شاشات: كر وفر في «عد تنازلي»

مجمد رضا

مشهد من مسلسل عد تنازلي
TT

هناك مشكلة مع الموسيقى. معظم ما هو معروض من مسلسلات لا يعرف كيف يستخدمها ولا يريد أن يعرف كيف يستخدمها بل يواصل استخدامها كما يعتقد أنه يعرف ولا يهم إذا ما كان ما يعرف خطأ أو لا.

إنها عموما موسيقى حزينة. ناي حزين. عود حزين. كمان حزين.. المهم أن يكون حزينا. ما الغاية؟ ما سبب وجود مثل هذه الموسيقى في مسلسل بوليسي؟ أو في دراما اجتماعية؟ ثم لماذا عليها أن تكون حزينة؟ هل لمرافقة مشهد حزين كما لو أن حزن المشهد لا يصل بما ينأى به؟ وإذا كان هناك مشهد حزين، لماذا الموسيقى الحزينة تنتشر فوق كل مشاهد المسلسل حتى وإن كانت غير حزينة أو غير عاطفية؟

ولا تنتهي الأسئلة عند هذا الحد، بل هناك المزيد. لماذا عليها أن تستمر من مطلع المسلسل إلى آخره؟ ثم لماذا هي أعلى من صوت الحوار أحيانا؟

هذا ما يحدث في مسلسل جيّد، بل يكاد أن يكون متميّزا لولا أن الموسيقى تقض مضاجعه. الموسيقى هناك فوق وتحت وحول الشخصيات. هي عندما يمشي الممثل، وعندما تبلع الممثلة حبة دواء أو عندما يدخل هذا إلى مكتب أو يتحدّث ذاك على هاتفه النقال. ما الفائدة؟

المسلسل المعني هو «عد تنازلي» (محور، ART، CBC): دراما بوليسية مصنوعة بامتياز فني يشمل الكتابة والتصوير والإضاءة والمونتاج والتمثيل. كل العناصر الموظفة لخدمة المسلسل ومضمونه في أوجها المعقول، باستثناء تلك الموسيقى التي في بعض حلقات هذا المسلسل تتعالى بحيث لا تستطيع أن تسمع صوت الحوار.

«عد تنازلي» مسلسل من الغموض والتشويق يدور حول إرهابي ينفّذ جرائمه كما يعد تماما. رجال الأمن، وفي مقدّمتهم محقق متقاعد بعد حادثة أصيب بها، عاجزون عن فعل شيء حيال هذه الجرائم. في الحلقة الأولى شاهدنا الإرهابي سجينا يعد بأن يجري تنفيذ اغتيال كبار المسؤولين في وزارة الداخلية في الساعة التاسعة من اليوم نفسه. كل الاحتياطات تفشل في منع الجريمة التي جرت على الرغم من أن الإرهابي موجود في السجن بانتظار حكم الإعدام.

بعد هروبه وبدءا من الحلقة الثانية، هي عمليات كر وفر بين المحققين وبين الإرهابي. في بعض الأحيان يواجهونه وجها لوجه، لكنه دائما ما يفلت من أيديهم.

ككل مسلسل آخر، يمكن اختصار الكثير من وقت المسلسل ما سيرفع من درجة التشويق ويضع المشاهد على حافة مقعده بانتظار الحلقة المقبلة، لكن هذا مسلسل رمضاني في ثلاثين حلقة وبعض مراحله عليها أن تمر بإيقاع أخف وطأة مما يجب. رغم ذلك، هو أفضل حالا من مسلسلات كثيرة تثير الملل ويمكن تفويت حلقاتها للعودة إليها لاحقا لتجد أنك لم تفقد خيط حكاياتها بعد.

الممثل الأول هو طارق لطفي المتمرّس في التمثيل التلفزيوني منذ أن كان لا يزال فتى في منتصف التسعينات.

قريب الشبه إلى حد بالممثل رشدي أباظة لكنه أكثر رشاقة ووسامة. وهو يؤدي دوره هنا بالمزيج الصحيح من التقليدي والمخالف للتقليد.

إدارة الممثلين بأسرها تختلف عن تلك التي كانت سائدة في الأعمال التلفزيونية المصرية سابقا. كذلك نوعية الإخراج المتّكلة على استحداث أجواء طبيعية تنتمي إلى البيئة الاجتماعية بأقل قدر من التصرّف.

هذا التقييم مناسبة للتذكير بأن ما حدث مع الدراما المصرية في السنوات الأربع الأخيرة لم يكن مجرد تنشيط خلايا تحت ضغط الحاجة لدخول منافسة مجدية مع الدراما السورية التي كانت تكسب أشواطا. بل كان مسألة ارتبطت بالمتغيرات السياسية أيضا.

ما حدث هو أن القرار الإداري صدر بالتوقّف عن تصوير المسلسلات والدراميات عموما في الاستوديوهات. سابقا ما كانت عملية الإخراج للتلفزيون تتم عبر الضغط على أزرار. كل زر لكاميرا تلتقط وتتحرّك حسب البرنامج المرسوم. الآن، ومنذ ثلاث سنوات أو نحوها، باتت معظم المسلسلات تصوّر في الخارج وبالطريقة السينمائية. الكاميرا واحدة وهي تتحرّك بخطة سينمائية بحتة والإخراج يجري وفي البال إتقان ترجمة السيناريو من الورق إلى الشاشة كأي عمل سينمائي.

هذا كله أفاد السعي لمحاولة إعادة المسلسلات المصرية إلى احتلال مكاناتها وسط سوق مزدحم ومنافس. كل شيء بات تقريبا في مكانه الصحيح.. باستثناء استخدام الموسيقى.