لم يلق إعلان «الدولة الإسلامية» آذانا صاغية لدى جميع الفصائل السورية غير المنتمية إلى تنظيم «الدولة في العراق والشام» المعروف بـ«داعش»، إذ اعتمدت جميع الفصائل الإسلامية، المتشددة منها والمعتدلة، وصف «الخوارج» في الحديث عنهم، مما يشير إلى أن الخلاف مع «الدولة الإسلامية» وزعيمها أبو بكر البغدادي، بات خلافا عقائديا إلى جانب الخلاف السياسي على النفوذ. بموازاة ذلك، قال متحدث من المجلس العسكري التابع للجيش السوري الحر لـ«الشرق الأوسط» إن إعلان الدولة «قدم خدمة كبيرة للنظام لإظهار الثورة متشددة وإرهابية».
ورفضت مجموعات مقاتلة في المعارضة السورية، بينها «الجبهة الإسلامية» و«مجلس شورى المجاهدين» و«جيش المجاهدين» و«الاتحاد الإسلامي»، إعلان قيام «الدولة الإسلامية» بين سوريا والعراق، عادة إياه «باطلا شرعا وعقلا». وعد الموقعون على البيان، التنظيم أعلن «الدولة» «بهدف التستر على مخازيهم المتواترة، وليدغدغوا بها العواطف، ويذعروا بها سائر الطغاة على شعوب مسلمة مستضعفة لم يتسن لها أن تلتقط أنفاسها بعد أن خرج غلاة تنظيم الدولة بإعلانهم هذا».
وترافق إصدار البيان مع إعلان قيام «الدولة الإسلامية» بين سوريا والعراق، مع سلسلة تدابير عملية، قال ناشطون إن مقاتلي التنظيمات الإسلامية اتخذوها لمحاصرة تنظيم «الدولة». وقال ناشط عرف عن نفسه باسم «أبو أحمد الدوماني» في الغوطة الشرقية بريف دمشق، إن المقاتلين التابعين لـ«الدولة الإسلامية» «لم يجرؤوا على الاحتفال بإعلان الدولة، إذ عمد مقاتلو الفصائل الإسلامية في الداخل إلى محاصرتهم فورا»، مشيرا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن المقاتلين المعارضين «كثفوا من هجماتهم على مقرات الدولة، استجابة لمطالب داخلية بمنع تمددهم إلى داخل الغوطة».
ومن المعروف أن عدة فصائل توجد في الغوطة الشرقية، أهمها «الجبهة الإسلامية» و«الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و«جبهة النصرة». وكان المقاتلون في الداخل بدأوا حربا مع مقاتلي تنظيم «الدولة» أواخر الأسبوع الماضي، بعد قرار اتخذته المحكمة الشرعية بمواجهة ممارسات التنظيم.
وقال الدوماني إن «الجبهة الإسلامية»، التي تتخذ من الغوطة الشرقية معقلا لها: «تجمعها خلافات عسكرية مع تنظيم الدولة منذ مطلع العام الحالي، وعملت على منع تمدد التنظيم داخل الغوطة الشرقية من خلال إجراءات عسكرية وميدانية»، مشيرا إلى أن العمليات الأمنية التي شهدتها الغوطة الشرقية الأسبوع الماضي «عززت الخلافات بينهما وحولتها إلى معارك محدودة في مناطق بالغوطة». ولفت إلى أن إعلان «الخلافة» رفع «وتيرة الاشتباكات، كونه أضاف سببا عقائديا إلى الخلافات بين الدولة والفصائل الموجودة».
وتزامنت المعارك في الغوطة الشرقية، مع هجوم شنه المسؤول الشرعي لـ«جبهة النصرة»، المعروف بـ«أبو مارية القحطاني»، على إعلان «تأسيس الخلافة الإسلامية»، قائلا في تغريدات له على صفحته في موقع «تويتر»، إن «إعلان الخلافة الوهمية الآن سببه السكوت عن الدولة الوهمية، وصمت كثير من طلبة العلم والقادة، مما جعل (الدواعش) ينتقلون من هوس الدول إلى هوس الخلافة».
وجاءت هذه التصريحات بعد إعلان القيادي في «جبهة النصرة» الشيخ أبو سليمان المهاجر أن «جماعة الدولة اليوم لا تمثل فكريا أو عمليا تنظيم قاعدة الجهاد». وإذ أشار إلى أن إعلان الدولة هو النتيجة النهائية للخلافات بين التنظيمين، قال في حديث لـ«مؤسسة البصيرة»، وهي أحد المواقع الجهادية على شبكة الإنترنت، إن «إعلان الدولة رد فعل لتهديد معين تشعر أنت بأنه موجود، هذا فعل باطل بالكامل؛ فإعلان الدولة يحتاج إلى شروط حقيقية لتحقيقها ومقومات الدولة الحقيقية».
وتنقسم أسباب رفض إقامة الدولة بين سياسية، مرتبطة بالخلافات بين التنظيم وسائر التنظيمات السورية التي تتقاتل منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي في شمال سوريا وشرقها، إضافة إلى سبب عقائدي، إذ أكد الموقعون على البيان، أن شروط الخلافة «لم تتحقق في وقتنا الحاضر، وخصوصا في تنظيم الدولة»، إضافة إلى أسباب سياسية، بينها إن «هذا الإعلان يخدم المشاريع التقسيمية لبلاد المسلمين على أسس لا تتحقق بها المصالح العليا للأمة»، و«ستستغل الجهات الإقليمية والدولية إعلان الخوارج للتدخل المباشر على أراضي المسلمين لخلق معادلات جديدة تصب في مصالحهم وتسعى إلى إجهاض الثورتين المباركتين في الشام والعراق»، عادين الإعلان «لن يعدو سفك مزيد من دماء المسلمين على أرض الإسلام».
وينظر المجلس العسكري للجيش السوري الحر إلى الإعلان، على أنه «خدمة للنظام السوري، كونه أعطاه تشريعا لضرب المقاتلين خارج وداخل الحدود بذريعة محاربة الإرهاب». وأوضح عضو المجلس العسكري أبو أحمد العاصمي لـ«الشرق الأوسط» أن النظام «تخدمه الذرائع التي تمنحه إياها الفصائل المقاتلة، مثل عسكرة الثورة ثم إظهارها على أنها (ثوة مسلمة)»، مشيرا إلى أن إعلان الدولة «يعزز شكوك العالم في أن الثوار في سوريا متطرفون»، واصفا الإعلان بأنه «تسرع أرعن يريد القضاء على الثورة».
وقال العاصمي إن الرأي العام السوري «يعارض الدولة، ويعارض إعلانها الخلافة»، مشيرا إلى أن السوريين في هذا الوقت «يريدون فقط أن يأكلوا الخبز ويجدوا ما يقتاتونه»، في حين «يعد النظام هو المستفيد الوحيد كون الإعلان يعطيه الغطاء الشرعي لتنفيذ ضربات جوية خارج الحدود في عرسال (شرق لبنان) ومعبر القائم الحدودي (غرب العراق) بذريعة مكافحة الإرهاب، كما أنه يعزز الشرخ بين الفصائل المتشددة السورية التي تقاتل النظام».