إيران تضع الخطوط العريضة للاتفاق النووي

طهران ترغب في تخفيف العقوبات التي أضعفت اقتصادها إلى حد كبير

TT

قال رئيس المفاوضين النوويين الإيرانيين، الذي يواجه موعدا نهائيا وشيكا لاتفاق مع الغرب على مستقبل البرنامج النووي للبلاد، في مقابلة أجريت معه أمس إن «إيران قد تقبل اتفاقا يجمد بصورة أساسية قدرتها على إنتاج الوقود النووي عند المستويات الحالية لعدة سنوات، شريطة أن يجري بعد ذلك التعامل معها مثل أي دولة أخرى لديها برنامج نووي سلمي».

وقد يوسع الاقتراح، الذي قالت إيران إنها نقلته إلى الولايات المتحدة والخمس قوى العالمية الأخرى خلال جلسات التفاوض المغلقة في فيينا، بشكل فعال سلسلة محدودة من التنازلات التي قدمتها إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كجزء من اتفاق مؤقت لاستئناف المفاوضات بشأن عقد اتفاق دائم. وفي المقابل، ترغب إيران في تخفيف العقوبات التي أضعفت اقتصادها إلى حد كبير خطوة بخطوة.

ووصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في لمحة نادرة أثناء المحادثات السرية، الاقتراح بأنه سعى لتحقيق هدف واشنطن للحد بشكل يمكن التحقق منه من كمية ودرجة نقاء الوقود النووي الذي تستطيع أن تنتجه إيران لعدد غير محدد من السنوات. يحاول السيد ظريف أيضا إرضاء القيادة العسكرية والدينية في إيران التي تبدو ليست عازمة على تفكيك المنشآت القائمة ومصممة على استئناف الإنتاج دون عوائق في السنوات المقبلة.

وقال ظريف في حوار أجري معه في مقر إجراء المفاوضات «أنا لست هنا لعرض مواقف متطرفة». وأضاف «نحن هنا للتوصل إلى اتفاق»، بحسب «نيويورك تايمز» أمس.

وبدا أن قرار ظريف بإعلان ما وصفه بأنه «مقترح مبتكر» يرمي إلى تحقيق هدفين: أن يصعب على البيت الأبيض الانسحاب من اتفاق من شأنه أن يقيم عمليات تفتيش دقيقة وتجميد للبرنامج النووي الإيراني، ولكن أيضا لتقديم ما يكفي لكلا الجانبين من أجل اقتراح تمديد المحادثات إلى ما بعد يوم (الأحد) وهو الموعد النهائي الحالي. ولكن بينما قال مسؤولون أميركيون إن ظريف يظهر الآن مرونة لم يروها من قبل، لم يتناول اقتراحه في شكله الحالي أكثر الأمور إلحاحا للولايات المتحدة. ذلك أن المقترح من شأنه أن يترك أجهزة الطرد المركزي تعمل، مما يبقي على فرصة إيران فيما يعرف باسم «قدرة الاختراق» التي تمكنها من السعي وراء صنع قنبلة إذا قررت في أي وقت أن تنتجها. وعد السيد ظريف أن عناصر أخرى من خطته قد تطيل تلك الفترة لأكثر من سنة، والتي قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إنها «الحد الأدنى». وهو ما يشكك فيه المسؤولون الأميركيون. وتذكر مثل هذه الحجج بأن هذه المفاوضات التي تجري على مستويين على الأقل هي نقاش سياسي يركز على ما إذا كانت الدولتان اللتان ظلتا خصمين عنيدين لأكثر من 30 عاما يمكن أن يعيدا تفسير علاقتهما، ونقاش تقني محير بسبب تعقيداته بالإضافة إلى غرقه في مستنقع من انعدام الثقة.

وبعبارات محددة، سوف تضغط إيران من أجل رفع القيود المفروضة على برنامجها بصورة أسرع، ربما من ثلاث إلى سبع سنوات؛ ولكن الولايات المتحدة قالت إن «تلك الفترة يجب ألا تقل عن عقد من الزمان. وبعد انتهاء مدة الاتفاق، ستكون إيران حرة في إنتاج الوقود بقدر ما ترغب بصفتها دولة موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، طالما أنها التزمت بقواعد التفتيش التي تنص عليها المعاهدة. علاوة على ذلك، سوف يبحث الكونغرس عن قيود دائمة وحادة على قدرة إيران، أو حتى تطوير أجهزة الطرد المركزي من الجيل الثاني، في مقابل رفع العقوبات الأميركية».

ورفض ظريف مفهوم خضوع إيران لأي قيود دائمة، وهو لم يستخدم لفظة «تجميد»، بسبب أن اقتراحه سوف يتيح لذلك النوع من إنتاج وقود اليورانيوم منخفض التخصيب التي تعمل عليه إيران حاليا، في ظل اتفاق مؤقت. لكنه قال: «يمكنني المحاولة على الخروج باتفاق حيث يمكننا المحافظة على مستوياتنا الحالية».

ولتقديم المزيد من الضمانات للولايات المتحدة وغيرها، على حد قوله، وسوف تعمل إيران على تحويل معظم الوقود النووي الذي تنتجه إلى نوع يستحيل استخدامه في السلاح، والتخلي عن تشييد منشأة هناك حاجة إليها للخطوة الأولى من التحول إلى الوقود المستخدم في القنابل. وقال مسؤول كبير في الإدارة من المشاركين في المحادثات، اشترط عدم ذكر اسمه في السجلات، ردا على سؤال حول مقترحاته: «لقد قلنا على الدوام إننا لن نتفاوض علنا، ولن نبدأ بفعل ذلك الآن، إن بعض الأشياء المذكورة في هذه المقابلة كانوا قد وضعوها مقدما في المفاوضات، وبعضها لم يطفو على السطح بعد، وبعض منهم قد أظهروا نوعا من المرونة وراء الأبواب المغلقة». من جهة أخرى، قال مسؤولون أميركيون إن الحفاظ على 22.000 من أجهزة الطرد المركزية النووية التي تمتلكها إيران حاليا – أقل بقليل من نصف الأجهزة العاملة حاليا – يخلق في المستقبل مخاطر أن إيران قد تطرد المفتشين الدوليين وتستعيد أجهزة الطرد المركزية، بقدر ما فعلت كوريا الشمالية في السنوات الأخيرة مع تكنولوجيا أخرى لصناعة القنابل. لكن قرار ظريف بالتوجه العلني في محادثة استغرقت 45 دقيقة قبل الاجتماع مع السيد كيري للمرة الثانية خلال يومين كان من الواضح أنه تحرك تكتيكي. ورغبته في الابتعاد عن إصرار إيران بأن تظل حرة، وعلى الفور، تعمل على توسيع برنامجها النووي قد يفتح المجال أمام السيد كيري لأن يوصي للرئيس أوباما بمواصلة المفاوضات، لأسابيع وربما شهور. وجاءت خطة ظريف عقب إعلان من المرشد الإيراني الأعلى آية الله على خامنئي الأسبوع الماضي، أن إيران لن تفكك أي من بنيتها التحتية تحت الضغوط الغربية، ولكنها لن تكون في حاجة إلى التوسع في منشآت صناعة الوقود لديها لمدة لا تقل عن خمس سنوات. مما منح السيد ظريف، والذي ينظر إليه بعين الريبة من قبل المؤسسة العسكرية الإيرانية وقيادتها الدينية، هامشا للمناورة. حيث يسير اقتراحه بالتجميد بشكل ملحوظ في الاتجاه الذي تحث عليه الولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى، ويركز على الخطوط العريضة لصفقة محتملة، على الرغم من صعوبة الوصول إليها بحلول يوم الأحد.

وفي مقابلة، اتهم ظريف الغرب بمحاولة تخريب مفاعل المياه الثقيلة قيد الإنشاء بالقرب من أراك عن طريق تغيير مكونات نظام التبريد، وهي خطوة قال إنها أدت إلى كارثة بيئية. لكنه لم يوجه اللوم مباشرة للولايات المتحدة. وقال ظريف: «أنت تعرف عن الهجمات الإلكترونية»، مشيرا إلى العملية الأميركية - الإسرائيلية المعروفة باسم الألعاب الأوليمبية والتي فجرت ما يقرب من ألف جهاز للطرد المركزي في محطة نتانز لتخصيب اليورانيوم حتى جرى اكتشافها في عام 2010. وقال حاولت إحدى القوى الأجنبية إحداث أعطال في المعدات التي جرى شراؤها من خارج إيران لمنشأة أراك «بحيث على سبيل المثال بدلا من تبريد المنشأة قاموا بزيادة الحرارة في المنشأة، ما لم نكن قد اكتشفنا ذلك في الوقت المناسب».

غير أن ظريف لم يقدم أي دليل على ذلك، وعند الضغط عليه، قال إن «معلوماته حول الموضوع كانت غير واضحة». ظل أراك هدفا لأجهزة الاستخبارات الغربية بسبب قدرته على إنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة. وقال إن المهندسين الإيرانيين وجدوا ما يعد تخريبا هناك قبل أن يتحول الأمر لمشكلة كبيرة.