خرج الآلاف من المشجعين الجزائريين إلى الشوارع للتعبير عن تقديرهم وامتنانهم لمنتخب بلادهم الذي ودع نهائيات كأس العالم المقامة بالبرازيل مرفوع الرأس رغم خسارته من نظيره الألماني 1 - 2 بعد الوقت الإضافي، في دور الستة عشر من البطولة.
وردد المشجعون من الجنسين الذين نزلوا إلى الساحات والأماكن العامة حاملين العلم الجزائري مباشرة بعد نهاية المباراة أغاني تمجد المنتخب ولاعبيه وتكرر المشهد في كل المدن الجزائرية.
وأسهبت الصحف الجزائرية الصادرة أمس في الشكر والمديح للمنتخب ووصفت خسارته أمام ألمانيا بـ«البطولية».
وتصدرت المواجهة المتجددة بين الجزائر وألمانيا الصفحات الأولى لغالبية الصحف رغم مرارة الإقصاء من المونديال وجاء العنوان الرئيس لصحيفة «كومبتيسيون» المتخصصة في صفحتها الأولى «وان تو ثري شكرا يا جزائر»، فيما وصفت يومية «ماركانا» مشوار الفريق بـ«أجمل حلم». وكتبت «الوطن» بالخط العريض «خسارة بطولية» مشيرة إلى أن «الخضر» ودعوا المونديال مرفوعي الرأس. وكتبت «الشروق» مخاطبة اللاعبين: «لعبتم رجالا وخرجتم أبطالا» حيث أكدت الصحيفة أن اللاعبين أسالوا العرق البارد للألمان.
وكتبت «البلاد» تقول: «شرفتمونا يا أبطال». واختارت صحيفة «ليبرتيه» عنوان «شكرا يا خضر» وهو نفس العنوان الذي اشتركت فيه مع «النهار» التي أوضحت أيضا أن المدير الفني وحيد خليلودزيتش ودع الجماهير التي طالبته بالبقاء وكذلك مع «لوسوار دالجيري» التي شكرت اللاعبين على كل ما قدموه.
بينما كتبت «المجاهد» المملوكة للحكومة «الخضر أبطال»، ووصفت «الهداف» البوسني خليلودزيتش بـ«الظاهرة» مؤكدة أنه قرأ على اللاعبين كلمة الوداع وفارقهم بالدموع. كما أكدت أن الفرنسي كريستيان جوركوف سيتسلم مهامه خلفا له.
من جانبها كتبت «الخبر»: «المحاربون يودعون البرازيل بشرف» واتفقت معها «الفجر» التي كتبت «الخضر يخرجون بشرف».
ووسط هذه الأجواء ذكرت مصادر إعلامية أن رئاسة الجمهورية والأمانة العامة للحكومة الجزائرية بصدد عمل حفل استقبال رسمي لبعثة المنتخب عند عودتها للبلاد غدا على متن طائرة خاصة.
وأوضحت المصادر أنها لا تعرف إن كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيشرف على حفل الاستقبال بنفسه أم أنه سيكلف رئيس الوزراء عبد المالك سلال بتكريم اللاعبين وأعضاء الجهازين الفني والإداري.
ويتوقع أن يجوب اللاعبون أهم شوارع العاصمة الجزائر على متن حافلة مكشوفة لتحية الجماهير.
ولم ينل منتخب الجزائر الكثير من المعجبين الجدد فقط بعد العرض القتالي الذي قدمه ضد ألمانيا بل أصبح الفريق أيضا من ضمن المرشحين لإحراز لقب كأس الأمم الأفريقية العام المقبل.
وسببت الجزائر - التي كانت آخر فريق أفريقي في البطولة بعد خروج نيجيريا في وقت سابق من دور الستة عشر - قلقا بالغا لألمانيا وفرضت عليها وقتا إضافيا في بورتو أليغري قبل أن تخسر في النهاية 2 - 1.
وأظهر منتخب البلد الواقع في شمال أفريقيا لياقة رائعة ولعب بروح قتالية وتنظيم والتزام.
وربما يكون العرض الجزائري نقطة الضوء في المشاركة الأفريقية لأنه كان خير ممثل للقارة السمراء قاتل حتى الثواني الأخيرة من مشاركته في المونديال البرازيلي.
وعلى مدار 90 دقيقة، صمد المنتخب الجزائري أمام نظيره الألماني بل كان الطرف الأخطر في كثير من الأحيان، ليلجأ الفريقان إلى الوقت الإضافي لمدة نصف ساعة. وفي الوقت الإضافي ظل منتخب الخضر ندا عنيدا للمنتخب الألماني أحد المرشحين بقوة للفوز بلقب البطولة وخسر أمامه بصعوبة بالغة 1/2.
وبعد المباراة، كان إجماع لاعبي الخضر على ضرورة الحفاظ على هذه المجموعة من اللاعبين سويا والعمل للمستقبل.
وقال سفيان فيغولي لاعب الفريق إن هذه المجموعة قادرة على العطاء لسنوات طويلة وإنه من الضروري الحفاظ على الهيكل الأساسي للفريق وتطويره في السنوات المقبلة.
وأضاف زميله ياسين براهيمي أن هذه المجموعة جرى تجميعها لتشكيل هذا الفريق على مدار عامين فقط ونجحت في بلوغ الدور الثاني بالمونديال للمرة الأولى في التاريخ ولذلك أصبح الحفاظ عليها مطلبا مهما خاصة أن اللاعبين في هذه المجموعة مثل العائلة المتكاملة التي تبحث فقط عن الاستقرار.
وألقى اللاعبون بهذا الكرة في ملعب الاتحاد الجزائري والمسؤولين عن الرياضة الجزائرية لإعداد هذا الفريق حتى يكون الممثل الأفريقي الذي يمكنه المنافسة بشكل أكبر في المستقبل.
وعن المباراة التي أقيمت في بورتو أليغري في الدور ثمن النهائي، فقد شاءت الصدف أن تثأر ألمانيا وتضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهي ردت اعتبارها من الخسارة أمام الجزائر التي تغلبت عليها في المباراة الرسمية الوحيدة السابقة بينهما في مونديال 1982 وبالنتيجة ذاتها 2 - 1.
وطالما تغنت الجزائر بتفوقها على الماكينات الألمانية من خلال الفوز عليها مرتين (2 - صفر وديا عام 1964 و2 - 1 في كأس العالم)، ولم يتوقف ذلك على المنتخبات، بل إن الجزائريين يتغنون إلى اليوم بهدف نجمهم رابح ماجر في مرمى بايرن ميونيخ في المباراة النهائية لمسابقة دوري أبطال أوروبا عام 1987 عندما كان يلعب في صفوف بورتو البرتغالي، حيث هز شباك حارس المرمى الدولي البلجيكي العملاق جان ماري بفاف بهدف رائع بالكعب (2 - 1 أيضا). وحملت جميع الأهداف التي سجلت بالكعب بعد ذلك اسم ماجر.
وردت ألمانيا الاعتبار لنفسها للخسارتين والهدف الذي سجله ماجر في مرمى الفريق البافاري، لأن أندريه شورله منح التقدم للماكينات بالطريقة ذاتها إثر تلقيه كرة من توماس مولر قبل أن يعزز مسعود أوزيل بالهدف الثاني موجها ضربة قاضية للجزائر التي لم ينفعها تقليص الفارق عبر البديل عبد المؤمن جابو.
وحجزت ألمانيا بطلة أعوام 1954 و1974 و1990، بطاقتها هذه المرة عن جدارة ماحية «مباراة العار» أمام جارتها النمسا عندما اتفقتا على فوز الأولى (1 - صفر) لتتأهلا معا إلى الدور الثاني حارمين الجزائر من تأهل تاريخي مستحق في أول مشاركة لها في العرس العالمي.
وصرح مدرب الجزائر البوسني وحيد خليلودزيتش عشية المباراة، وهو ما تحقق بالفعل: «إذا فازت ألمانيا يجب أن نهنئها، ولكن يجب أن نخرج مرفوعي الرأس».
انتظرت الجزائر 32 عاما لتحقق ما فشلت فيه عام 1982 لكنها خرجت مرفوعة الرأس بعدما أحرجت ألمانيا وأرغمتها على التمديد وحسم النتيجة بشق النفس.
كانت الجزائر صاحبة الفرص الأخطر في المباراة وتحديدا في الشوط الأول عندما اضطر حارس مرمى بايرن ميونيخ العملاق مانويل نوير إلى إخراج كل ما في جعبته أمام إسلام سليماني في الدقيقتين 9 و28، قبل أن يجدد تألقه في مناسبتين أيضا في الشوط الثاني أمام اللاعب نفسه (71، 89).
لم يكن تأهل الجزائر إلى الدور الثاني في المونديال الحالي متوقعا، على الرغم من غياب المنتخبات الكبرى عن مجموعتها، لكنها وجهت إنذارا شديد اللهجة منذ بداية مشوارها، فتقدمت على بلجيكا حتى الدقيقة 70 قبل أن تسقط 1 - 2، ثم أصبحت أول منتخب عربي وأفريقي يسجل 4 أهداف بفوزها الكبير على كوريا الجنوبية (4 - 2)، قبل أن تقصي المدرب الإيطالي فابيو كابيللو مرة جديدة من المونديال بتعادلها مع روسيا 1 - 1 فاحتلت وصافة المجموعة الثامنة بأربع نقاط وراء بلجيكا.
وأكد قائد المنتخب الجزائري مجيد بوقرة أنه وزملاءه شرفوا الكرتين الجزائرية والعربية على الرغم من الخروج من الدور ثمن النهائي.
وقال بوقرة: «أثبتنا أن الجزائر منتخب كبير ويجب احترامه، أعتقد أننا شرفنا الكرتين الجزائرية والعربية، ونحن فخورون بذلك».
وأضاف: «دافعنا عن حظوظنا حتى اللحظة الأخيرة، أجبرنا الألمان على الوقتين الإضافيين، تخلفنا بهدف واحد وضغطنا من أجل التعادل فاستقبلت شباكنا هدفا ثانيا من هجمة مرتدة لكننا لم نستسلم وقلصنا الفارق. قاتلنا من أجل الفوز والتأهل، لم نخف من ألمانيا وكان بإمكاننا الفوز».