بات أهالي بلدة الطفيل اللبنانية نازحين مشردين في وطنهم على غرار اللاجئين السوريين، بعدما هجروا من أرضهم إثر دخول حزب الله والجيش السوري إلى البلدة الأسبوع الماضي والسيطرة عليها. وناشد الأهالي أمس الدولة اللبنانية العمل على وقف التعديات والسرقات التي تطال بيوتهم ومساعدتهم للعودة إلى قريتهم بأسرع وقت.
وفيما تشير آخر المعلومات إلى أنه لم يعد في الطفيل الواقعة على الحدود السورية في البقاع أكثر من 15 شخصا، أكدت مصادر وزارة الداخلية اللبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن الجهود التي يقوم بها الوزير نهاد المشنوق تنصب الآن على تأمين المساعدات لهذه العائلات التي تتوزع على مناطق لبنانية عدة، ويجري التنسيق في هذا الإطار مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وأشارت المصادر إلى أنه لغاية الآن لا يوجد أي تواصل بشأن هذه القضية بين المشنوق وحزب الله الذي سيطر على المنطقة. في المقابل، يبدي مفتي البقاع الشيخ بكر الرفاعي تخوفه من أن يكون إهمال هذه البلدة اللبنانية من قبل المسؤولين نتيجة لصفقة سياسية قد تؤدي إلى شطب البلدة عن الخريطة وتخلي الدولة عنها. ورأى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المعطيات وطريقة التعامل مع هذا الملف بعد سيطرة الجيش السوري وحزب الله عليها يطرح علامات استفهام عدة. وكشف أنه ومختار البلدة وإمام المسجد فيها تواصلوا في الفترة الأخيرة مع عدد من المسؤولين من بينهم رئيس الحكومة تمام سلام الذين التقوا به الأسبوع الماضي، لكنهم لم يلقوا ردود فعل إيجابية لغاية الآن. وذكر الرفاعي بالمبادرة الأخيرة التي حصلت قبل شهرين وأدت إلى إيصال المساعدات إلى البلدة، مشددا على أن «أهالي الطفيل يرفضون اتهامها بأنها مأوى للإرهابيين وبالتالي الحجج التي أدت إلى السيطرة عليها من قبل حزب الله والجيش السوري». وأضاف الرفاعي «كنا قد طالبنا الدولة اللبنانية بالتأكيد علنا أن هذه البلدة لبنانية والتواصل مع كل الجهات المعنية في النزاع السوري لتأمين حيادية المنطقة، لكننا لم نلق آذانا صاغية»، وسأل «كيف يمكن أن يدخل جيش تابع لبلد آخر إلى بلدة لبنانية ولا تقوم الدولة بأي خطوة أو ردة فعل؟».
وعد الرفاعي أن ما يحكى عن مساعدات لتقديمها إلى نازحي الطفيل اللبنانيين هو أمر تفصيلي وليس المطلب الأساسي بالنسبة إلى الأهالي الذين يهمهم العودة إلى أرضهم. وطالب الدولة اللبنانية بتعبيد الطريق التي تصلها بلبنان من جهة البقاع لتسهيل هذه العودة خلال أسبوع قبل أن يفقدوا موسم الكرز الذي يعتاشون من مردوده طوال العام، قبل فوات الأوان.
وكان المشنوق قد قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «فتح طريق الطفيل الذي يبلغ طوله 23 كيلومترا ليس بالأمر السهل، لا سيما أن ألغاما وضعت عليه»، مشيرا إلى أنه يحتاج إلى إعادة الترسيم، والانتهاء من تعبيده يتطلب أكثر من ستة أشهر.
وقد لجأ أهالي الطفيل منذ بدء القصف عليها قبل أسبوعين، إلى مناطق عدة في البقاع، ولا سيما في عرسال وقرية الأنصار إضافة إلى الذين لجأوا إلى أقرباء لهم في بيروت وجبل لبنان، فيما هرب عدد آخر إلى بلدة عسال الورد في القلمون. أما النازحون السوريون إلى الطفيل والذين بلغ عددهم نحو 30 ألفا في الفترة الأخيرة، تدفقت معظمها إلى منطقة عرسال في البقاع.
وقد دخلت أجهزة الدولة اللبنانية للمرة الأولى، منذ الاستقلال، إلى الطفيل في أبريل (نيسان) الماضي، وبعد شهر من الحصار المزدوج على الجهتين، من سوريا حيث سيطرة الجيش السوري ومن والبقاع، حيث المناطق المحسوبة على حزب الله ولا سيما بريتال التي كانت المنفذ الوحيد للطفيل إلى الأراضي اللبنانية عبر طريق ترابي.
وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق عمل على تأمين تنفيذ عملية الإغاثة وإيصال المساعدات وإخراج الجرحى والمرضى بالتعاون مع الصليب الأحمر والهيئة العليا للإغاثة ودار الفتوى، وذلك بعد التواصل المباشر مع حزب الله.
وتقع الطفيل في أقصى جرود سلسلة لبنان الشرقية، وتحدها من الشرق عسال الورد وحوش عرب في سوريا، وعلى مسافة نحو ثلاثة كيلومترات من الغرب حام، ومن الشمال معربون وبريتال اللبنانية التي تبعد 25 كيلومترا، ومن الجنوب رنكوس السورية على مسافة خمسة كيلومترات.
وتظهر بلدة الطفيل بشكل واضح في خريطة لبنان على شكل «إصبع»، تقع في قضاء بعلبك، في البقاع. وكانت قد وقعت خلافات بشأنها بين لبنان وسوريا قبل أن يعاد ضمها رسميا إلى لبنان عام 1925، لكن ورغم ذلك بقيت البلدة تعاني من إهمال الدولة اللبنانية ويعيش أبناؤها «حياة سورية» أكثر منها «لبنانية» نظرا إلى سهولة الخروج والدخول منها وإليها.