اللبنانيون يتأقلمون مع «ثقافة الموت» مجددا.. والتفجيرات الانتحارية جزء من يومياتهم

بث برامج ترفيهية بعد ساعات على وقوع انفجارات.. وأخبار كرة القدم تطغى على التطورات الأمنية

اللبنانيون يعيشون أجواء العنف مجددا لكنهم سرعان ما يتأقلمون مع الواقع (أ.ب)
TT

اعتاد اللبنانيون الأمن المهتز والتفجيرات التي تضرب مناطقهم، إلى حد باتوا يعدون أنفسهم جزءا من مسلسل الرعب الدموي الذي يعصف ببلادهم بشكل متقطع منذ عام 1975 - تاريخ اندلاع الحرب الأهلية.

وتتزامن الموجة الجديدة من الأحداث الأمنية التي طرقت باب لبنان الأسبوع الماضي، مع انشغال اللبنانيين بمتابعة بطولة كأسa العالم لكرة القدم، علما بأن تفجيرا استهدف تجمعا لشبان كانوا يتابعون إحدى المباريات في منطقة الطيونة ببيروت قبل نحو أسبوع.

وبدا مستغربا كيفية تعاطي الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، كما عدد من وسائل الإعلام اللبنانية، مع التفجيرات الثلاثة الأخيرة، التي ضرب أولها منطقة ضهر البيدر (شرق البلاد)، مما تسبب في مقتل عنصر أمني وجرح عدد آخر من المواطنين. فطغى السجال بشأن كرة القدم على تغريدات الناشطين اللبنانيين على موقع «تويتر»، الذين لا يلبثون يتناقلون خبر الانفجار وبعض المعلومات حوله ليعودوا لاهتمامهم بالموضوع الرياضي العالمي، كأن التفجيرات الإرهابية التي تخرق مناطقهم باتت جزءا لا يتجزأ من يومياتهم.

ويرجع الدكتور في علم الاجتماع عماد شمعون «تأقلم» اللبنانيين مع الأوضاع الحالية إلى «اقتناعهم بأن الدولة غير قادرة على حمايتهم، وباعتبار أن غريزة البقاء والحياة أقوى، باتوا يسعون للتعاطي مع الموضوع كأنه جزء من حياتهم، وهم من عايشوا الحروب منذ عام 1975 وما تخلل السنوات الـ39 الماضية من اغتيالات واشتباكات وصراعات، أثبتت لهم أنهم يعيشون في بلد مهزوز أمنيا، إلى حد لم يعد أي شيء يهزهم».

ويرى شمعون، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن السبيل الوحيد لإخراج اللبنانيين من الدوامة التي يعيشون فيها هو التوجه لاعتماد «نظام علماني يضع حدا للطائفية التي تفتك بالنفوس، بعد أن تبين أن خلفيات كل الأزمات الماضية والحالية مذهبية وطائفية».

وقد سرى تأقلم اللبنانيين مع «ثقافة الموت» على عدد من وسائل الإعلام اللبنانية، باعتبار أن هذه الأخيرة تسعى دوما لتلبية احتياجات المشاهد. وبدا نافرا إقدام إحدى شاشات التلفزة المحلية مساء الأربعاء الماضي، وبعد نحو ساعتين على تفجير انتحاري نفسه داخل أحد فنادق بيروت في منطقة الروشة، على بث برنامج ترفيهي غنائي بالتزامن مع إصرار القنوات الأخرى على فتح هوائها للبث المباشر من موقع الانفجار حتى ساعات ما بعد منتصف الليل.

ويشير شمعون في هذا الإطار، إلى أنه لا يمكن دوما إلقاء اللوم على وسائل الإعلام باعتبار أنها تلام متى أصرت على متابعة الأحداث عبر البث المباشر وتتهم بتضخيم الأمور وضرب موسم الاصطياف من خلال نقل صورة سيئة عن لبنان، كما تنتقد كذلك في حال حاولت التخفيف من تسليط الضوء على حدث معين.

من جهته، يعد طوني مخايل، الخبير القانوني في مؤسسة «مهارات»، وهي جمعية لبنانية تعنى بتعزيز حرية الرأي والتعبير، أنه كان بإمكان الشاشة اللبنانية التي بثت برنامجا ترفيهيا – غنائيا بالتزامن مع استمرار الشاشات الأخرى في متابعة الحدث من موقعه، أن تستبدله به برنامجا حواريا سياسيا أو ثقافيا أو فيلما لبنانيا؛ أي بمادة أقل نفورا، خاصة أن التفجير أدى إلى وقوع جرحى في صفوف الأمنيين.

ويوضح مخايل، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن وسائل الإعلام بشكل عام، وخاصة التلفزيونات، تنظر أولا لمصلحتها التجارية من خلال الإعلانات، وهناك سياسة برامج يضعها كل تلفزيون، يتقرر على أساسها متابعة النقل المباشر من موقع محدد أو وقفه لبث برنامج موضوع مسبقا على الجدول. ويضيف: «تعددت وسائل الإعلام ما بين مرئية ومسموعة ومكتوبة ومن ثم لم يعد نقل الصورة والخبر حكرا على التلفزيونات، وبالتحديد مع تصاعد قدرة الإعلام إلكتروني، من هنا لا يمكن الحديث عن وجوب استمرار أي تلفزيون في عملية النقل المباشر، خاصة أن هناك ستة تلفزيونات أخرى تنقل في معظم الأوقات الصورة نفسها».

ويشير مخايل إلى أنه «وخلال بعض الأحداث الكبيرة التي تهز البلاد، تلجأ وسائل الإعلام لبث موسيقى كلاسيكية في حال كنا في حالة حداد وطني، لكن الأحداث الأخيرة لم تكن تستلزم إجراء مماثلا نظرا لحجمها، ومن ثم تضخيم الأمور غير مطلوب من خلال استمرار البث المباشر بعد انتفاء الحاجة ولا من خلال استبدال برنامج غنائي به».

وتداخلت الأسبوع الماضي أصوات التفجيرات مع أصوات المفرقعات النارية خلال احتفالات بانطلاق الموسم الصيفي، كما مع أصوات الرصاص الذي ينطلق مباشرة ابتهاجا بفوز فريق معين بإحدى مباريات كرة القدم، وهو ما فسره شمعون ومخايل على أنه «تجسيد لفكرة المجتمع اللبناني المتنوع والموزاييكي».