ليبيا: تحذيرات من مواجهات مسلحة بطرابلس وحكومة الثني تعترف بعجزها في مواجهة «ميلشيات الخارجية»

مبعوث الجامعة العربية يواصل زيارته وبعثة الأمم المتحدة تسحب موظفيها

TT

بينما تلقت «الشرق الأوسط» معلومات عن احتمال وقوع اشتباكات مسلحة جديدة في العاصمة الليبية طرابلس، اعترفت الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله الثني ضمنيا أمس للمرة الأولى بعجزها عمن مواجهة الميلشيات المسلحة التي تحتل للأسبوع الثاني على التوالي مقر وزارة الخارجية الليبية بطرابلس، وقررت في المقابل نقل مكاتب الوزارة لمكان آخر بشكل مؤقت.

وقال سكان مقيمون في طرابلس بالإضافة إلى مصادر رسمية إن مئات المقاتلين الذين ينتمون إلى مجموعات عسكرية محسوبة على التيار الإسلامي، قد تسربت وانتشرت بالفعل داخل العاصمة خلال الساعات القليلة الماضية.

ولم يصدر أي بيان رسمي بشأن هذه المعلومات لكن مصادر شبه رسمية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن 200 آلية عسكرية مجهزة بأسلحة خفيفة ومتوسطة تتبع لما يسمى بقوات درع الوسطى، وهي وحدات غير نظامية تابعة لرئاسة الأركان العامة للجيش الليبي قد دخلت بالفعل طرابلس وانتشرت في ضواحيها.

وانطلقت أمس حرب شائعات عبر الصفحات الرسمية لمختلف الكتائب المسلحة والعسكرية المتمركزة في طرابلس حول قرب اندلاع مواجهات دامية بين هذه الكتائب في مواجهة القوات التي يبدو أنها تدعم رسميا السلطات الحاكمة.

وتأتي هذه التحركات العسكرية المثيرة للجدل بينما تتحدث مصادر عن نشوب خلاف سياسي قد يؤدي إلى عملية تأجيل إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب الجديد الذي سيحل لاحقا محل المؤتمر الوطني في استلام السلطة.

وكانت الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني قد اتهمت المؤتمر الوطني العام (البرلمان) خلال شهر مايو (أيار) الماضي بتعريض الأمن في العاصمة للخطر باستدعائه ميليشيا من غرب البلاد لحمايته.

وسبق لنوري أبو سهمين رئيس المؤتمر، الذي يعد أعلى سلطة دستورية وسياسية في البلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، قد أوكل مهمة حماية طرابلس لميليشيا درع ليبيا الوسطى التي تأتي من مدينة مصراتة في غرب ليبيا، علما بأنها ترتبط بصلات قوية بالإسلاميين.

وتجاهل البرلمان أمس هذا الجدل وأعلن في بيان رسمي أن عبد الله المصري رئيس الديوان بالمؤتمر قد اجتمع مجددا مع مديري الإدارات والمكاتب التابعة لديوان المؤتمر الإجراءات والخطوات التي جرى التوصل إليها بشأن تنفيذ القرار المتعلق بانتقال وتسليم السلطة بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب المقبل.

ولم يؤكد البيان أو ينفي معلومات سبق تداولها عن اختطاف المصري لبضع ساعات أول من أمس بسبب الخلاف حول نقل السلطة وعقد أول جلسة لمجلس النواب في مدينة بنغازي (شرق)، مكتفيا بالإشارة إلى أن الاجتماع ناقش جملة من المقترحات المطروحة والمتعلقة في شأن عملية نقل السلطة.

إلى ذلك، قال بيان أصدرته الحكومة الليبية إنها ناقشت أول من أمس ما وصفته بالصعوبات التي تمر بها وزارة الخارجية ومن أهمها استمرار قفل الوزارة من قبل مجموعة مسلحة منذ يوم السادس والعشرين من الشهر الماضي.

وأعلنت الحكومة في بيان أمس أنها أذنت في نقل مكاتب وزارة الخارجية بصفة مؤقتة إلى مكان آخر واستئناف العمل من هناك، مشيرة إلى أن إغلاق مقر الوزارة قد أساء لسمعة ليبيا بالخارج وسبب ما وصفته بضرر كبير على المصلحة العليا للدولة ومصالح المواطنين الليبيين في الداخل والخارج.

من جهة أخرى، أعلن متحدث باسم الأمم المتحدة، أنها قامت بإجلاء عشرات من الموظفين الأجانب في بعثتها في ليبيا بسبب تدهور الوضع الأمني. وقال المتحدث باسم بعثة الدعم التابعة للأمم المتحدة في ليبيا سمير غطاس إن الموظفين سيعودون إذا تحسن الوضع الأمني. ولم يكشف عن عدد الموظفين الذين غادروا.

وكانت مصادر ليبية أكدت أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقوم حاليًّا بتخفيض عدد موظفيها في طرابلس بسبب الأوضاع الأمنية السائدة في البلاد.

وقال مسؤولون في البعثة إنه جرى اتخاذ هذا القرار بعد دراسة متأنية للوضع الأمني على الأرض خلال الأشهر الماضية، وأشاروا إلى أن القرار يتماشى مع القواعد التي تتبعها الأمم المتحدة في الأمور المتعلقة بسلامة موظفيها وأنه سيتم لاحقا إعادة النظر في هذا القرار عندما يتحسن الوضع الأمني.

ولم يتسن على الفور الحصول على تأكيد رسمي من طارق متري مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، علما بأن بعثات دبلوماسية عربية وغربية قلصت مؤخرا عدد العاملين فيها بسبب المخاوف من تعرضها لاعتداءات من قبل ميلشيات مسلحة خارجة عن شريعة الدولة.

ويحتل مسلحون منذ نحو أسبوعين مقر وزارة الخارجية نفسها في طرابلس ويمنعون العاملين فيه من ممارسة مهام عملهم في أحدث اعتداء مباشر على شرعية الدولة والحكومة.

من جهة أخرى، عدت ليبيا أمس أن زيارة ناصر القدوة المبعوث الخاص للأمين العام لجامعة الدول العربية إليها، تؤكد ما وصفته بالاهتمام البالغ الذي توليه الجامعة العربية لاستقرار ليبيا ونهوضها ورغبة الدول العربية في دعم ومساندة الجهود الرامية لمعالجة الأوضاع الراهنة فيها.

وقال محمد عبد العزيز وزير الخارجية الليبي عقب اللقاء الذي عقده القدوة مع عبد الله الثني رئيس الحكومة الانتقالية في العاصمة طرابلس إن اللقاء تناول وجهات النظر حول الأوضاع الراهنة في ليبيا وكيف يمكن للجامعة العربية دعم عملية التحول الديمقراطي فيها.

ونقل بيان لحكومة الثني عن عبد العزيز قوله، إن اللقاء كان فرصة للجانبين لتناول وجهات النظر حول الاجتماع الذي سيعقد خلال المدة القليلة المقبلة بتونس لدول جوار ليبيا.

كما ناقش القدوة مع النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني صالح المخزوم الأوضاع الأمنية التي تشهدها مختلف المدن، ومواقف الأطراف الليبية المختلفة بشكل عام، وموقف قيادة المؤتمر والحكومة والأحزاب السياسية بشكل عام حول المصاعب التي يواجهها الشعب الليبي والمؤسسات السياسية.

وقال بيان رسمي للمؤتمر إن اللقاء تطرق إلى إمكانية تقديم الجامعة العربية الدعم والمساندة للشعب الليبي ولكافة المؤسسات الليبية السياسية المختلفة من أجل تحقيق الأهداف التي يصبو إليها الشعب الليبي في بناء المؤسسات المختلفة وبناء الديمقراطية وتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع المدن الليبية.

ونقل البيان عن القدوة تأكيده على ضرورة تقديم الجامعة العربية والدول العربية الشقيقة الدعم للشعب الليبي حتى يصل لمرحلة البناء والتأسيس للديمقراطية.

وقال القدوة «كان الحديث حول الظروف التي تمر بها ليبيا والمصاعب التي يواجهها الشعب الليبي والمؤسسات السياسية الليبية كان مهما أن نفهم بشكل كامل مواقف الأطراف الليبية المختلفة وبشكل خاص موقف قيادة المؤتمر والحكومة والأحزاب السياسية والقوى المختلفة ومنظمات المجتمع المدني مما سيمكننا من تقديم الدعم والإسناد للشعب الليبي في نضاله المستمر من أجل إنجاح تجربته تحقيق الأهداف التي يصبو إليها في بناء المؤسسات المختلفة وبناء الديمقراطية». وأكد أن الدول العربية الشقيقة ستكون جاهزة والجامعة العربية ستكون جاهزة لبدل كل الجهود من أجل تحقيق هذا الدعم والإسناد.