تضارب حول مصير مدينة تركمانية محاصرة.. وتحذيرات من مذابح

شاهد عيان من تكريت: مسلحون رفعوا شعارات البعث وصور الدوري قبل إزالتها خوفا من إغضاب «داعش»

متطوعون يستمعون إلى تعليمات من مسؤولهم في مركز للتطوع ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

لليوم السادس على التوالي، خاض مسلحو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) أمس، معارك كر وفر مع القوات العراقية الساعية إلى استعادة زمام المبادرة بعد انتكاسة الموصل في التاسع من يونيو (حزيران) الحالي إثر سقوطها بيد المسلحين من دون قتال. وفيما تتضارب الأنباء بشأن السيطرة على قضاء تلعفر شمال غربي مدينة الموصل (400 كم شمال بغداد) واعتقال آمر لواء الذيب المعروف بـ«أبي الوليد» على يد «داعش»، فإنه وطبقا لما أعلنه قائد عمليات الأنبار الفريق رشيد فليح فإن قوات الجيش وبمساندة العشائر تمكنت من استعادة السيطرة على مناطق واسعة من قضاء القائم، غرب الرمادي (110 كم غرب بغداد)، بعد ساعات من سقوطها بيد تنظيم «داعش». وقال فليح في تصريح صحافي بأن «قوات الجيش والشرطة بدأت بالتوجه إلى مناطق تجمع عناصر (داعش) في منطقة الكرابلة والرمانة لتطهيرها وإعادة فتح مراكز الشرطة من جديد». في سياق ذلك، قطعت القوات الأمنية جميع اتصالات شبكات الإنترنت عن عموم مدن محافظة الأنبار حتى إشعار آخر، على خلفية قيام القوات الأمنية بعملية واسعة، غرب الرمادي. وفي إطار عمليات تكثيف الجهد العسكري باستخدام طيران الجيش بكثافة فقد أعلنت عمليات الأنبار عن مقتل ما لا يقل عن 200 عنصر من تنظيم «داعش» بقصف للجيش أثناء تنظميهم استعراضا عسكريا في ناحية الصقلاوية شمال الفلوجة.

ومن القائم في أقصى الحدود الغربية من العراق حتى قضاء راوة الواقع غرب الأنبار، وسع مسلحو داعش عملياتهم العسكرية باتجاه هذا القضاء بهدف وضعه تحت سيطرتهم. لكنه، طبقا لما أعلنه قائمقام القضاء حسين علي في تصريح فإن عملية أمنية بدأت منذ يوم أمس الاثنين لطرد مسلحي داعش من مناطق القضاء. وأفاد مصدر استخباراتي في المنطقة الغربية لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم الإشارة إلى اسمه، بأن «الهدف من قيام تنظيم داعش بأنشطة في هذه المناطق الشاسعة والتي تبدو بمثابة تشتيت لجهودهم يعود لسببين الأول إن لهم في هذه المناطق خلايا نائمة وقد وجدوا أن الحاجة باتت ماسة لكي تأخذ دورها الآن في ضم ما تستطيع ضمه من هذه المناطق المحاذية للحدود السورية بهدف تأمين طرق الإمدادات لهم وقطعها أمام القوات العراقية»، مشيرا إلى أن «السبب الثاني هو محاولتها إشغال القوات العراقية وتشتيت جهدها في مناطق واسعة من البلاد قد لا تمنحها القدرة على مسك الأرض في النهاية من منطلق أن هؤلاء المسلحين يعرفون جيدا مداخل ومخارج هذه المناطق ولهم أدلاء فيها».

وفي الشمال حاول تنظيم «داعش» توسيع نطاق عملياته لتشمل قضاء تلعفر ذي الغالبية الشيعية التركمانية والواقع شمال غربي مدينة الموصل. وفيما يقول: «داعش» إنه سيطر على القضاء واعتقل قائد العمليات «أبو الوليد» فإنه واستنادا لما أعلنه الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة الفريق قاسم عطا فإن قضاء تلعفر لم يسقط بيد داعش وإن الأنباء التي تحدثت عن اعتقال آمر «لواء الذئب» عارية عن الصحة. ومنذ مساء أمس الأحد تدور اشتباكات بين المسلحين الذين ينتمون إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الجهادي المتطرف وتنظيمات أخرى من جهة، والقوات العراقية من جهة ثانية، في قضاء تلعفر (380 كلم شمال بغداد) وسط نزوح آلاف العائلات.

وقال عبد العال عباس قائمقام تلعفر في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «هناك 200 ألف نازح والاشتباكات مستمرة داخل تلعفر (...) لدينا شهداء وجرحى وفوضى ونزوح». وذكر من جهته مصدر مسؤول رفيع المستوى في محافظة نينوى أن المسلحين تمكنوا بعد هجوم شنوه في ساعة متأخرة من الليلة قبل الماضية من السيطرة أمس على بعض أحياء القضاء. وأضاف أن «قضاء تلعفر يشهد حاليا سيطرة المسلحين على أبنية حكومية (...) ما عدا الأحياء الشمالية التي لا تزال تشهد اشتباكات». يذكر أن قضاء تلعفر وهو أكبر أقضية العراق من حيث المساحة الجغرافية في منطقة استراتيجية قريبة من الحدود مع سوريا وتركيا، ويبلغ عدد سكانه نحو 425 ألف نسمة. وحذر مسؤولون محليون من مذابح في حال سقوط القضاء تماما بيد «داعش».

من جهتهما، أكد شاهدا عيان من مدينتي الموصل وتكريت في تصريحين منفصلين لـ«الشرق الأوسط» بعض جوانب الحياة في هاتين المدينتين. وقال الشيخ وهاب السالم من تكريت بأن «تنظيم داعش في تكريت يبدو مختلفا من حيث الشكل مع ما هو موجود في الموصل إذ أن الحياة في تكريت تبدو أكثر مدنية مما هي في الموصل طبقا لما عرفناه واستطلعناه»، مضيفا «أود أن أركز على تكريت لكي نعرف الفارق عن الموصل مع أن اللافتة واحدة، إذ أن الحياة تبدو طبيعية جدا حيث لا توجد مظاهر غير طبيعية ويمكن أن تثير المخاوف والقلق مثلما كان متوقعا لحظة دخولهم». ويشير السالم إلى أن «المفارقة اللافتة أن الجميع بمن في ذلك الشرطة كانت تعلم منذ الليل أن الدواعش سيصبحون في تكريت وهو ما حصل بالفعل لكنهم دخلوا بغطاء بعثي تمثل في الصور منها صور عزة الدوري والشعارات الحزبية التي اختفت الآن بعد صدور تعليمات حزبية بعدم إسباغ طابع بعثي على العملية لأن ذلك بدأ يثير مخاوف وشكوك (داعش) التي تعد هي صاحبة اليد الطولى في المعارك». ويتابع الشيخ السالم قائلا إن «الأمر الوحيد اللافت هو أن الجهة التي سيطرت ومنها محافظ المدينة الذي ينتمي إلى حزب البعث وعهد صدام فرضت على موظفي الحكومة كتابة براءة من الحكومة وبالفعل هناك من ذهب إلى الجوامع وكتب هذه البراءة وهناك من لم يذهب علما بأنهم دعوا الموظفين إلى الالتحاق بدوائرهم».

من جهته، يقول الأكاديمي مروان الطائي من مدينة الموصل لـ«الشرق الأوسط» إن «الأوضاع بدأت طبيعية أول الأمر إلى الحد الذي بدأ الناس يتعاطون معهم بعد أن رفعوا الحواجز الكونكريتية واستمرت الكهرباء من دون انقطاع وبالتالي حصل شعور أن عهدا جديدا بدأ». ويضيف الطائي «لكن في الأيام التالية بدأت المظاهر المدنية تختفي علما بأن العائلات بدأت تعود وبدأوا بفرض نوع من العقوبات الخاصة بالشريعة علما أن المجتمع الموصلي محافظ أصلا لكن هناك مؤشرات على تقييد الحريات وتوجه لهدم القبور والأضرحة والمقامات ومنها أثرية»، متسائلا «من أين يمكن تأمين الطاقة الكهربائية التي هي بيد الحكومة المركزية وبإمكانها قطعها ومن أين يمكن تأمين الرواتب للموظفين والمتقاعدين وهي بيد الحكومة المركزية؟». وعد أن «هذه المسائل لا تصمد طويلا أمام حقائق أخرى خصوصا أن مؤشرات الصراع بدأت بين أكثر من جهة وفصيل داخل الموصل».

وفيما يجري القتال في مناطق شاسعة غرب وشمال العراق فإن أعين الجميع تتجه نحو العاصمة بغداد. ففيما نفت سلطة الطيران المدني توقف الرحلات الجوية في مطار بغداد فإنها نفت أن يكون المطار قد تعرض لهجوم طبقا لما نقلته بعض وسائل الإعلام. وقال رئيس سلطة الطيران المدني ناصر الشبلي في مؤتمر صحافي إن «هناك أعدادا متزايدة من المسافرين وهذا يعد أمرا طبيعيا جدا بسبب بدء العطلة الصيفية لمغادرة الكثير من العراقيين لغرض الاصطياف هذا من جانب ومن جانب آخر نحن لدينا صالة واحدة في المطار وبالتالي يكون الزخم في هذه الصالة كبيرا جدا».

من ناحية ثانية، أفاد بعض سكان العاصمة الذين اتصلت بهم «الشرق الأوسط» من لندن بانتشار كثيف للمسلحين خاصة في الأحياء المختلطة، مشيرين إلى أن المسلحين هم من المتطوعين الجدد إضافة إلى «جيش المهدي» و«عصائب أهل الحق» ومجموعات أخرى مما يشيع أجواء من الخوف وأدى إلى غلق غالبية المحال التجارية.