تجدد أعمال الشغب في مدينة معان الأردنية على خلفية مقتل وإصابة تسعة مواطنين

استهداف مبنى الاستخبارات العسكرية والمقار الأمنية والدوائر الحكومية من قبل مجهولين

جانب من التعزيزات العسكرية للجيش الاردني في مدينة معان بعد المواجهات التي حصلت أخيرا (أ.ب)
TT

تجددت أعمال الشغب في مدينة معان جنوب الأردن لليوم الثالث على التوالي بعد مقتل شاب وإصابة ثلاثة مواطنين إضافة إلى إصابة خمسة من عناصر الدرك نتيجة إطلاق النار على دوريات الدرك من قبل مجهولين.

وقال شاهد عيان إن مجهولين استهدفوا فجر أمس الجمعة مقرات أمنية وأطلقوا العيارات النارية بقوة تجاه مبنى الاستخبارات العسكرية.

وأضاف الشاهد لـ«الشرق الأوسط» الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن «أشخاصا يعتلون سطوح المنازل يقومون بإطلاق النار، فيما تتعامل قوات الدرك بإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع»، مشيرا إلى أن قوات الدرك تتعامل بـ«ضبط نفس» مع التطورات.

وكان العشرات من أبناء معان تجمهروا وسط المدينة مساء الخميس، لليوم الثالث على التوالي وعبروا عن احتجاجهم في أعقاب مقتل الشاب قصي الأمامي أثناء تبادل إطلاق النار مع قوات الدرك مساء الثلاثاء الماضي. وأشعل المحتجون النار في الإطارات المهترئة وألقوا بها في الشارع العام، كما أطلق محتجون النار على دورية أمنية وقرب محكمة معان.

من جانبهم قال شهود عيان، إنهم رأوا مدرعات كبيرة للدرك، تدخل المدينة، وتستقر في أحد الأحياء السكنية، مرجحين أنها قدمت لغرض شن حملة اعتقالات. وسُمع إطلاق نار كثيف وغير مسبوق في المدينة، في الوقت الذي أصيب فيه مواطنان برصاص قوات الدرك، وجرى علاجهما في مستشفى معان الحكومي، وحالتهما العامة متوسطة. وقامت قوات الدرك بإطلاق قنابل ضوئية بسبب انقطاع الكهرباء عن بعض الأحياء، وحلقت في الأثناء طائرة استطلاع أمنية، في حين سقطت قنابل غاز مسيل للدموع بين منازل المواطنين. وبحسب شهود عيان؛ جرت اشتباكات بين الدرك وملثمين بالقرب من مدينة الحجاج، بالإضافة إلى إطلاق ملثمين النار على القوات الأمنية الموجودة بكثافة أمام محكمة بداية معان. إلى ذلك أكد الناطق باسم شركة توزيع الكهرباء ياسين آل خطاب قيام مجهولين بإضرام النيران بمحولات كهربائية، وتوقفها عن العمل، مؤكدا تعطيلها منذ ليلة أمس متسببة بظلام دامس بمنطقة الصالة الرياضية والأحياء المحيطة بها.

وساد المدينة هدوء وترقب حذر، بعد ظهر أمس فيما تنادى بعض المواطنين المطالبين بتضافر الجهود لفرض الأمن الاجتماعي وعدم الاستماع لدعوات العنف ونبذها. فيما ناشد غالبية سكان المدينة لضبط النفس ورفض أي دعوة للمواجهة مع رجال الأمن مذكرين أن رجال الأمن هم أقرباؤهم حضروا للقيام بواجب حفظ الأمن حماية الأعراض والممتلكات.

وتأتي هذه الأعمال في وقت تواصل فيه الإضراب العام في المدينة لليوم الثالث على التوالي، إذ إن ما نسبته 80 في المائة من الأسواق والمحال التجارية بقيت مغلقة أبوابها، باستثناء عدد قليل من البقالات والمخابز والصيدليات. وبحسب مصادر تجارية، فإن أصحاب المحال التجارية أبقوها مغلقة، استجابة لدعوة الإضراب وبسبب الظروف الأمنية غير الملائمة التي تسود المدينة، فيما أغلقت البنوك التجارية أبوابها، في حين تشهد شوارع المدينة إغلاقات بالحجارة والحاويات ومخلفات الاحتجاجات.

وقد طالت أعمال الشغب والحرق التي اندلعت ثلاثة فروع لبنوك تجارية، ومكتبا تابعا لمؤسسة حكومية في المدينة، وقد استخدمت قوات الدرك الغاز المسيل للدموع بكثافة لتفريق محتجين عمدوا إلى إغلاق بعض الشوارع الرئيسة والفرعية بالحجارة والإطارات المشتعلة، حيث أرسلت تعزيزات أمنية للمدينة، فيما تعرضت آليتان مدرعتان للعطب، الأمر الذي دعا قوات الدرك إلى الانسحاب، وفق شهود عيان ومصادر أمنية.

وكان شيوخ ووجهاء مدينة معان والفاعليات الشعبية والشبابية فيها وبمشاركة المجلس البلدي أصدروا بيانا حددوا فيه 6 مطالب، قالوا إنها الحل الأمثل لإنهاء حالة الاحتقان التي تشهدها المدينة منذ أيام على خلفية مقتل الشاب الإمامي. وطالب البيان بإقالة لجنة الحكم المحلية في محافظة معان، وتشكيل لجنة مستقلة تضم قضاة ومؤسسات مجتمع مدني للوقوف على تفاصيل الأحداث، بالإضافة إلى إزالة المظاهر الأمنية من المدينة. كما طالب البيان بالدخول في حوار وطني مسؤول للتوصل إلى إصلاحات حقيقية، وعدم تغييب الحقائق فيما يحصل، واعتبار المجلس البلدي هو الممثل الوحيد لمدينة معان في متابعة شؤونها والعمل على حل قضاياها. وأضاف أن «التجاوزات بحق المطلوبين أمنيا لا ترتقي إلى تطبيق القانون»، مشيرين إلى أن «الكثير من المطلوبين لقوا حتفهم بعد مطاردات أمنية ميدانية، فيما كان بالإمكان إلقاء القبض عليهم وتقديمهم إلى القضاء العادل».

وكان وزير الداخلية الأردني حسين المجالي أكد مقتل مواطن وإصابة 6 آخرين منهم خمسة عناصر من قوات الدرك في الأحداث التي شهدتها مدينة معان جنوب منذ يوم الأحد الماضي، وأضاف المجالي خلال إيجاز قدمه لمجلس الوزراء حول التجاوزات التي تشهدها المدينة في أعقاب «الاعتداء بإطلاق النار من أسلحة أوتوماتيكية على قوات الدرك الأحد الماضي، أثناء قيامها بواجب حماية محكمة بداية معان، من قبل عدد من الخارجين عن القانون والمطلوبين لجهات قضائية وأمنية».

وأوضح المجالي «إن الذين قاموا بالاعتداء تعمدوا إعاقة عملية إسعاف المصابين من قوات الدرك وإخلائهم إلى مستشفى معان الحكومي، وزاد الأمر أن حاولوا منع إخلاء إحدى الإصابات الخطيرة بواسطة طائرة الإخلاء الطبي حيث نتج عن هذا الاعتداء 5 إصابات بين مرتبات قوات الدرك إحداها حرجة وأخرى متوسطة ما تزال قيد العلاج في المستشفيات».

وأكد المجالي أنه «لا توجد حملة أمنية في معان وإنما إجراءات من أجل القبض على عدد محدود من الخارجين عن القانون وبسط الأمن هناك»، مشيرا إلى أن الوزارة على تواصل دائم ومستمر مع أهالي معان ووجهائها وأعيانها للتعاون في إعادة الأمن إلى المدينة وضمان سير الأمور كالمعتاد.

من جهته، أكد القيادي البارز في التيار السلفي الجهادي محمد الشلبي الملقب بـ«أبو سياف» وجود جهود متواصلة من قبل شباب التيار للوصول إلى التهدئة وضبط النفس، خوفا من تفاقم الأمور ووقوع ما لا تحمد عقباه، محملا أجهزة الحكومة مسؤولية ما يحدث في المدينة «لعدم تقديرها ودراستها الوضع القائم هناك وامتصاص غضب المواطنين بدل استفزازهم».

وانطلقت بعد صلاة الجمعة أمس مسيرة من مسجد معان الكبير، احتجاجا على مقتل الشاب قصي الإمامي برصاص «قوات الدرك».

وشارك في المسيرة المئات من أهالي معان، على رأسهم رئيس البلدية ماجد الشراري آل خطاب، وعدد من وجهاء معان والناشطين السياسيين فيها، وتخللتها هتافات عالية السقف.

واستمرت المسيرة حتى وصلت إلى بيت عزاء الإمامي، حيث قدم المشاركون فيها واجب العزاء لوالد القتيل، الذي بدوره شكر الحضور على مؤازرتهم وانتصارهم لقضية ابنه، محمّلا مسؤولية مقتله لوزير الداخلية حسين المجالي، إضافة إلى محافظ معان ومسؤولي الأجهزة الأمنية في البلاد. ورفض أبو شادي، والد القتيل، تسمية بعض الجهات الإعلامية لابنه بالمطلوب، وقال: «ابني من خيرة الشباب، وقد قتل وهو ذاهب لصلاة المغرب»، مستنكرا في الوقت ذاته استخدام الأجهزة الأمنية وقوات الدرك لما وصفه بـ«الأسلوب الدموي».

من جانبه ندد حزب التحرير الإسلامي المحظور، بطريقة تعامل أجهزة الأمن مع أهالي محافظة معان، معتبرا أن هذه السياسة تنم عن «رعونة» أصحاب القرار، وحقدهم الدفين على مدينة معان منذ القدم.

وقال رئيس المكتب الإعلامي للحزب ممدوح قطيشات، إن أجهزة الأمن قامت في اليومين الماضيين باقتحام البيوت وانتهاك حرماتها، وترويع الأطفال والنساء، وضرب الأحياء بقنابل الغاز المسيل للدموع بما فيه من ضرر، وإطلاق الرصاص الحي الذي أسقط أحد أبناء المدينة تحت ذريعة جلب مطلوبين، أو خارجين عن القانون كانوا أمام أعين أجهزة الأمن وعلى صلة وعلاقة بهم قبل الحدث على حد قوله. وأكد قطيشات أن مدينة معان وأهلها، شكلوا نموذجا ناصعا في التاريخ الإسلامي، حيث قاوموا التدخل الإنجليزي في بلاد المسلمين، ووقفوا في وجه من أراد إسقاط دولة الإسلام. وحول ردود فعل بعض الشباب في معان غير السلمية، قال قطيشات إن «الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة محرم شرعا».

ونظم العشرات من أعضاء الحراك الشعبي في كل من إربد شمال الأردن والطفيلة والكرك وقفات احتجاجية بعد صلاة الجمعة، وذلك للتضامن مع أهالي معان، نظرا للأحداث التي تجري حاليا داخل المدينة وطالب المشاركون بضرورة فك الحصار عن معان، ورفع القبضة الأمنية عن أهالي المدينة، ورفض ما يجري بالمدينة، وعدم شمول الجميع بعقاب ما يجري.