«تجري الرياح بما لا تشتهي السفن».. هذا باختصار معنى ما أكده العم ماجد الكثيري الذي يعمل في زراعة وجني التمور، حيث بيَّن أن موسم جني التمور لهذا العام لم يكن متوافقا مع حلول شهر رمضان المبارك، الموسم الأول لجني الأرباح بالنسبة لتجار التمور في السعودية، إذ سبق دخول الشهر الفضيل موسم طبخ التمر (كما يسمونه)، ويعني وصول ثمرة التمر إلى قمة نضوجها وصلاحيتها للأكل.
وهو الأمر الذي انعكس على ارتفاع في أسعار التمور يتراوح بين عشرة وعشرين في المائة على أكثر تقدير، ويختلف باختلاف النوع، إلا أن الكثيري أكد أن معظم ما يوجد في السوق هو ما جرى قطفه الموسم الماضي، ويسمى «المكنوز»، وأن إصدار معظم نخيل السعودية هذا العام لم يقطف بعد.
وفي صلب الموضوع، كشف حمود الحمود، تاجر تمور، عن أن مشاريع إفطار الصائم المحلية الكبرى تسببت في زيادة أسعار التمور، خصوصا أن بعض المشاريع سحبت أطنانا منها، ومن ثم قامت بتوزيعها على كثير من المشاريع المتفرعة، مما أربك سوق التمور، خصوصا أنهم يشترونها قبل مدة قليلة من دخول الشهر الكريم، موضحا أن الإقبال عليهم جيد إلى حد ما، لكن معظم العملاء يشترون بكميات محدودة.
وحول الأنواع المحلية المعروضة في السوق السعودية هذه الأيام، قال الحمود: «إن تمر الروثان يعد الأكثر مبيعا بنحو 75 ريالا للصندوق الواحد، وهو المقبل من المدينة والأكثر انتشارا والأول نضوجا، يليه (الشيش) الذي يلامس الـ40 ريالا، ثم (اللونه) الذي يلامس الـ35 ريالا، ويأتي (الربيعة) في المرحلة الأخيرة، وهو الأرخص ثمنا، إذ يتراوح سعره بين 25 و30 ريالا، وجميعها من إنتاج المدينة المنورة، ويبلغ حجم صندوقها كيلوغرامين»، مضيفا أن هناك نوعا واحدا فقط من الأحساء وهو «الغر» الذي يتراوح سعره بين 20 و23 ريالا للصندوق الواحد، إلا أن الخيارات محدودة نظرا لمحدودية المعروض.
يذكر أن موسم التمور في السعودية يوفر آلاف الوظائف الوقتية لكثير من الراغبين في العمل بقطاع التمور، كما أن كثيرا من المصانع الكبرى تعرض فرص عمل مؤقتة للراغبين، ما يعني أنها فرصة لا تعوض للراغبين في تحصيل الأرباح بالنسبة للسكان المحليين.
من جهته، أكد زيد التميمي (يمتلك مزرعة لإنتاج التمور) أن الأسعار زادت بشكل فعلي على جميع أصناف التمور دون استثناء، ويختلف معدل الارتفاع من نوع إلى آخر، مشيرا إلى أن ارتفاع التكاليف على التجار أو المصدرين دفعهم إلى زيادة الأسعار لتقليص التكاليف الزائدة التي اضطروا على أثرها إلى تغيير التسعيرة تماشيا مع الظروف الجديدة.
وتعد التمور من أكثر الثمرات التي تحرص الحكومة السعودية على الاهتمام بها وتطويرها وتنظيم المهرجانات الخاصة بها، باعتبارها إرثا غذائيا وموروثا ذا قيمة تاريخية، وتشتهر عدة مدن سعودية بإنتاج التمور، أهمها: القصيم والمدينة المنورة والأحساء وحوطة بني تميم، وتتخصص كل مدينة في إنتاج نوع من التمور يختلف عن إنتاج المدينة الأخرى، ما يجعل تنويع المعروض سمة رئيسة يتميز بها قطاع التمر السعودي.
وزاد التميمي أن إنتاج المزارع لهذا العام لم ينضج بعد، وأن دخول الشهر الفضيل قبل ذلك له تأثير سلبي كبير على مستوى الأرباح، خصوصا أنهم يعتمدون على مبيعات شهر رمضان عادة في جني 80 في المائة من إجمالي الأرباح، وأن هذا الأمر دفعهم أيضا إلى رفع الأسعار، مبينا أن زيادة الإقبال عليهم من قبل صغار التجار الذين يزايدون على شراء المحصول، أثر في وضع سعر البيع، موضحا أن المنتجين يرون أن لسوق التمور مستقبلا جديدا في ظل التسهيلات الحكومية والإقبال المتزايد عليه، خصوصا من قبل التجار الذين بدأوا يتهافتون عليهم ويزايدونهم في بيع محاصيلهم قبل الحصاد بأشهر.
وبحسب مختصين في التمور، فإن لكل نوع مكانا، إذ لا تثمر كل التمور في منطقة واحدة، بل تتميز كل منطقة عن غيرها؛ فتمر «الصقعي» يشتهر في الأحساء وجنوب الرياض الممتد من محافظة الخرج إلى حوطة بني تميم إلى وداي الدواسر والأفلاج، كما هو الحال بالنسبة لـ«الخضري» الذي يعرف موطنه في وادي الدواسر (وسط السعودية)، والحال نفسه للخرج والأفلاج، ويعد من التمور الرائجة جدا في البلاد.
أما تمرة المقفزي فتنتشر بشكل أكثر في المحافظات القريبة من الرياض، أما نبتة «سيف» فتوجد في الخرج وحوطة بني تميم بشكل أكبر، وتتملك المدينة المنورة «الروثان»، بينما ينتشر «السلج» في الرياض والخرج وحوطة بني تميم، ويشتهر كبار السن في السعودية بقدرة تفوق الشبان على تمييز كل نوع من أنواع التمور رغم وصول عدد أصنافها إلى نحو 400 صنف.