وجهت التهمة رسميا الليلة قبل الماضية إلى الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالفساد واستغلال النفوذ في إجراء لافت، في وقت كان الجميع يترقب عودته إلى العمل السياسي. وقبل ذلك كان قضاة التحقيق وجهوا التهمة مساء أول من أمس إلى محاميه تييري هرزوغ والقاضي جيلبير ازيبير.
وبعد توقيفه احترازيا على ذمة التحقيق لنحو 15 ساعة في مكاتب دائرة مكافحة الفساد في سابقة بالنسبة لرئيس سابق في فرنسا، نقل ساركوزي إلى دائرة القضايا المالية من محكمة باريس للمثول أمام القضاة. ووجه القضاة إليه التهمة بإخفاء انتهاك أسرار مهنية والفساد واستغلال النفوذ بشكل فاعل، حسبما أوضحت النيابة العامة في بيان، من دون أن يخضع لنظام المراقبة القضائية. والفساد واستغلال النفوذ جرمان تصل عقوبتهما إلى السجن عشر سنوات.
وأكد رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند أمس أن سلفه يجب أن يتمتع بحق «اعتباره بريئا حتى تثبت إدانته». وقال الناطق باسم الحكومة ستيفان لوفول في عرضه لاجتماع مجلس الوزراء بأن الرئيس الاشتراكي ذكر أيضا بمبدأ «استقلال القضاء».
وجرت هذه التطورات في وقت تتزايد الشائعات حول عزم ساركوزي على العودة إلى الساحة السياسية، لا سيما من خلال تولي رئاسة حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» المحافظ في الخريف المقبل. وجرى توقيف ثلاثة أشخاص آخرين على ذمة التحقيق الاثنين الماضي في القضية ذاتها هم تييري هرزوغ محامي ساركوزي وقاضيان كبيران هما جيلبير ازيبير مدعي عام محكمة الاستئناف والمدعي العام باتريك ساسوست الذي لم يمثل أمام القضاة.
ويسعى قضاة التحقيق إلى التأكد مما إذا كان الرئيس السابق (2007 - 2012) حاول الحصول على معلومات طي السرية المهنية من جيلبير ازيبير حول قرار قضائي يطاله مقابل وعد بمنحه منصبا بارزا في موناكو. وكانت محكمة التمييز في تلك الفترة ستصدر قرارا حول مصادرة مفكرات لساركوزي في سياق قضية ليليان بيتانكور، الثرية الفرنسية التي يشتبه بوقوعها ضحية استغلال أخذ عليها ضعفها. وإذ جرت تحقيقات مع ساركوزي في هذه القضية قبل وقفها وتبرئته منها، إلا أن قضاة التحقيق قرروا الاحتفاظ بالمفكرات لاستخدامها في تحقيقات أخرى.
وتعود القضية التي وجهت التهمة إلى ساركوزي على أساسها إلى ربيع 2013 عندما خضع للتنصت في إطار تحقيق حول تهم لم يجر التثبت منها حتى الآن، بالحصول على تمويل من نظام معمر القذافي الليبي لحملة ساركوزي الانتخابية التي فاز إثرها بالرئاسة في 2007. وفي هذا الملف الليبي جرى التنصت في بادئ الأمر على عدد من المقربين منها بينهم الوزيران السابقان كلود غيان وبريس اورتوفو وكذلك ميشال غودان الرئيس السابق للشرطة الوطنية ولمدير السابق لشرطة باريس. وغودان الذي أصبح مدير مكتب ساركوزي بعد هزيمته في 2012. أجرى في ربيع 2013 عدة مكالمات هاتفية لفتت انتباه المحققين، إذ بدا أنه يسعى عبثا للحصول على معلومات حول التحقيق في الملف الليبي من مدير الاستخبارات الداخلية باتريك كلفار. وقرر القضاة عندها التنصت على الرئيس السابق بدوره، وخصوصا على الهاتف الذي كان يستخدمه باسم مستعار هو «بول بيسموت» للتحادث مع محاميه هرزوغ.
غير أن المكالمات بين الرجلين توحي بأنهما حاولا الحصول على معلومات سرية من جيلبير ازيبير. وقال بول البير ايوينز محامي تييري هرزوغ بأن «هذه الوقائع لا تستند سوى إلى عمليات تنصت نطعن فيها وسننقض قانونيتها بشدة، سوف نقاوم».
وتتزايد العقبات القضائية على طريق عودة ساركوزي إلى السياسة. وفضلا عن ملفات التمويل الليبي واستغلال النفوذ، يحقق القضاء في عدة ملفات من شأنها عرقلة عودة ساركوزي إلى السياسة إذ يرد اسمه في نحو ستة منها. وكلفت نيابة باريس الأسبوع الماضي قضاة ماليين التحقيق في «عملية تزوير واستخدام وثائق مزورة» و«استغلال الثقة» و«محاولة الاحتيال»، هذه المرة في قضية تمويل حملة ساركوزي في 2012، إذ أن قسما كبير من مهرجاناته الانتخابية كان على ما يبدو ممولا من حزبه الاتحاد من أجل حركة شعبية لتغطية تجاوز لسقف التمويل المرخص به. بدورها، اتهمت ماريزا بروني تيديسكي حماة نيكولا ساركوزي في مقابلة صحافية أمس خصوم زوج ابنتها بشن حملة لمنعه من العودة إلى قيادة اليمين الفرنسي. وقالت والدة كارلا بروني في المقابلة مع صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية بأن «الفضيحة الحقيقية في هذه المسرحية هي الطريقة والتوقيت الذي جرى اختياره لتوجيه هذه الاتهامات إلى نيكولا». وأضافت أن «هذا التحقيق خرج بشكل غريب الآن. إنها اللحظة المثلى التي تعبر عن رغبة في الانتقام لكننا نحن جميعا مستعدون لفعل ما بوسعنا لإثبات التزامه الأخلاقي. نحن أكثر المقربين منه نشعر بالصدمة». وتابعت: «إنها اللحظة المناسبة لقطع الطريق عليه إلى الأبد. كان من الواضح أن عمله السياسي لن يتوقف، ومبادرة القضاء تأتي بالتحديد في اللحظة التي نوجد فيها الشروط لعودته إلى رأس الاتحاد من أجل حركة شعبية».