هل الفقاعة السعرية بدأت تنفجر؟

تنامي الطبقات المتوسطة يضع صناعة المنتجات الفاخرة في مأزق

من عرض قديم لمالبوري تظهر فيه حقيبة «بايزووتر» الشهيرة بحجم كبير
TT

هل انفجرت الفقاعة السعرية أخيرا أم هي في طريقها لذلك؟ وهل ستعترف بعض بيوت الأزياء العالمية، ممن غالت في أسعارها لتخاطب شريحة معينة من الزبائن، أنها وضعت نفسها في مأزق من الصعب أن تخرج منه دون خسائر؟. هذه وأسئلة أخرى تدور في أوساط الموضة حاليا، بعد أن تراجعت أرباح الكثير من البيوت الكبيرة هذا العام، أغلبها ممن دخلت في سباق مع بعضها لطرح كل ما هو غال ونفيس في السنوات الأخيرة، لتنال رضا الطبقات الثرية والنخبوية، رافعة شعار الحرفية وصنع باليد حتى تبرر أسعارا تتعدى آلاف الدولارات.

ما فتح الشهية على هذه الأسئلة وأجج الجدل حولها، خروج برونو غيون من دار مالبوري بعد عامين فقط من عمله فيها رئيسا تنفيذيا. السبب أن استراتيجيته التي تمثلت في رفعه أسعار حقائب الدار لم تلق صدى طيبا من زبائنها المخلصين ولم تستقطب زبائن جددا في ظل المنافسة الشرسة والتصاميم الكثيرة المطروحة في السوق بنفس الأسعار أو أقل. ويجدر التنويه هنا أن الفرنسي برونو غيون، جاء إلى الدار البريطانية ليس بنظرة فرنسية فحسب، بل برؤية جديدة تماما رفضتها المصممة إيما هيل وأدت إلى تركها الدار في العام الماضي. رؤيته كانت مستمدة من تجربته السابقة في دار هيرميس، التي شغل فيها منصب مدير عام لسنوات، والتي لا تزال تسجل الأرباح أن حقيبة من معاملها قد يصل سعرها إلى أكثر من 90.000 دولار أميركي. كان مصرا أن يرتقي بمالبوري إلى مصاف بيوت الأزياء الراقية، مثل هيرميس، مقتنها بأنها تتقاسم معها بعض العناصر الأساسية، مثل الحرفية اليدوية والجلود الطبيعية وما شابه من اهتمام بالتفاصيل الدقيقة والإرث الغني. وبعد أن كانت الدار تنتج 80 في المائة من إكسسواراتها في تركيا في السنوات الماضي، عادت إلى مقرها الرئيس بسومرست مؤخرا لتركز على مفهوم صنع في بريطانيا. وهكذا بدأ برونو غيون عمليتي التوسع العالمي، والرفع من أسعار حقائب مالبوري الجلدية، على أمل أن تكتسب صفة التفرد، بحكم أنها لن تكون في متناول الجميع. ما شجعه على هذه الاستراتيجية أن العالم الذي كان يعرفه منذ عامين، كان مصابا بحمى الأسعار المرتفعة، وكانت كل الدراسات تشير إلى أنه كلما كان المنتج باهظ الثمن زادت جاذبيته والرغبة فيه. لكن لسوء حظه أو لسوء توقيته، لم تنجح الاستراتيجية، وبدأت أسهم الدار ومبيعاتها تشهد انخفاضا ملحوظا.

برونو غيون صرح في لقاء صحافي سابق بأن الدار كانت تفتقد إلى التسويق الجيد في آسيا والولايات المتحدة الأميركية، وبأن تغيير الوضع يتطلب وقتا أطول. لكن الحالة التي وجدت الدار نفسها فيها، لم تترك أمامها أي خيار آخر سوى الاستغناء عنه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خصوصا أنها ما إن أعلنت في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي أنها تتوقع انخفاضا في أرباحها للعام المالي الحالي مقارنة بالسنوات الماضية، حتى انخفضت أسهمها بنسبة 22 في المائة.

حينها أعيد السبب إلى إلغاء طلبية كبيرة من كوريا الجنوبية، وارتفاع أسعار الجلود الطبيعية حيث كان الطلب عليها أكثر من العرض، بعد أن تزايدت بيوت الأزياء التي تريد استعمالها، بما في ذلك الماركات المتوسطة في شوارع الموضة. لكن هذا لم يشفع لبرونو غيون، في ظل تراجع قيمة أسهم الدار خلال العامين اللذين تولى فيهما قيادتها، بنسبة الثلثين في الأسواق. وعلى الرغم من الجدل حول الأسباب، فإن البديهي أن الزبائن لم يتقبلوا ارتفاع الأسعار المطرد وفي فترة وجيزة، ولم يجدوا ما يبرره. ما زاد الأمر سوءا، خروج مصممة الدار، إيما هيل، بعد ست سنوات، قدمت خلالها أزياء أنيقة وحقائب يد ناجحة، أشهرها حقيبة «أليكسا». وغني عن التذكير أن وسائل الإعلام كانت تعشقها وتتعاطف معها، لأنها كانت واحدة منهم قبل أن تتحول إلى التصميم. سبب تركها العمل كما أشيع، يعود إلى اختلاف وجهات النظر حول الاستراتيجية الفنية وطريقة العمل التي تبناها برونو غيون. ولا تزال الدار إلى حد الآن تبحث عمن يخلفها، حيث ألغت عرضها في أسبوع الموضة الأخير بلندن مستعيضة عنه بحفل عشاء وتعاون مع العارضة كارا ديلفين لتصميم مجموعة حقائب تحمل اسمها. ولا أحد يعرف لحد الآن مصير الدار ومن هو مصممها الفني المقبل.

لكن هذه ليست مشكلة تعاني منها مالبوري وحدها، بل بيوت أزياء كثيرة وجدت نفسها تخسر مع الوقت قاعدة مهمة من الزبائن، تجاهلتهم في السنوات الأخيرة، لأنها صبت معظم اهتمامها على طبقة الأثرياء. غوتشي ولوي فويتون مثلا من البيوت التي سجلت تراجعا في الأرباح مقارنة بماركات أخرى تطرح منتجاتها بأسعار متوسطة ومعقولة، مثل توري بيرش ومايكل كورس. المصمم مايكل كروس، مثلا أصبح مليارديرا وحققت علامته أرباحا تفوق الـ40 في المائة لأنه كان ذكيا. فقد قرأ السوق جيدا، ورسم استراتيجية بعيدة المدى، توجه فيها إلى زبائن من الطبقات المتوسطة، ممن وجدوا أنفسهم في فترة من الفترات مهمشين لا يستطيعون اقتناء حقائب بتوقيع بيوت أزياء عالمية كانوا من زبائنها في العقد الماضي، لكنها أدارت لهم ظهرها بحثا عن الربح والتفرد.

وبما أن الأسواق النامية هي المحرك الذي يدفع بصناعة الموضة إلى الأمام، وجدت استراتيجية مايكل كورس وتوري بيرش وغيرهما من العلامات المتوسطة الأسعار، صدى طيبا فيها، بما في ذلك السوق الصيني، الذي تنمو طبقته المتوسطة بشكل كبير ومعه تنمو الرغبة في منتجات مترفة بأسعار معقولة.

فمما يذكر أن زبونة هذه الأسواق كانت في الماضي تدخر المال من راتبها لكي تقتني حقيبة يد تعبر من خلالها على أناقتها ومركزها. كانت تشتري حقيبة من لوي فويتون، مثلا بسعر يقدر بـ800 دولار أميركي، كانت قمة حلمها، لكنها مع الوقت وجدت نفسها خارج اللعبة، لأن هذا السعر ارتفع بشكل فاق قدراتها، وفي الوقت ذاته ظهرت ماركات مثل مايكل كورس لا تقل أناقة بتصاميمها البسيطة، وبنصف السعر تقريبا، عدا أن تصاميمها غير بعيدة عن تصاميم بيوت الأزياء العالمية والغالية. فهي مقتبسة منها إلى حد كبير باستثناء بعض التغييرات والتفاصيل الطفيفة. حقيبة «ويستون» من مايكل كورس مثلا تشبه حقيبة «جاكي» لغوتشي، وبينما يقدر سعر الأولى بـ300 دولار أميركي، فإن سعر الثانية لا يقل عن 2.650 دولارا أميركيا. وهذا يكفي لكي يجعل المنافسة محسومة لصالح مايكل كورس، مما أصاب كلا من غوتشي ولوي فويتون وغيرهما بوعكة لا يعرف أحد ما إذا كانت ستتعافى منها بسرعة أم لا. وهذا يعني أن مجموعة «كيرينغ» المالكة لغوتشي و«إل.في.آم.آش» المالكة للوي فويتون، في مأزق صعب يتطلب تدخلات سريعة واستراتيجيات جديدة، خصوصا في ظل تنامي قوة الطبقات المتوسطة وفي واحدة من أهم الأسواق التي كانوا يعولون عليها ألا وهي الصين. فهذه الأخيرة، كما يشرح بعض المراقبين، بدأت تؤثر على مسار المنتجات المترفة منذ إصدارها القانون الذي ينص على منع تقديم وتبادل الهدايا الفاخرة، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على صناعة المنتجات الفخمة مثل حقائب اليد والساعات وغيرها. وبما أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن ماركات أخرى استغلت الوضع والتوقيت ودخلت المنافسة بكل قوتها، متوددة إلى الطبقات المتوسطة وشرائح الشابات المتطلعات لدخول لعبة الموضة، مثل كايت سبايد وتوري بيرش وفيرلا الإيطالية ولونغشون الفرنسية وكوتش الأميركية. هذه الأخيرة مثلا سجلت أرباحا بنسبة 40 في المائة وهو ما تنوي باقي الماركات المتوسطة أن تحققه أو تتجاوزه بسهولة لتملأ الفراغ الذي تركته الماركات العالمية مثل لوي فويتون وغوتشي وغيرهما.