مطار القاهرة الدولي ينتظر «الفرج» بعد انتخابات الرئاسة

يعاني قلة توافد السياح وكسادا بالسوق الحرة والمطاعم وسيارات الأجرة

واجهة مطار القاهرة تشكو من قلة الركاب. وكانت هذه المنطقة في السابق مزدحمة بسبب كثرة المسافرين («الشرق الأوسط»)
TT

حمل الشاب المصري جبريل حقائبه أمام مطار القاهرة الدولي ليلحق بالطائرة، وقد وضع لنفسه جدولا منذ أسابيع لكي يصوت في الانتخابات الرئاسية في القنصلية المصرية في روما، حيث يعيش ويعمل في مطعم هناك منذ سنين. وبعد أن ودع أقاربه ودخل للصالة الطويلة الخاوية، تلفت حوله وقال: «ليس هذا هو المطار الذي نعرفه».

هدوء، وسكوت وانتظار. وتساءل: «أين أيام الحركة الدائبة؟ وأين المسافرون الذين كانوا يسدون أبوب المطار من كثرة الزحام؟ وأين الصالات التي كانت تغص بالناس من كل البلاد؟».

ووجد الكثير من الموظفين والعمال هنا الوقت الكافي للجدل حول برامج وأقوال المرشحين الاثنين لانتخابات الرئاسة التي بدأت وقائعها الأولى في الخارج بشكل قوي وكثافة تصويتية غير مسبوقة، وسوف تستكمل قوسها النهائي في الداخل يوم 26 و27 من الشهر الجاري، عاقدين الأمل على قدرتها في استعادة السياح والاقتصاد والعمل.

وأضرت قلة المسافرين بالسوق الحرة في المطار وبالمطاعم وسيارات الأجرة التي تنتظر الركاب بأيسر الأسعار. وحيث إن الممرات في الداخل شبه فارغة، كان من السهل على جبريل البالغ من العمر 42 سنة، أن يرجع عبر البوابات الإلكترونية لكي يغير النقود المصرية إلى يورو. وهذا أمر لم يكن مسموحا به من قبل، كما يقول الشرطي العجوز عبد العزيز، الذي طلب من جبريل أن يترك معه تذكرة السفر حتى يضمن عودته مرة أخرى إلى الصالة التي تؤدي إلى البوابة رقم أربعة، أي إلى الطائرة التي ستغادر إلى روما، بعد قليل.

في السابق كانت طوابير المسافرين تدفعك إلى الأمام، ولا تسمح لك برفاهية التجول هنا وهناك في ردهات المطار، أو التنقل ذهابا وإيابا عبر نقاط مرور الحقائب ونوافذ ختم الخروج على جوازات السفر. «اليوم.. في المطار، تصرف على راحتك، كأنك في بيتك. لا ينقصني غير تدخين سيجارة». وهذا طبعا ليس مسموحا. يتحدث جبريل، وهو شاب مصري يبلغ من العمر 35 سنة، متزوج من إيطالية ويدير مطعما في روما. ويقول: «حتى حين جئت على طائرة مصر للطيران إلى هذا المطار قبل أسبوعين، لاحظت قلة الركاب والمسافرين في الطائرة وفي المطار. لا يوجد سياح».

ورغم ندرة المسافرين حاليا عبر هذا المطار الضخم، فإن كل الضوابط والالتزام بالقوانين أمر قائم على حاله بغض النظر عن أنه الآن يمكنك أن تتجاذب أطراف الحديث مع ضابط الجوازات أو مفتش الحقائب. ويمكن أيضا أن تقول له: «آه.. لقد نسيت أن أبدل النقود»، كما فعل جبريل، فيقول لك الضابط مبتسما، وهذا أمر نادر الحدوث: «حسنا.. اتجه إلى هناك ستجد فرعا للبنك. اترك حقيبتك ونحن في انتظارك».

وحتى حين توجه جبريل إلى غرفة التدخين كانت شبه فارغة. سائح يبدو أنه أميركي ومعه زوجته يدخنان المارلبورو في الزاوية. وشابان مصريان يدخنان الـ«دانهيل» والـ«روثمان»، يتحدثان بالعربية حينا، وحينا بالإيطالية.

ويقع المطار الذي تأسس لأول مرة في الثلث الأول من القرن الماضي، وجرى إدخال توسعات كبرى عليه طيلة عقود، على بعد نحو عشرين كيلومترا من قلب القاهرة، ويمكن الوصول إليه عبر عدة محاور أصبح يوجد على جانبيها وفي واجهاتها صور دعائية للمتنافسين في انتخابات الرئاسة.. المشير عبد الفتاح السيسي، واليساري حمدين صباحي.

وتقع أرض المطار على مساحة كبيرة تصل إلى نحو أربعين مليون متر مربع، وكانت السلطات في الماضي تطمح في جعله واحدا من أهم المطارات الدولية التي تربط بين أفريقيا والعالم، وتمكن بالفعل من تقديم الخدمات خلال الأعوام التي سبقت ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 نحو 14 مليون راكب في المتوسط سنويا، وهو رقم كان يؤشر أيضا على إقبال السياح على مصر، وانخفض هذا الرقم إلى أقل من النصف في بعض فترات الاضطرابات التي أعقبت تخلي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن سلطاته.

ويتردد على المطار العشرات من شركات الطيران من دول العالم المختلفة، لكن منذ سنة 2011 وخاصة في الصيف الماضي، علقت بعض الدول عمل شركاتها ضمن خطط لحظر سفر رعاياها للسياحة في مصر لأسباب أمنية، خاصة بعد وقائع تخص خطف وقتل سياح في سيناء. وبدأت وزارة الطيران المصرية بحث إعادة تشغيل رحلات بين لشبونة والقاهرة بعد توقفها ثلاث سنوات.

ويذكر الشرطي عبد العزيز الاضطرابات التي تمر بها البلاد، ويقول وهو يتجاذب أطراف الحديث مع باعة الشطائر والمشروبات في الجانب الآخر من بوابة ختم جوازات السفر: «كل الناس هنا، كما ترى، تنتظر الفرج بعد انتخابات الرئاسة». وضحك الشاب حسن جمال، الذي يعمل في بيع السلع بالمنطقة الحرة داخل المطار، وقال قبل أن يمضي لعمله: «هذه مسؤولية كل واحد منا، سواء في الداخل أو في الخارج. التصويت والمشاركة، نحن الذين قمنا بالثورة، ونحن سنجعل خارطة الطريق تنتصر، وسيرجع السياح والمسافرون، ولن نجد وقتا للكلام».

ووفقا لما أعلنه الطيار سامح الحفني، رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران، فإن خسائر الشركة قد تصل إلى نحو عشرة مليارات جنيه (الدولار يساوي نحو سبعة جنيهات)، بنهاية العام الحالي بسبب تداعيات انخفاض حركة الطيران والركاب منذ ثورة 2011. ويتضمن برنامج المرشحين للرئاسة، السيسي وصباحي، خططا عاجلة لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، على أمل استعادة ملايين السائحين والمسافرين الذين كانوا «مصدرا للرزق لكل العاملين في المطار»، كما يقول الشاب حسن جمال.

ويبدو أن السلطات واثقة من القدرة على اجتياز المرحلة الراهنة بسلام. ويطمح المسؤولون بعد انتهاء انتخابات الرئاسة إلى إدخال توسعات على المطار، وتوجد خطة فعلية لهذا الأمر تبلغ قيمتها نحو نصف مليار دولار، إلى جانب خطة لتشييد مدينة مطارات متكاملة بتكلفة مبدئية نحو 1.3 مليار دولار. كما لوحظ في المطار، ورغم حالة الكساد التي تصبغ هيئته العامة، وجود حركة نشطة لترتيب الأوضاع هنا، للاستفادة من مسافري الترانزيت مستقبلا.. منها على سبيل المثال فتح مكتب للسياحة و«إقامة متحف دائم للآثار المصرية» في مطار القاهرة، وفقا لوزير الآثار المصري محمد إبراهيم، بوصفه «عنصرا جديدا من عناصر الجذب السياحي».

ويوجد في مصر نحو 20 مطارا آخر لكنها أصغر بطبيعة الحال من مطار القاهرة الدولي. وتتطلع إلى زيادة عدد المسافرين عبر هذه المطارات، بما فيها المطار الرئيس، إلى 30 مليون راكب سنويا.