سوريا: «داعش» يفرض أئمة على مساجد الرقة وريف حلب للتحريض على «الحر»

وضع مشايخ المناطق التي يسيطر التنظيم عليها بين خياري الخضوع أو الرحيل

عناصر من الجيش السوري الحر يوجهون نيران بنادقهم باتجاه قوات النظام في محيط مدينة إدلب أمس (رويترز)
TT

يعمد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) إلى توظيف منابر المساجد لجذب مناصرين له والتحريض ضد «الجيش الحر» في المناطق التي يسيطر عليها شمال شرقي سوريا، وذلك بوضع المشايخ السوريين بين خياري الخضوع له وتبني أفكاره أو مغادرة مناطقهم نحو تركيا وتعويضهم بمهاجرين أجانب موالين له. ومن ناحية ثانية، أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أن إيران تجند حاليا آلاف اللاجئين الأفغان للقتال إلى جانب القوات النظامية في سوريا، مقابل حصول الفرد على 500 دولار شهريا وتوفير إقامة له في إيران.

حول موضوع المشايخ، وصل إلى مدينة غازي عنتاب التركية المحاذية للحدود السورية قرب مدينة حلب خلال الفترة الماضية، عدد من المشايخ الذي فروا من مدينة منبج، الواقعة في ريف حلب الشرقي، بعد سيطرة التنظيم عليها وإقدامه قبل أشهر على اغتيال إمام الجامع الكبير محمد الديبو بعد رفضه التعاون مع التنظيم المعروف بتبنيه أفكارا دينية متشددة. ويقول أبو أحمد الحريتاني، القيادي في المعارضة السورية بريف حلب، لـ«الشرق الأوسط»: «حادثة اغتيال الشيخ ديبو زرعت الرعب في نفوس الأئمة ودفعت بعضهم للخضوع إلى التنظيم، فيما قرر آخرون الفرار خارج المدينة هربا من بطش «داعش». ويظهر عدد من أشرطة الفيديو التي بثّت على مواقع المعارضة مشايخ من ريف حلب وهم يبايعون التنظيم، لكن الحريتاني يؤكد أن «هذه المبايعات جرت بالقوة والسلاح»، موضحا أن «المشايخ الذين أجبروا على الخضوع للتنظيم يطلب منهم التحريض ضد الجيش الحر في خطب يوم الجمعة واتهام المعارضة بأنها عميلة للغرب وكافرة».

وإلى جانب ترهيب المشايخ المحليين، قام التنظيم بتعيين عدد كبير من المشايخ المهاجرين الذين يتحدرون من أصول مصرية ويمنية وتونسية بحسب ما يشير الحريتاني، موضحا أن «هؤلاء المهاجرين لا يملكون شهادات تخوّلهم القيام بهذه المهام وغالبا ما تتركز خطبهم على شتم الجيش الحر واتهامه بالعمالة للغرب وبالكفر».

ولا يختلف المشهد كثيرا في مدينة الرقة الخاضعة لسيطرة «داعش» منذ مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. إذ يفرض التنظيم مشايخ موالين له لتولي مهام الخطابة في مساجد المدينة. وبحسب ما يقول عضو المجلس المحلي السابق في مدينة الرقة إبراهيم مسلم لـ«الشرق الأوسط فإن «أئمّة الرقة غالبا ما يسكنون في بيوت قريبة من المساجد، ما دفع تنظيم داعش إلى ابتزازهم ووضعهم أمام خيارين، إما الخروج من منازلهم أو الخضوع له وإلقاء خطب تناسب توجهاته المتطرفة». وأوضح المسلم أن «بعض المشايخ اضطروا للخضوع لتنظيم داعش وتورّطوا في تبني أفكاره، في حين فضل البعض الآخر مغادرة الرقة بعد اصطدامه مع التنظيم»، مشيرا إلى أن أحد المشايخ رفض أن يحرّض على الأكراد كما طلب منه «داعش» فما كان من التنظيم إلا أن طرده من الرقة.

وفي حين يتولّى القيادي في «داعش» أبو علي الأنباري إدارة ملف تعيين أئمّة المساجد في الرقة، يشرف المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني على تعيينهم في بعض مناطق ريف حلب (منبج – جرابلس – الباب)، وفق ما يؤكد مدير مفتي سوريا المنشق، عبد الجليل سعيد لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن التنظيم يعتمد بشكل كبير على منابر المساجد لجذب الشبان الذين كانوا يقاتلون في كتائب المعارضة الإسلامية مثل «أحرار الشام» و«النصرة» ولم يقتنعوا بأفكارها»، لافتا إلى أن «الفكر المتطرّف غالبا ما يجذب الناس لأنه يعد بنتائج سريعة على النقيض من الخطاب المتدرج الذي تستخدمه الفصائل الإسلامية المعارضة». ويذكر أن وزارة الأوقاف التابعة للحكومة السورية هي التي كانت تتولّى تعيين أئمة المساجد في سوريا، لكن بعد اندلاع الأحداث وخروج بعض المناطق عن سيطرة القوات النظامية باتوا يعيّنون عبر هيئات شرعية شكّلت في هذه المناطق.

في المقابل، ذكرت الـ«وول ستريت جورنال» في تقرير لها أمس الجمعة: إن الحرس الثوري الإيراني يجنّد مسلحين شيعة أفغانا ويدرّبهم للقتال في سوريا، وأنه جرى نشر تفاصيل حول جهود التجنيد هذا الأسبوع على «مدوّنة» تركز على اللاجئين الأفغان في إيران، في حين أكد مكتب رجل الدين الإيراني محقق كابولي هذه المعلومات، فضلا عن تأكيد أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني لها.

ونقل عن مسؤول في المكتب قوله: «وجد الحرس الثوري الإيراني طريقا للتواصل مع مجتمع اللاجئين، ويعملون على إقناع شبابنا بالذهاب للحرب في سوريا، وفروا لهم كل شيء بداية من الراتب وصولا إلى الإقامة». ولفتت الصحيفة الأميركية، إلى أن طهران توفر للاجئين إمكانية تسجيل أطفالهم في المدارس هناك، وتقدم لهم بطاقات خيرية، إضافة إلى دفع راتب شهري بقيمة 500 دولار، وتوفير سكن لعائلاتهم. وأوضح المسؤول وفقا للصحيفة، أن عددا من الشباب الأفغاني كتب إلى كابولي، متسائلين عما إذا كان القتال في سوريا يعد واجبا دينيا، وجاء رده بأنه يكون دينيا فقط إذا كانوا يدافعون عن الأضرحة الشيعية.

وفي المقابل، نفى حامد بابائي المتحدث باسم البعثة الأممية في إيران، مزاعم إرسال إيران اللاجئين الأفغان إلى سوريا كمقاتلين، واصفا ذلك بأنه أمر «لا أساس له من الصحة»، وادعى أن «الوجود الإيراني في سوريا ذو طبيعة استشارية فقط، بغية المساعدة على مواجهة التطرف، ومنع الجماعات التابعة للقاعدة هناك من ارتكاب مزيد من المذابح وسفك الدماء».