السفير البريطاني في بغداد: يجب أن تكون الوحدة السياسية أولوية الساسة العراقيين

سايمون كوليس قال لـ («الشرق الأوسط») إنه من الضروري معالجة الوضعين في العراق وسوريا معا

TT

يتشاور السفير المملكة المتحدة لدى العراق سايمون كوليس مع الساسة في بغداد بشكل يومي، ضمن مهامه لدعم العملية السياسية الهشة في البلد المضطرب. وفي وقت تتصاعد فيه الاتهامات بين الساسة العراقيين شدد كوليس في حوار مع «الشرق الأوسط» على أهمية الوحدة السياسية في البلاد لمواجهة التهديد الأكبر الذي يمثله تنظيم «الدول الإسلامية في العراق والشام» بعد سيطرته على مدن ومناطق حيوية في العراق. وكوليس من السفراء البريطانيين المتخصصين في منطقة الشرق الأوسط، فهو يجيد اللغة العربية، وقد عمل قنصلا عاما في دبي والبصرة، بالإضافة إلى سفير المملكة المتحدة لدى قطر وسوريا، حيث غادر دمشق في فبراير (شباط) 2012 مع احتدام الأزمة السورية وأعلنته الحكومة السورية لاحقا «شخصا غير مرغوب فيه» بالبلاد. وفيما يلي أبرز مع جاء في حوار «الشرق الأوسط» معه عبر الهاتف من مكتبه في بغداد:

* الكثير تحدث عن «مفاجأة» سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على الموصل، ثاني مدينة عراقية، الشهر الماضي.. هل كانت التطورات مفاجئة لكم أم كانت لديكم معلومات استخباراتية ترجح حدوث ذلك؟

- الأمر لا يتعلق بالاستخبارات، ونحن لا نتحدث عن القضايا الاستخباراتية على كل حال. ولكن كان معروفا عموما أن هناك قضية متعلقة بـ«داعش» في الموصل..الأكراد وعراقيون آخرون ورئيس البرلمان (أسامة) النجيفي ومحافظ الموصل ونحن والجميع كان يتحدث منذ أشهر عن الوجود الكثيف للميليشيات في الموصل وسيطرتهم على أجزاء منها، ليس السيطرة على مواقع محددة، بل وجودهم في المدينة ومدى ابتزاز المال من سكان المدينة، وكان هذا مصدر قلق جدي. أتذكر تحديدا مناقشة هذه القضية مع مسؤولين في العراق منذ فبراير الماضي وربما قبل ذلك أيضا. الوضع هناك لم يأت من فراغ، علينا العودة إلى عام من المظاهرات في الأنبار منذ ديسمبر (كانون الأول) 2012 والحادثة في الحويجة في أبريل (نيسان)، وهذا الأمر لا يتعلق بـ«داعش»، بل بحركة تظاهر، حتى المسؤولون العراقيون أشاروا إلى أنها تؤشر إلى نمو وجود «داعش»، أولا في الأنبار، وبعدها في نينوى. هذا جزئيا بسبب وجودهم في سوريا وانتقالهم عبر الحدود، ولكن أيضا جزئيا بسبب التطورات الداخلية التي ذكرتها للتو. كل هذه القضايا تنامت وبحلول سبتمبر من العام الماضي، حيث بات من الواضح أنهم يسيطرون على أجزاء من الأنبار. وعندما قررت الحكومة إطلاق عمليات أمنية في ديسمبر الماضي في الأنبار، كان تنظيم «داعش» يسيطر على مواقع في الفلوجة وغيرها من مواقع، وكانت نقاط الضغط تزداد في الشمال في ديالي وغيرها من مناطق. الواقع هو أن الكثير من المؤشرات على الأرض كان الجميع يعلمها. ولكن لا أقول إننا توقعنا أو إن غيرنا توقع سرعة ودرجة توقعهم (قوات داعش) أو درجة انهيار القوات الأمنية والعسكرية العراقية في وجه ذلك. وأعتقد أن الانهيار يفسر إلى درجة كبيرة تقدم (داعش)، وأعتقد أن قيادات «داعش» أنفسهم لم يتوقعوا مستوى التقدم الذي استطاعوا إحرازه.

* هل انهارت القوات الأمنية أم لم تحصل على أوامر للقتال؟

- لا أستطيع توضيح ذلك، هناك الكثير من التقارير حول ما حدث، لا يمكنني الإجابة المؤكدة.

* ما المجموعات الأخرى الموجودة في الموصل ما عدا «داعش»؟ وهل يمكن التوصل إلى تفاهمات سياسية معها؟

- قبل الحديث عن الموصل تحديدا، هناك نقطة عامة، فبرأينا وبحسب ما ننصح الحكومة العراقية به عند التعامل مع مجموعة إرهابية مثل «داعش» أنه يجب مواجهتها، وقد دعمنا عقوبات الحكومة ضد إرهاب «داعش» دوما. ولكن أي استراتيجية ناجحة ضد مجموعة إرهابية مثل هذه يجب أن تشمل إجراءات سياسية وتنموية، لا يمكن العمل فقط من خلال عمليات أمنية. هذا الأمر ليس فقط متعلقا بـ«داعش»، ولكن هذا أساس مواجهة الإرهاب في أي زمن أو مكان. من أجل عزل مثل هذه المجموعات يجب التوصل مع أشخاص لم ينضموا إليها، ولكن قد يشعرون لأي سبب كان بالإبعاد من العملية السياسية في العراق وأن مصادر قلقهم الحقيقية لم تجرِ معالجتها. لذلك عندما يأتي الأمر لسيناريوهات محددة، يجب النظر إلى من هم اللاعبون الآخرون في مدينة مثل الموصل، هل هي العشائر أم تنظيمات أخرى؟ ويجب السؤال من منهم يمكن التواصل معه؟ لا أدعي أن لدي معرفة معمقة عن الوضع في الموصل، بسبب الأوضاع الأمنية لم يكن بإمكاني زيارة المدينة، ولكن تكلمنا مع محافظ الموصل (أثيل النجيفي)، وقد التقى وزير الخارجية ويليام هيغ به خلال زيارته إلى العراق قبل بضعة أسابيع، ونحن على تواصل مع أسامة النجيفي وغيره من أهل الموصل نتواصل معهم، وأعتقد أنه من الضروري أن تتواصل الحكومة مع هؤلاء وأن تتوصل معهم إلى فكرة حول التوجه الصائب إلى الأمام.

* قلت إنكم تتواصلون مع بعض الساسة من الموصل، ولكن هل لديكم تواصل مع جهات داخل الموصل؟

- لا.

* نحن ننتظر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ولكن هناك تساؤلات حول إمكانية الساسة الحاليين على مواجهة الأزمات في العراق، وخصوصا إنهاء شعور المكون السني العربي من الأبعاد والإقصاء. فهل يمكن للكتل السياسية الحالية معالجة هذه القضية؟

- كانت هناك انتخابات في نهاية أبريل الماضي، وكانت هناك نسبة عالية من المشاركة على الصعيد الوطني بنسبة 62 في المائة، من المرجح أن النسبة كانت أقل في المحافظات ذات الغالبية السنية لأسباب أمنية وغيرها، ولكن مع ذلك تلك الانتخابات أجريت وجرى اختيار أعضاء البرلمان بناء على هذه العملية الدستورية ويجب انتخاب رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية (في البرلمان) وتحديد رئيس وزراء لتشكيل حكومة ضمن الأطر الزمنية المحددة. في السابق، هذه النقاشات كانت ضمن مفاوضات على المناصب كلها، وبرأينا على القادة العراقيين التوصل إلى كيفية اتفاق.. ولكن من هذا الأمر في غاية الأهمية وبحاجة إلى العمل السريع بسبب خطورة «داعش» وغيرها من ضغوط في البلاد. ومن المهم أن يظهروا وحدة وطنية وأن يجري تشكيل الحكومة بسرعة وأن تكون ذات قاعدة واسعة وتكون قادرة على إقرار سياسات تشمل الجميع، ومن الضروري اتخاذ إجراءات لاستقرار الوضع الأمني، لن يحدث كل هذا فقط من خلال الإجراءات السياسية، ولكن لن يكون ممكنا من دون السياسة. لا أتفق مع الرأي بأنه يجب إحراز تقدم على الجهة الأمنية أولا والعودة إلى السياسة لاحقا.. هذه عملية لم تنجح خلال السنوات الماضية، ولا يوجد سبب للتصور بأنها ستنجح هذه المرة. يجب أن يشمل الأمر الخطوات الأمنية والسياسية معا.

* هل يمكن تشكيل مثل هذه الحكومة مع بقاء نوري المالكي رئيسا للعراق؟

- الحكومة البريطانية ليس لديها موقف تجاه مرشح معين في أي من المناصب، لقد حددنا الخصال المطلوبة للمرشحين لهذه المناصب. إنها مسؤولية وحق الشعب العراقي لاتخاذ هذه القرارات.. واتخذ الناخبون هذه القرارات من خلال صناديق الاقتراع، والآن مع نتائج هذا الاقتراع من مسؤولية وحق السياسيين العراقيين اتخاذ هذه القرارات. عندما زار وزير الخارجية البريطانية العراق قبل بضعة أسابيع، قال إن جنودا بريطانيين ماتوا كي يتمتع العراقيون بهذا الحق وليس من حقنا أن نضعف ذلك الحق.

* رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أعلن انطلاق مساعٍ لاستقلال الإقليم عن العراق، هل تدعمون هذه العملية؟

- عندما كان ويليام هيغ هنا، زار أربيل بالإضافة إلى بغداد والتقى الرئيس بارزاني وقادة أكرادا آخرين. ورأينا أنه آن للشعب العراقي أن يحدد مستقبل العراق، ولكن نعد أن الأولوية الآن للوحدة السياسية لمواجهة تهديد «داعش» الإرهابي. وهذا تهديد لكل من يقيم في إقليم كردستان أيضا، فالموصل على بعد 60 كيلومترا من أربيل، وإقليم كردستان بالإضافة إلى استضافة اللاجئين السوريين، غالبيتهم من الأكراد، الآن لديهم عدد كبيرة من النازحين غالبهم من المحافظات ذات الغالبية السنية وأكثرهم من الموصل والأنبار. فهذه الكارثة تؤثر عليهم مباشرة ويجب أن يكونوا جزءا من الحل.

* هل ستعترفون بدولة «كردستان» في حال أعلنها بارزاني؟

- هذا سؤال افتراضي لن أجيب عنه.

* هل يمكن حل الأزمة في العراق من دون حل أزمة سوريا؟

- من الواضح أن الوضع في سوريا والوضع في العراق مترابطان، والوضع في سوريا أثر على الوضع في العراق ولكن هناك أيضا عوامل داخلية في العراق يجب معالجتها. سيكون من الضروري معالجة الوضعان سويا.. «داعش» تستطيع العمل على طرفي الحدود، وبالطبع، الأشخاص الوحيدون الذين يواجهون «داعش» هم عناصر المعارضة السورية.

* بريطانيا من الدول المحورية التي وضعت الخريطة المعاصرة للعراق وسوريا، هل تعتقد أن هذه الخريطة بدأت تنهار وأن الحدود ستتغير؟

- أعتقد أن النقطة الأولى التي يجب الحديث عنها حول تاريخ معاهدة «سايكس - بيكو»، فالاختلافات بين من يعيش في العراق وسوريا لم تبدأ مع «سايكس - بيكو»، كان هناك أناس يتكلمون بلهجات مختلفة (في البلدين)، وينظرون باتجاهات مختلفة، كما ان هناك نقاط تلاقٍ مختلفة عبر الحدود مثل ما يحصل في دول أخرى مثل الدول الأوروبية. ولكن بشكل عام، أناس عاشوا منذ دهر في بلاد ما بين النهرين كانت لديهم علاقات تجارية وتواصل مع الشام، ولكن كانا طرفين منفصلين، لا أعتقد أن «سايكس - بيكو» اخترعت تلك الاختلافات، كانت موجودة. هل نرى نهايتها؟ أعتقد أن هناك حول العالم، ظاهرة عالمية حول وضع الدول، والفرق ما بين ما يحدث داخل الدولة ومع دول جوارها، هذه العلاقة تتغير كثيرا عبر السنين. في أوروبا باتت الحدود أقل أهمية ولكن الدول لم تختف، وأعتقد أننا نرى هذه الظاهرة في مناطق أخرى والناس تعبر الحدود بكثرة. لا أعتقد أننا سنرى تغيير خطوط على الخريطة، ولكن ربما سنرى تراجعا في أهمية تلك الخطوط.

* كيف يمكن إبقاء العراق متحدا؟

- أولا، لا بد من تشكيل حكومة جديدة، واستخدام المتطلبات الديمقراطية في الدستور لحل القضايا التي تفرق بين الناس. العراق لديه فرص كثيرة، شعبه، مياهه، زراعته، ثروته المعدنية، فهذا بلد على الرغم من كل المصاعب ينمو اقتصاده بنسبة تسعة في المائة وهي نسبة نمو مهمة. والكثير من العراقيين، بغض النظر عن مكان إقامتهم، لديهم هموم مماثلة، يريدون الاستقرار والوظائف ويريدون التمتع بالحريات الشخصية، وهي قضايا ذات مصدر قلق مشترك بين أبناء الشعب العراقي ويمكن حلها على المستوى الوطني، وحكومة ذات قاعدة واسعة يمكنها أن تعالج هذه القضايا في مصلحة الجميع؟

* ماذا عن دور المجتمع الدولي في دعم العراق اليوم؟

- نحن على دارية أن التهديد من «داعش» لا يواجه العراق وسوريا بمفردهما، إنه تهديد للمنطقة وعلى الصعيد الدولي، فهو تهديد لأمن بلادي الوطني، خاصة مع قضية المقاتلين الأجانب. نحن نراه كتهديد مشترك ولهذا نحن نتواصل مع العراق ودول أخرى في المنطقة، قبل زيارة ويليام هيغ إلى العراق، وزير الدفاع فيليب هاموند زار عددا من الدول في المنطقة بما فيها السعودية. وإعلان السعودية الأسبوع الماضي بمنح نصف مليار دولار من المساعدات من خلال الأمم المتحدة مرحب به على وجه الخصوص.

لدينا تواصل مستمر مع شركائنا في الخليج وتركيا حول هذه القضية. نحن نعمل في الأردن ولبنان لدعم استقرار تلك الدول مع تأثير ما يدور في سوريا بما في ذلك «داعش» ومجموعات تكفيرية أخرى. نعتقد أن هناك منحى دوليا لهذه القضية التي يمكن أن تعالج، ونحن ننظر ليس فقط إلى التواصل الدبلوماسي، بل ندرس أيضا المزيد من العمل الجماعي.

* هل تقرر أمر جديد فيما يخص العمل الجماعي؟

- لا، وأوضحت الحكومة البريطانية منذ البداية أنه ليس لدينا أي خطط لتدخل عسكري في العراق.

* أشرت إلى دول إقليمية تنسقون معها، لكن لم تذكر إيران، هل تنسقون مع طهران حول العراق؟

- التركيز حاليا على الملف النووي، بالإضافة إلى نقاشات حول علاقاتنا الثنائية مع إيران. فيما يخص القضايا الإقليمية، كانت لدينا محادثات بين مسؤولين بريطانيين وإيرانيين، المدير العام للشؤون السياسية في الخارجية البريطاني سايمون غاس تحدث مع نظيره الإيراني، ولكن لا أريد التصور بأن هذه المحادثات تحمل أهمية أكبر من الواقع. ولكن نعم، عملية بحث هذه القضايا بدأت، والوزير هيغ تحدث مع (نظيره الإيراني) الوزير محمد جواد ظريف حول الوضع الإقليمي بما في ذلك الوضع في العراق عبر الهاتف.

* في السابق كانت بريطانيا تنظر إلى الدور الإيراني في العراق على أنه سلبي، هل بات أكثر إيجابية الآن؟

- رأينا أن كل دول جوار العراق يجب أن تلعب دورا أكثر إيجابيا في تشكيل الحكومة الجديدة وفي الإجراءات لمواجهة إرهاب «داعش»، وليس سرا أن لدينا خلافات مع إيران حول الدور الذي لعبوه في العراق خلال العقد الماضي.. ما زال الأمر مصدر قلق.