جمهورية مالي، اللذين قدما له أوراق اعتمادهما سفيرين مفوضين فوق العادة لبلديهما لدى المملكة المغربية. كما استقبل العاهل المغربي سفير جمهورية غامبيا لامين كابا باجو، الذي جاء لتوديعه في أعقاب انتهاء مهامه بالمملكة. وبهذه المناسبة، وشحه الملك محمد السادس بالوسام العلوي من درجة قائد.