العرب في ركن الخطابة بـ«الهايدبارك» يهاجمون الغرب ويتعاركون في ما بينهم

TT

لندن ـ رويترز: لا يحتاج المرء الى ان يرى الدماء في الشوارع او يسمع ازيز الرصاص ليعرف لماذا لا ينعم الشرق الاوسط بالسلام. فعند زيارة «ركن الخطابة» في حديقة هايدبارك بلندن، والذي يعد اشهر مكان مفتوح في بريطانيا لتبادل وجهات النظر بحرية.. حيث لا توجد دبابات اسرائيلية او فلسطينيون يفجرون انفسهم، تجد الغضب والاحباط وكثيرا من الجلبة. ستجد مثلا تونسيا يصوب ناحية سائح اسرائيلي سلاحا مزيفا خلال نقاش متأجج، فيما صديق للرجل اليهودي يقول للعرب ان القدس لن تكون ابدا لهم. ويتهم اخرون الحكومات العربية الموالية للغرب بالضعف. وبعد ظهر ايام الاحاد يتحول ركن المتحدثين الى جحيم من المعارك الشفهية.. متشددون اسلاميون ملتحون، ومبشرون مسيحيون اميركيون، بل هناك ايضا رجل زعم انه الشيطان حتى يشد انتباه الحضور.

استخدم ركن الخطابة هذا اولا كمكان للاجتماعات في عام 1855 وجذب خطباء مفوهين مثل كارل ماركس وونستون تشرشل. وفي الستينات من القرن الماضي كان نقطة تجمع لمناهضي حرب فيتنام ورافضي الاسلحة النووية. الا ان تلك الشريحة الصغيرة من لندن صار لها معنى خاص لدى العرب خاصة منذ تفشي المشاعر المعادية للعرب عموما في الغرب عقب هجمات 11سبتمبر (ايلول) على نيويورك وواشنطن.

لقد اصبح ركن الخطابة يقدم للعرب منصة لقول ما لا يستطيعون قوله في معظم بلدانهم من انتقاد للانظمة الحاكمة والرؤساء الذين يهيمنون على السلطة في بعض الدول العربية منذ سنوات بعيدة، والى الموضوعات الشعبية. وهي انتقادات قد تدفع بصاحبها الى السجن سنوات طويلة في بلده.

وقال صحافي عربي يقيم في لندن «ركن الخطابة هو المكان الوحيد على وجه الارض الذي يمكن للمرء فيه ان يهين الحكام العرب». وتابع «انها ساحة لا يمكن تخيلها في العالم العربي. انها تعطي العرب فرصة للتنفيس»، ومتاح للخطباء التعبير عن جميع افكارهم بحرية تامة باستثناء الفحش والتجديف حيث يوجد بالقرب رجال شرطة متجهمون.

وتعد هذه البقعة من لندن مقياسا فريدا من نوعه لمستوى الاستياء العربي تجاه اسرائيل والحكومات العربية. وكل مرة تدخل اسرائيل الاراضي الفلسطينية او يسقط اسرائيليون قتلى في هجوم فلسطيني يعلو الصخب في ركن الخطابة. وفي الاشهر القليلة الماضية قال متحدثون ان التأييد الاميركي المتواصل لاسرائيل وراء هجمات 11 سبتمبر الماضي. وعادة ما يتهمون بريطانيا والولايات المتحدة بالتآمر ضد المسلمين. وفي الحقيقة فانهم ليسوا بحاجة للتطلع بعيدا للتأكد من شكوكهم.

فقريبا منهم يقف جاي سميث وهو مبشر اميركي وقد اخذ يهاجم القرآن الكريم، ويلوح بنسخة منه مطالبا المسلمين بنبذ كتابهم المقدس. ويقود سميث عراكا جدليا ومعه 30 من طلابه ضد المسلمين. رجل مثل هذا ليس وحده سبب احباط العرب سواء كانوا مقيمين اعتادوا زيارة هايدبارك او من الاف السائحين العرب الذين يفدون الى لندن خلال الصيف.

فخطيب بريطاني متمرس مثل باري روبرتس يثير حنق العرب اكثر عندما يذكرهم متباهيا بانهم خضعوا يوما للامبراطورية البريطانية. الا ان العرب ليسوا بحاجة الى اجانب مثل روبرتس لاثارة غضبهم في ركن الخطابة. فهم عادة ما ينقلبون على انفسهم في جدال حاد يعود بالذاكرة الى الهجائيات المقذعة التي اشتهر بها فطاحل شعراء العرب.

ويوم الاحد حث الليبي عبد الرزاق العرب على الوحدة وبعد دقائق تفجر جدل بين جمع من الشبان العرب بعدما قال مغربي لرفيق عربي «على الاقل لدينا رجال بحق في بلدي». وقبل ايام لكم مصري يقول انه من اتباع اسامة بن لادن مصريا اخر في عينه وتوعده بمعركة خارج هايدبارك.

وبلغت مثل هذه المشاحنات بين العرب ذروتها عام 1996 عندما اندلع القتال بين فصائل دينية متنافسة والقي القبض على خطيب عراقي مسلم لطعنه مسيحيا لبنانيا. وقتئذ اغلق ركن الخطابة وهو امر لم يشهده من قبل كرمز من رموز حرية التعبير في لندن.