انقسام في الساحة السياسية التونسية بسبب عزوف المواطنين عن التسجيل في لوائح الانتخابات

مراقبون يرون أن هذه الظاهرة السلبية قد تفرز طبقة لا تحظى بالشرعية

TT

تعيش الساحة السياسية التونسية قبل حلول 22 يوليو (تموز) الحالي، تاريخ انتهاء موعد تسجيل الناخبين في اللوائح الانتخابية، كما حددته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، انقساما حادا بين الداعين إلى التمسك بروزنامة المواعيد الانتخابية، كما صادق عليها المجلس التأسيسي (البرلمان)، وبالتالي احترام مقتضيات الدستور فيما يتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية السنة الحالية، وبين المشككين في العملية الانتخابية برمتها، في ظل العزوف الجماعي عن التسجيل، وهو ما سيفزر طبقة سياسية لا تحظى بالشرعية الكاملة، وقد تكون على الشاكلة نفسها لما أفرزته انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011، حسب عدد من المراقبين الذين وصفوا ظاهرة العزوف الجماعي عن التسجيل بـ«السلبية».

وتمسكت حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي، والحزب الجمهوري بزعامة أحمد نجيب الشابي، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الذي يرأسه مصطفى بن جعفر، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة عماد الدايمي، بضرورة احترام الآجال الانتخابية، والمدة التي حددتها هيئة الانتخابات، فيما طالبت عدة أحزاب سياسية أخرى، وعلى رأسها «حركة نداء تونس» بزعامة الباجي قائد السبسي، وتحالف الجبهة الشعبية الذي يقوده حمة الهمامي، والمسار الديمقراطي الاجتماعي برئاسة سمير بالطيب، بتمديد عملية تسجيل الناخبين.

وقال الغنوشي في مؤتمر صحافي، عقده أول من أمس، موجها رسالة إلى بقية الأحزاب السياسية إن «التلميذ النجيب لا يخاف الامتحان، وهو على استعداد لإجرائه في أي وقت»، في إشارة لاستعداد حركة النهضة لخوض الانتخابات المقبلة.

وفي المقابل، دعا قائد السبسي، أبرز منافس سياسي لحركة النهضة، إلى تمديد آجال التسجيل، واقترح تأجيل الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية إلى 25 مارس (آذار) 2015 بدل 28 ديسمبر، كما ورد في الروزنامة التي اقترحتها هيئة الانتخابات.

وقدر عدد المسجلين في الانتخابات حتى بداية هذا الأسبوع بنحو 280 ألف ناخب، وهو رقم محتشم، مقارنة بما حدده شفيق صرصار، رئيس هيئة الانتخابات في بداية حملة تسجيل الناخبين التي انطلقت يوم 23 يونيو (حزيران) الماضي، وحديثه عن استهداف نحو أربعة ملايين ناخب، قال إنهم لم يشاركوا في انتخابات 2011.

ونفى صرصار مسؤولية هيئة الانتخابات عن عزوف الناخبين عن عمليات التسجيل، وفسر ذلك بمزاج وطبيعة التونسي الذي لا يقبل على مكاتب التسجيل إلا مع اقتراب انتهاء الآجال. وتوقع أن يرتفع الإقبال عليها خلال الأيام الأخيرة المتبقية، وقال إن الأسبوع الأول الذي شهد فتح مكاتب الاقتراع لم يعرف تسجيل سوى 30 ألف ناخب، لكن العدد ارتفع خلال الأسبوع الثاني إلى 108 آلاف ناخب، ثم أصبح يقترب من حاجز 280 ألف مسجل في اللوائح الانتخابية حاليا، ومن المنتظر أن يزيد الإقبال خلال الفترة المقبلة نتيجة حملات التوعية والتحسيس، عبر كل الوسائل لإقناع التونسيين بضرورة التسجيل، حسب قوله.

وقال قيس سعيد، الخبير الدستوري، بخصوص مدى دستورية التمديد في عملية تسجيل الناخبين، إن إمكانية التمديد واردة و«لا يوجد مانع من تواصل عمليات التسجيل بمعزل عن بقية الاستحقاقات الانتخابية. ولكن السؤال الجوهري هو: هل سيكون من يسجل في اللوائح الانتخابية متحمسا للإدلاء بصوته.. ولمن سيقدمه؟».

وعن ظاهرة عزوف التونسيين عن التسجيل، أضاف سعيد أنه يحمل رسالة عاجلة إلى الطبقة السياسية مفادها أن الثقة اهتزت في مجمل مؤسسات الدولة، وأنه يجب على السياسيين البحث عن معالجة أعمق للعلاقة التي تربط الناخب بها حتى لا تكون السلطة المقبلة محدودة الشرعية، على حد تعبيره.

على صعيد غير متصل، قال محمد بن صالح، العقيد في الجيش التونسي، في جلسة برلمانية خصصت لتوضيح موقف وزارة الدفاع بشأن مشروع قانون الإرهاب وتمكين الجيش من تعقب الإرهابيين في المدن، إن تكليف الجيش بمقاومة الإرهاب لا يطبق في أي دولة، وأضاف بن صالح أن تأمين الحدود البرية مع الجزائر وليبيا ومنع تهريب الأسلحة ودخول الإرهابيين يدخل في صميم إطار مكافحة الإرهاب، وقال إنه من غير المعقول ترك الحدود والدخول في القتال داخل المدن.

وتوقعت مصادر برلمانية أن يجري التصديق على قانون الإرهاب في صيغته الجديدة قبل عيد الفطر، في ظل دعوات متكررة بضرورة الانتهاء من المناقشات الطويلة الدائرة حاليا تحت قبة البرلمان.

من جهته، أشار سامي المحمدي، رئيس ديوان وزير الدفاع التونسي، إلى أن التكوين العسكري قد لا يتلاءم بالضرورة مع تدخل قوات الجيش في المدن أثناء تعقبها المجموعات الإرهابية، باستثناء بعض الفرق العسكرية الخاصة.

وأضاف المحمدي بشأن توفير الغطاء القانوني لقوات الجيش التونسي حتى تتمكن من مساندة قوات الأمن في مكافحة الإرهابيين، أن المعدات الثقيلة للجيش قد لا تتلاءم مع طبيعة تلك التدخلات، وأبدى خشيته من اهتزاز صورة المؤسسة العسكرية في حال احتكاكها المباشر مع التونسيين، مفضلا بقاءها عنصر طمأنينة في البلاد.