النظرية وضدها

محمد رُضــا

TT

فحوى نظرية المؤلّف التي أطلقها جان لوك غودار وإريك رومير وجاك ريفيت وفرنسوا تروفو، من بين آخرين ممن كانوا نقادا يحررون مجلة «كاييه دو سينما» عام 1951، هي أن المخرج هو فنان. وإحدى ميزات الفن هي أن تكون مسؤولا عنه فكرا وعملا.. تخلقه. وإذا كنت أنت مبدعه فأنت مؤلّفه كما هو الحال بالنسبة للمؤلف الروائي.

بصرف النظر عن الكيفية التنفيذية للفيلم، وجدت تلك النظرية صدى طيّبا بين عديدين، كونها منحت المخرج السينمائي صفته كمؤلّف مبدع، في الوقت الذي كانت فيه السينما الفرنسية والأميركية والبريطانية وبل العالمية على حد سواء على أكتاف سينمائيين مجتمعين. جان بول سارتر كتب في مؤلّفه «ممرات إلى الحاضر» أنه «حالما نتخلى عن الاهتمامات بالجماليات نرى سريعا القرار الرئيس بأن مؤلّف العمل كان نظرة المخرج العالمية التي تم التعبير عنها من خلال المادية التي اشتغل عليها».

لكن المسائل لم تكن، لا في ذلك الحين ولا بعده، بهذه البساطة.

الشروط التي كان عليها أن تتداخل في منظومة هذه النظرية تتوزع في عدد كبير من الشؤون من أهمها:

أولا: يناقش الفيلم قضية رجل (أو امرأة) في المجتمع يبحث عن ذاته ونفسه وصولا إلى اقتناعات جديدة.

ثانيا: على الحكاية أن تكون ذاتية المصدر والانعكاسات. الفيلم الذي يحيط بعدد كبير من الشخصيات/ الممثلين لا يستطيع أن يكون ذاتيا (وبالتالي مؤلّفا) لأن سينما المؤلف هي سينما الشخص الواحد محوريا.

ثالثا: على التنفيذ، المرحلة التي يبدأ بها التصوير، أن يأتي لاستكمال العنصر الثاني أعلاه، فيحيط بالعالم الحقيقي والواقعي لإبراز قيمة البحث الإنسانية المرافقة لبطل الفيلم.

رابعا: بالتالي، على الفيلم أن يكون واقعيا قدر الإمكان لأنه بقدر ما هو واقعي، قال إريك رومير ذات مرة، بقدر ما هو طبيعي وبالتالي عاكس تلقائي للعلاقات بين الشخصية الرئيسة وسواها.

خامسا: على الممثلين أن يعوا أنهم لا يقدمون أداء منفصلا عن ذواتهم، بل عليهم فهم هذا الجانب من العمل لكي ينصهروا في عملية الإبداع الذاتي انصهارا تاما.

المسألة كانت بالنسبة لأصحاب هذه النظرية أن الفيلم حالة إبداعية، لكنها لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا تضافرت كل العوامل لخدمة الرؤية الذاتية والتعبيرية لصاحب العمل. في حين أنه لا غبار على التعريف في حد ذاته. كيف لا يمكن اعتبار «متروبوليس» لفريتز لانغ (1927)، وهو فيلم غير واقعي مطلقا ومؤسس على خلاف مع أكثر هذه الشروط، ذاتيا ومؤلّفا؟ كيف لا يمكن اعتبار فيلم تيرنس مالك (أي فيلم لتيرنس مالك لكن لنقل «شجرة الحياة»)، وهو بالتأكيد لا ينتمي إلى السينما الواقعية لكنه ذاتي مائة في المائة، ليس فيلما مؤلّفا؟

الأكثر من ذلك.. ألا يوجد تأليف مشهدي و«ميزانسين» دقيق في أفلام هوليوودية وفرنسية قديمة مثل «معركة خط السكة» لرينيه كليمان (1946) و«ذهب مع الريح» لفيكتور فلمنغ (1939) وحتى معظم الأفلام ذات الشأن التجاري - الجماهيري الجيدة (من «ديرني هاري» لدون سيغال وما جر) نسبة كبيرة من هذا التأليف؟.. ثم هل الفيلم فعل رجل واحد كشأن الرسم أو الرواية مثلا؟