جزء كبير من فصول الانتخابات الأفغانية كتب في باكستان

مطابع بيشاور لبت بالكاد كل طلبيات الملصقات الدعائية للمرشحين

عامل بمطبعة في مدينة بيشاور الباكستانية يعد ملصقا انتخابيا للمرشح الرئاسي الأفغاني زلماي رسول (أ.ف.ب)
TT

يافطات وصور طامحين للرئاسة معتمرين عمامات ونظراتهم ترنو إلى المستقبل هنا وهناك. هكذا ظل أصحاب المطابع في باكستان يستفيدون خلال الفترة الماضية من الانتخابات الأفغانية المقررة اليوم، فيما كانت إسلام آباد تتابع باهتمام هذا الاقتراع لدى الجار الاستراتيجي.

وفي بيشاور، كبرى مدن شمال غربي باكستان، ظلت وتيرة النشاط عالية في حي المطابع المعروف باسم «موهالا جانجي»، والذي يبعد أقل من ستين كيلومترا عن الحدود الأفغانية. يسحب محمد ساجد من مطبعته العصرية الكبيرة يافطة صنعت من البلاستيك تعبق منها روائح سامة، وقد رسمت عليها مجموعة من الشعارات بالفارسية وصورة زلماي رسول أحد المرشحين البارزين للانتخابات الرئاسية، إضافة إلى أشرف غاني وعبد الله عبد الله. ويقول محمد القابع في محله أمام ساحة مزدحمة «نكاد ننهار لكثرة العمل. لقد طلب مرشح محلي 200 ألف ملصق». ويؤكد عبد الوهاب الذي يعمل في مجال الدعاية بحي موهالا جانجي «إنه موسم جيد بالنسبة إلينا. زلماي رسول هو أكثر من قدم طلبيات».

وتتهم باكستان منذ أمد بعيد بالتدخل في شؤون جارتها أفغانستان باسم سياسة «عمق استراتيجي» يستهدف بالأساس التصدي للهند خصمها اللدود. وفي تسعينات القرن الماضي عملت باكستان على تفريخ طالبان أفغانستان، وكانت إحدى الدول النادرة التي اعترفت بنظام طالبان (1996 - 2001). ورغم أن باكستان تحالفت مع الولايات المتحدة بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فإن أجهزتها السرية بقيت على الدوام موضع اشتباه بقربها من طالبان التي لجأ قسم من أعضائها إلى باكستان بعد الإطاحة بنظامهم. وتتهم كابل بانتظام إسلام آباد بالوقوف وراء هجمات طالبان الدامية مثل الاعتداء على فندق فخم بالعاصمة الأفغانية في 20 مارس (آذار) الماضي والذي خلف تسعة قتلى. وأثناء الانتخابات الرئاسية في 2009 لم يخف مسؤولون باكستانيون دعمهم للرئيس المنتهية ولايته حميد كرزاي رغم تصريحاته ضد باكستان. لكن في هذه المرة تؤكد إسلام آباد أنها ليس لديها مرشح مفضل. وقال المحلل الباكستاني امتياز غل إن زلماي رسول هو «المفضل لدى (حميد) كرزاي» الذي يرتبط مع باكستان بعلاقات عاصفة. أما عبد الله عبد الله فإنه يمثل الشمال الأفغاني الذي ليس له تاريخيا علاقات جيدة مع إسلام آباد، كما أن أشرف غاني لا يرتبط بـ«علاقات» خاصة مع الباكستانيين. وأضاف أن النتيجة غير المحسومة سلفا للاقتراع تبرر أكثر حالة الانتظار لدى باكستان. وتبقى باكستان لاعبا مهما في الاقتراع على الأقل بسبب توعد طالبان أفغانستان بعرقلته. ويضاف عامل آخر بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسلام آباد وطالبان باكستان. فقد أوقف الجيش الباكستاني قصفه لوزيرستان الشمالية أهم مقر قيادة لطالبان باكستان حليفة القاعدة وأيضا القاعدة الخلفية لشبكة حقاني الجناح القوي في طالبان أفغانستان.

وأشار الجنرال الباكستاني السابق طلعت مسعود إلى أن «حقاني يستفيد من وقف إطلاق النار» الذي يمنحه «هامش مناورة أكبر» للتحضير لهجمات في أفغانستان. وحقاني هو أحد أبرز المشتبه بهم في الهجوم على فندق «سيرينا». لكن إذا كان قسم من الأجهزة السرية الباكستانية يبقى متهما بالقرب من طالبان فإن الكثير من المراقبين في باكستان يتفقون على أن الزمان تغير. ويقول هؤلاء إن إسلام آباد تريد تفادي رؤية أفغانستان تغرق مجددا في الفوضى التي يمكن أن تكون معدية وستدفع طالبان أفغانستان باتجاه الانخراط في عملية سلام أو على الأقل العودة إلى الامتثال.

ويؤكد تسنيم إسلام، المتحدث باسم الخارجية الباكستانية، أن «السلام في أفغانستان هو بوضوح في مصلحتنا»، مشيرا إلى سبب آخر، ففي حال الفوضى «فإن موجة جديدة من اللاجئين ستتدفق على باكستان وهذا ما لا يسعنا احتماله».

وفي باكستان ما لا يقل عن 1.6 مليون لاجئ أفغاني مسجل، مثل الحاج جمعة غل الذي يعيش في جالالا على بعد 50 كيلومترا من الحدود في «أفغانستان مصغرة». ويقول هذا الأب لنحو 16 طفلا، ذي اللحية السوداء الكثة والعمامة «إذا تدهور الوضع أكثر في أفغانستان سيفر أناس آخرون إلى إيران أو باكستان وسيصبحون لاجئين مثلنا». وقد يكون الجيران هذه المرة أقل حفاوة.