وزير الخارجية المصري: واشنطن تدرك أن القاهرة لم تعد تقبل بأي إملاءات

شكري تحدث لـ «الشرق الأوسط» عن ملفات سوريا وليبيا والعراق.. وثمن مواقف السعودية والإمارات والكويت والبحرين وحذر من المساس بأمن الخليج

TT

أكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أن بلاده تعمل جاهدة على وقف الاعتداءات على غزة، وقال إن مصر تتحمل «المسؤولية التاريخية» تجاه الشعب الفلسطيني. وتحدث في حوار مع «الشرق الأوسط» عن ملفات سوريا وليبيا والعراق.. وثمن مواقف السعودية والإمارات والكويت والبحرين، وحذر من المساس بأمن الخليج.

وشدد على أن المبادرة التي تقدمت بها بلاده في الاجتماع الوزاري العربي يوم 14 الشهر الحالي، تعبير عن الشعور المصري بحتمية العمل على وقف ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني من اعتداءات أسفرت عن وقوع ضحايا وجرحى تتزايد أعدادهم على مدار الساعة، موضحا فيما يتعلق بمدى فرص نجاح المبادرة أن هذا مرهون بمدى القدرة على تنفيذها على أرض الواقع، خاصة ما يتعلق بالوقف الفوري لإطلاق النار.

وقال إن الدول العربية الشقيقة لم تكتف بدعمها المبادرة، «بل عملت على مناقشة الإجراءات الأخرى التي يمكن القيام بها لدعم الشعب الفلسطيني وقيادته للدفاع عن مصالحه على مختلف المستويات». وأكد أن نظيره الأميركي، جون كيري، لم يلغ زيارته للقاهرة للتشاور بشأن المبادرة المصرية، ولكنه أجلها نتيجة لارتباطات تخص جدول أعماله. وأوضح الوزير المصري بشأن تطورات العلاقات مع الولايات المتحدة، بقوله: «لا شك في أن الإدارة الأميركية تدرك أن مصر لم تعد تسمح بأن يجري التدخل في شؤونها أو القبول بأي إملاءات أو شروط».

وفيما يتعلق بالاتصالات المصرية بشأن الأزمة العراقية، قال شكري إن الوضع في العراق «شديد التعقيد»، مشيرا إلى أنه أكد خلال لقاءاته المختلفة في العراق على أن مصر تعي تماما أن هناك من يسعى إلى تأجيج الخلافات في هذا البلد الشقيق وإبعاده عن أي فرصة لتحقيق التوافق الوطني المنشود، معربا عن استعداد مصر الكامل لتقديم العون والدعم اللازمين لمساعدة العراق حكومة وشعبا للخروج من المأزق الراهن.

كما تطرق إلى تطورات الملف السوري، معربا عن اعتقاده وجود توافق عام على أنه «لا يوجد حل عسكري للأزمة».. بينما وصف الوضع المتدهور في ليبيا بأنه «ليس أفضل حالا» من ملفات أخرى، قائلا إن مصر تولي الشأن الليبي اهتماما خاصا، ويوجد حرص على العمل على تمكينها من الخروج من هذه الأزمة. وإلى أهم ما جاء في الحوار..

* جاءت المبادرة المصرية الخاصة بوقف إطلاق النار في غزة في مرحلة بالغة الأهمية، فهل جاءت وليدة اللحظة أم سبقتها اتصالات مع الأطراف المعنية، وتحديدا إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وما أبرز عناصر هذه المبادرة؟

- يهمني أن أوضح بداية أن هناك مسؤولية تاريخية تتحملها مصر تجاه الشعب الفلسطيني. وكما تعلمون، فإن مصر قدمت - ولا تزال تقدم - الكثير للقضية الفلسطينية، إيمانا منها بأن للشعب الفلسطيني الحق في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. المبادرة المصرية إذن هي تعبير عن شعورنا بحتمية العمل على وقف ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من اعتداءات أسفرت عن وقوع ضحايا وجرحى تتزايد أعدادهم على مدار الساعة، إذ لا يمكن لمصر أن تقف مكتوفة الأيدي أو أن تدخر جهدا كي لا تنزف قطرة دم واحدة، كان بالإمكان الحيلولة دون إسالتها. والتحرك الذي قمنا به إنما يهدف إلى تدارك هذا الموقف الخطير، بناء على دراسة شاملة للبدائل المتاحة وبعد الإنصات إلى المواقف المختلفة وأخذها في الاعتبار، وإنما أيضا بدافع اتخاذ إجراءات سريعة لوقف الاعتداءات حفاظا على سلامة الشعب الفلسطيني في المقام الأول ولتخفيف المعاناة عن كاهله وتضميد جراحه والحفاظ على كرامته وحقه في العيش الآمن. أما عن مضمون المبادرة المصرية، فأود تأكيد أنها مبادرة متكاملة لا تقتصر على المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار، رغم أهميته البالغة، بل تتضمن عناصر أخرى لا سيما الجدول الزمني وأسلوب التنفيذ، حيث تطالب بوقف جميع الأعمال العدائية، بما في ذلك تأكيد عدم تنفيذ أي عمليات اجتياح بري لقطاع غزة أو استهداف المدنيين، وتتناول موضوع فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية وتطرح كيفية معالجة باقي القضايا، بما فيها الموضوعات المتعلقة بالأمن بجانب آليات مناقشة هذه القضايا.

* ما مدى فرص نجاح المبادرة؟

- لا شك في أن فرص نجاح المبادرة المصرية مرهونة بمدى القدرة على تنفيذها على أرض الواقع، خاصة ما يتعلق بالوقف الفوري لإطلاق النار، وهو أمر يتوقف في المقام الأول على قبول وتعاون الأطراف المعنية ومدى تقديرها المسؤولية التي تتحملها كلما استمرت العمليات العسكرية التي تحصد المزيد من الضحايا الأبرياء بين أهلنا في فلسطين. ورغم أن الموقف الحالي ينطوي على الكثير من الصعوبات بالغة التعقيد، فإن مصر اختارت المضي قدما بإطلاق مبادرتها دون الالتفات إلى احتمالات عدم نجاح الجهود التي تبذلها، إذ لا نملك إزاء الموقف الراهن ترف الصمت أو الانتظار، لأننا نعي تماما مدى خطورة الوضع وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا للحد من وقوع المزيد من الضحايا الأبرياء، خاصة في هذا الشهر الفضيل. ويهمني هنا تأكيد أن المبادرة المصرية ليست وليدة الموقف كما قد يتصور البعض أو مجرد رد فعل لا يأخذ في الاعتبار أبعاد الأزمة والظروف المحيطة، وإنما تأتي المبادرة نتاجا طبيعيا لجهد مصري متكامل يستند إلى إدراك عميق لتطورات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كافة. وليس من قبيل المبالغة القول إننا كنا نتوقع حدوث مثل هذا التصعيد في ظل حالة التوتر التي كانت سائدة خلال الفترة السابقة على تفاقم الاعتداءات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي دفع مصر منذ فترة إلى تحذير الأطراف كلها أكثر من مرة من مغبة حالة الجمود التي أصابت جهود تحقيق السلام، ومن التزايد الملحوظ لحدة التوتر بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في الفترة الأخيرة، وهي الأمور التي قادت الطرفين في النهاية إلى الانزلاق نحو مواجهة جديدة كانت - وما زالت لها تداعيات سلبية شديدة الخطورة، وهو ما يتطلب منا تكثيف الجهود الإقليمية والدولية وتسريع وتيرتها لتدارك هذا الموقف والعمل على احتوائه. وأريد أن أؤكد في هذا السياق، أن المبادرة المصرية للتوصل إلى تهدئة لا تمثل بأي حال نهاية المطاف بالنسبة للجهود المصرية، إذ لا يمكن أن يكون هدفنا هو التوصل إلى تهدئة تمتد لبضعة أشهر أو أكثر انتظارا لتجدد التوتر ثم العنف من جديد، بل إن غاية جهودنا تتمثل في ضرورة معالجة الأسباب الحقيقية للأزمة الراهنة والتوصل إلى حل شامل وعادل ينهي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من خلال مفاوضات جادة تجرى وفق إطار زمني محدد وعلى أساس المرجعيات والمبادئ الدولية المتفق عليها، وبما يقود إلى تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتوفير مقومات الحياة الكريمة للشعب الفلسطيني وتحقيق تطلعاته في الحرية والاستقلال. ولا شك في أن التقدم الحقيقي الملموس نحو تحقيق تسوية عادلة وشاملة ودائمة يمثل في حد ذاته خطوة نحو تغيير الواقع الراهن، الذي لم يعد مقبولا أن يستمر على هذا النحو.

* ما تقييمكم لردود فعل الأطراف العربية والدولية على هذه المبادرة، وماذا دار في كواليس الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية يوم 14 يوليو (تموز)؟

- اتسمت مجمل ردود الفعل الدولية والعربية بالترحيب بالمبادرة المصرية، وأبدت الدول العربية تقديرها لهذه المبادرة وحرصها على دعمها، وهو ما ظهر بالفعل من خلال القرار الصادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري من تأكيد الدعم الكامل للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار ومطالبة الأطراف المعنية كافة بإعلان قبولها والتزامها بما نصت عليه، فضلا عن دعوة الأطراف الإقليمية والدولية لقبول المبادرة والعمل على تهيئة المناخ اللازم لضمان التهدئة. كما أود الإشارة إلى أن المجلس قدم أيضا الشكر لمصر على جهودها لوقف العدوان الإسرائيلي وتحركها لمواجهة تداعيات الاعتداءات على غزة، كما أثنى الوزراء على قرار مصر بفتح معبر رفح لاستقبال الجرحى. ولم يقتصر الجهد المصري على مجرد طرح المبادرة فحسب، فقد حرصت قبل الاجتماع على تنسيق المواقف مع عدد من وزراء الخارجية العرب وفي مقدمتهم وزير الخارجية الفلسطيني، سعيا لوقف العمليات الإسرائيلية من خلال شرح وتقديم المبادرة المصرية لتعبئة موقف عربي داعم لها، وكانت هناك قبل الاجتماع مباشرة مشاورات مكثفة مع الأمين العام للجامعة العربية ونائب رئيس الوزراء ووزير خارجية الكويت (الرئيس الحالي للقمة العربية) والوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية للمغرب، التي تتولي بلادها رئاسة الاجتماع الوزاري، وقد هدفت هذه المشاورات إلى تحقيق الهدف ذاته. ولا يفوتني هنا أن أنوه إلى أن ما لمسته من دعم عربي صريح للمبادرة المصرية إنما هو إحدى صور التضامن العربي، الذي يثبت بما لا يدع مجالا للشك قدرة الدول العربية على الدفاع عن قضيتهم الأولى – القضية الفلسطينية – وحرصهم على الحفاظ على حياة ومقومات الشعب الفلسطيني ومحاولة تأمين مستقبل أفضل لأبنائه وبناته، كما أشير هنا إلى أن الدول العربية الشقيقة لم تكتف بدعمها المبادرة المصرية، بل عملت على مناقشة الإجراءات الأخرى التي يمكن القيام بها لدعم الشعب الفلسطيني وقيادته للدفاع عن مصالحه على مختلف المستويات. أما على المستوى الدولي، فقد تلقيت اتصالات هاتفية من وزراء خارجية عدد من الدول لدعم الجهود المصرية، ومن بينهم وزير الخارجية الأميركي، ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا واليونان وكندا وأستراليا، بالإضافة إلى زيارتي توني بلير ممثل الرباعية الدولية إلى مصر، فضلا عن البيانات والتصريحات الإيجابية الصادرة عن الكثير من دول العالم.

* إذا انتقلنا إلى ملف إقليمي آخر لا يقل خطورة عن الوضع في غزة وهو الوضع في العراق، تجري مصر اتصالات مكثفة منذ بداية الأزمة العراقية الأخيرة، وقمتم بزيارة أخيرا إلى بغداد، فما نتائج هذه الزيارة، وكيف ترون مستقبل الأوضاع في العراق؟

- الوضع في العراق الشقيق شديد التعقيد، ومصر معنية بأمن واستقرار العراق الذي هو جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي العربي، وفي هذا الإطار جاءت زيارتي إلى هذا البلد العزيز بتكليف من السيد الرئيس كتعبير عملي عن حرص مصر على العلاقات التاريخية بين البلدين وعلى صيانة الأمن العربي. وقد تواصلت خلال الزيارة مع كبار المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء ووزير الخارجية المكلف، وكذا مع وزير الخارجية السابق هوشيار زيباري ومع رئيس البرلمان السابق، وقد حرصت خلال لقاءاتي المختلفة على تأكيد أن مصر تعي تماما أن هناك من يسعى إلى تأجيج الخلافات في العراق وإبعاده عن أي فرصة لتحقيق التوافق الوطني المنشود، وأن التحدي الحقيقي يكمن في أن تنجح القوى الوطنية في التوافق على مشروع وطني يجمع كل أطياف الأشقاء بالعراق، وأن هذا من شأنه تمكين العراق من التصدي بكل حزم للمخططات الهدامة، ومواجهة التطرف والإرهاب، ووأد المحاولات الرامية لتأجيج حالة الانقسام السائدة على الساحة العراقية. كما أكدت خلال اللقاءات كافة التي أجريتها استعداد مصر الكامل لتقديم العون والدعم اللازمين لمساعدة العراق، حكومة وشعبا، للخروج من المأزق الراهن، وأننا نقف بكل قوة مع سيادة العراق ووحدة أراضيه، وأنه إذا كانت هناك أخطاء قد وقعت في إدارة الشأن العراقي على مدى السنوات العشر الماضية، وهي أخطاء ربما ساهمت دون شك فيما وصل العراق إليه اليوم من وضع يهدد بتفكك إحدى أهم الدول العربية، إلا أن ذلك لا يعني أن يترك العراق وحده يواجه مشاكله دون دعم قوي من مصر والدول العربية، وأنه قد آن الأوان أن تسعى القوى الوطنية لتشكيل حكومة وحدة عراقية تجمع أطياف المجتمع بأسره وتكون مقبولة لدى جميع القوى السياسية بحيث يشعر المواطن العراقي بأنه ممثل تمثيلا حقيقيا في هذه الحكومة. وفي هذا الصدد، أود الإشارة إلى أن مصر تتطلع إلى أن ينجح البرلمان العراقي بأسرع ما يمكن في اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من خلال التوافق الذي يسمح للمؤسسات الدستورية باستكمال دورها في إعادة بناء العراق كدولة مدنية حديثة قادرة على لعب الدور المهم المنوط به على الساحة الإقليمية والدولية. كما أود أن أشير في هذا الصدد إلى زيارتي إلى كل من الأردن والكويت قبل توجهي إلى العراق، التي أكدت وجود توافق عربي حول عدم كفاية الحل الأمني في مواجهة الإرهاب والتطرف في ضوء تضامن عدد من قوى المجتمع العراقي مع الحراك الحاصل ضد الحكومة، وأنه من المهم أن تطرح حلول سياسية تسمح بإعادة اللُحمة بين مختلف مكونات الشعب العراقي، لكي يتسنى توحيد الجهود في مواجهة التطرف وتقوية مفهوم الدولة في العراق على أساس المشاركة ومراعاة مصالح الجميع. وهناك نية لمزيد من التحركات المصرية على صعيد الملف العراقي بغية بلورة موقف عربي واضح حول كيفية حماية الأمن الإقليمي من التطورات في العراق وكيفية حماية العراق نفسه من الصراع المذهبي الذي يهدد تماسكه كدولة ذات سيادة ويهدد أمن منطقة المشرق العربي، وهو أمر خطير يستوجب تضافر القوى العربية في مواجهته.

* وهل أطلقتم مبادرة لدعوة القوى العراقية لعقد اجتماع لتوحيد صفوفها، وما مدى صحة ما تردد حول إبرام صفقات ثنائية للتعاون الاقتصادي والتجاري والنفطي بين البلدين خلال الزيارة؟

- أود توضيح عدم صحة ما تردد إعلاميا فيما يتعلق بطرح مبادرة لعقد القوى العراقية اجتماعا لتوحيد صفوفها أو أن الزيارة استهدفت إبرام صفقات ثنائية للتعاون الاقتصادي والتجاري والنفطي بين مصر والعراق. الجانب العراقي أبدى بالفعل رغبته في تفعيل العلاقات الثنائية مع مصر في مختلف المجالات، إلا أنني أكدت بوضوح في لقاءاتي كافة مع المسؤولين العراقيين على أن موضوع تفعيل العلاقات الثنائية مرجأ حاليا، وأن الأولوية الآن هي لدعم العراق حتى يمكن أن يتغلب على مشاكله الداخلية.

* وماذا عن مستقبل العلاقات مع دول الخليج؟

- علاقة مصر بدول الخليج العربي وثيقة وتاريخية، تزداد قوتها على مدار السنين. مصر تهتم بأمن الخليج وسلامة دوله ولا تسمح بأي حال من الأحوال بالمساس به لأنه جزء من أمننا القومي في مصر. وعلاقات مصر بدول الخليج تمتد إلى مجالات سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية وغيرها من المجالات التي تشهد باستمرار تطورا ملموسا وقدرا عاليا من التنسيق المشترك بما يحقق أمن واستقرار المنطقة، خاصة في هذا التوقيت بالغ الدقة الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط والتحديات التي تواجه المنطقة العربية بشكل خاص. ولست بحاجة إلى أن أؤكد من جديد تقدير مصر لوقوف دول السعودية والإمارات والكويت والبحرين معها على نحو يجسد بحق روح التضامن العربي الذي ندعو إليه ويستلهم نماذجه البارزة في تاريخ الأمة العربية.

* وماذا عن تطورات الملف السوري؟

- أتصور أن هناك توافقا عاما على أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة في سوريا، وأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد الذي سيعود إليه الجميع في نهاية المطاف، ورغم ذلك، فالحلول السياسية التي طرحت من قبل لم تنجح، بما في ذلك عملية جنيف، الأمر الذي أدى إلى استمرار الصراع العسكري على الأرض، حيث يأمل كل طرف مسلح أن يحسم الأمر لصالحه عسكريا وهو أمر نراه مستبعدا. هناك بعض من قوى المعارضة المعتدلة التي لديها الاستعداد للتوصل إلى حل سياسي إذا كان هذا الحل سيعني الانتقال نحو مرحلة جديدة من حكم سوريا تحقق تطلعات السوريين نحو دولة ديمقراطية لا تحكمها الطائفية ولا التطرف، وهو طرح تدعمه مصر وسنعمل على الدفع به. وقد تواصلنا مع قوى معارضة كثيرة للتقريب بين رؤاها والعمل على توحيد مواقفها، وسوف نستمر في التواصل مع «الائتلاف الوطني» الذي نرحب به في مصر وباتخاذه القاهرة مقرا له، كما أننا نتواصل مع أطراف معارضة أخرى للدفع بالحل السلمي بالتنسيق مع الدول العربية والقوى الإقليمية وقوى المجتمع الدولي المؤثرة، وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة.

* يزداد الوضع في ليبيا تدهورا خلال الأيام الأخيرة، وشاركت مصر في اجتماع دول الجوار الليبي في تونس أخيرا، فكيف ترون مستقبل الأوضاع في ليبيا؟

- الوضع في ليبيا للأسف ليس أفضل حالا، فالصراع المسلح الذي تشهده ليبيا حاليا ينم عن ضيق أبناء الشعب الليبي من الأسلوب الذي حكمت به البلاد على مدى السنوات الثلاث الماضية، والذي جنحت فيه بعض القوى إلى الضغط على مؤسسات الدولة الليبية بوسائل وأساليب مختلفة للتأثير في قراراتها وسياساتها على نحو دفع الشعب الليبي لرفض هذه المؤسسات وأدائها في دولة تملك إمكانات هائلة، يفترض أن يستفيد منها شعبها ويحقق التنمية والرخاء بدلا من أن يغرق في صراعات قد تهدد وحدة الأراضي الليبية. ومصر تولي الشأن الليبي اهتماما خاصا، ليس باعتبارها دولة جوار فحسب، وإنما لخصوصية العلاقة مع شعب ليبيا الشقيق، ومن ثم هناك حرص من جانبنا على متابعة الشأن الليبي بدقة وعلى العمل على تمكين ليبيا من الخروج من هذه الأزمة، وفي سبيل ذلك تقوم مصر بجهود مضنية لحث التيارات كافة في ليبيا على التفاهم عبر الحوار فيما بينها حول كيفية العودة إلى المسار السياسي وإلى استكمال عملية بناء المؤسسات، وما من شك أن إجراء الانتخابات البرلمانية في 25 يونيو (حزيران) الماضي كان خطوة مهمة على الطريق الصحيح، ونأمل أن تسفر عن تشكيل حكومة ليبية يمكن للدول الداعمة لليبيا التعامل معها. وقد حرصت مصر منذ البداية على تأكيد أهمية قيام دول الجوار الجغرافي لليبيا على تناول الوضع السياسي والأمني هناك باعتبار أنها الأقرب جغرافيا لليبيا والأكثر تضررا من الأوضاع بها في ضوء الحدود المشتركة التي تجمع بينها وبين ليبيا وما تتضمنه من مخاطر تهدد الأمن القومي لهذه الدول. وفي هذا السياق، شجعت مصر تأسيس آلية عقد اجتماعات وزارية لدول الجوار الجغرافي، حيث جرى بالفعل عقد ثلاثة اجتماعات في الجزائر ومالابو (عاصمة غينيا الاستوائية). كما شاركت مصر أخيرا في الاجتماع الرابع لدول جوار ليبيا الذي عقد في تونس لطرح الحلول على الجانب الليبي، وقد اتفق المشاركون على آليات تسمح بالتنسيق مع المسؤولين الليبيين وبتقديم الدعم والمساعدة لمؤسسات الدولة الليبية وتمكينها من ممارسة دورها في أعقاب تشكيل الحكومة وفقا لنتائج الانتخابات التي تعكس الإرادة الشعبية لليبيين. وقد أكدت مصر خلال الاجتماع استمرار دعمها الآلية الجديدة لدول الجوار من أجل التعامل مع التحديات التي تواجه مستقبل ليبيا وأمن دول المنطقة. وقد تقرر أن تستضيف مصر الدورة التالية لاجتماع وزراء خارجية دول الجوار في النصف الأول من أغسطس (آب) المقبل، كما اتفق خلال الاجتماع على رئاسة مصر لجنة العمل السياسي المنبثقة عن آلية دول الجوار للتحرك بشكل عملي في الملف الليبي. كما نستعد لاستضافة مؤتمر أمن الحدود الليبية لدعم أجهزة الأمن الليبية، ومساعدتها في ضبط الحدود.

* ماذا عن قضية سد النهضة، ما التقدم الذي جرى تحقيقه على صعيد هذا الملف؟

- نلمس في الآونة الأخيرة تطورا في هذا الملف نتيجة جهود مكثفة بذلتها الدبلوماسية المصرية، نتج عنها تغير مواقف الكثير من الأطراف المعنية ومؤسسات التمويل الدولية بملف سد النهضة، وذلك بعد تفهمهم مشروعية الشواغل المصرية، فضلا عن التغير الذي طرأ على مواقف بعض دول حوض النيل لمراعاة خصوصية الوضع المصري بالنسبة لنهر النيل، كونها دولة صحراوية ذات كثافة سكانية ضخمة وليس لها أي مصدر آخر للمياه، ولقد جاء التطور الأبرز في الآونة الأخيرة من خلال اللقاء الذي عقد بين السيد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الإثيوبي في مالابو والذي أبرز وجود رغبة جادة لدى الطرفين في تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية، والتزاما إثيوبيا واضحا بعدم الإضرار بمصالح مصر المائية. وقد جاء البيان المشترك الصادر عن هذا اللقاء ليعبر بوضوح عن كل تلك المعاني، وليدشن مرحلة جديدة تتطلع فيها قيادتا الدولتين إلى نسق من التعاون والتفاهم المشترك من خلال تأكيد الالتزام بمبادئ التعاون والاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام القانون الدولي وتحقيق المكاسب المشتركة والاتفاق على البدء الفوري بالإعداد لانعقاد اللجنة الثنائية المشتركة خلال ثلاثة أشهر، وتأكيد محورية نهر النيل بصفته موردا أساسيا لحياة الشعب المصري ووجوده، وكذلك إدراكهما احتياجات الشعب الإثيوبي التنموية، فضلا عن تأكيد احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة وتجنب إضرار بعضهما ببعض، كما أعلنت إثيوبيا أخيرا ترحيبها بالحوار الثلاثي بمشاركة السودان للتوصل إلى اتفاق بشأن مشروع سد النهضة. كما أود أن أشير إلى اللقاء المهم الذي عقده السيد رئيس الجمهورية مع رئيس جمهورية تنزانيا الاتحادية، والذي تطرق إلى المقترحات التنزانية المطروحة لإعادة تنشيط الحوار بين دول حوض النيل لإيجاد أرضية مشتركة تسمح بتجاوز النقاط الخلافية في الاتفاقية الإطارية غير المكتملة لمبادرة حوض النيل، وهو جهد محل تقدير من جانب مصر وقيد الدراسة حاليا. وفي النهاية، أود تأكيد أن قضية الأمن المائي تقع على عاتق أجهزة الدولة المختلفة وليس وزارة الخارجية فقط، باعتبار أنها قضية أمن لا تهاون في التعامل معها.

* هل لك أن تطلعنا على تطورات العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية؟

- بشكل عام، العلاقة بين مصر والولايات المتحدة علاقة استراتيجية ذات تاريخ ممتد، يسعى الطرفان من خلالها إلى تحقيق مصالحهما المشتركة، وهناك تفاهم بين الطرفين على أهمية هذه العلاقة، رغم وجود اختلافات في الرؤى حول عدد من القضايا. ولا شك في أن الإدارة الأميركية تدرك أن مصر لم تعد تسمح بأن يجري التدخل في شؤونها أو القبول بأي إملاءات أو شروط في إطار هذه العلاقة، التي يجب أن تظل قائمة على مبادئ الندية في التعامل وحماية المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والاحترام المتبادل.

* يتردد أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ألغى زيارته التي كانت مقررة إلى القاهرة لمناقشة تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، فما مدى صحة هذه المعلومات؟

- هذه المعلومات غير دقيقة على الإطلاق، فالوزير كيري قرر تأجيل الزيارة نتيجة لارتباطات تخص جدول أعماله، بل على العكس فقد كان كيري حريصا على الحضور إلى القاهرة للتشاور بشأن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، وذلك في ضوء تقدير الولايات المتحدة لأهمية المبادرة، إلا أن الزيارة تأجلت كما أوضحت لارتباطات تخص الوزير الأميركي، لكنه حرص من جهة أخرى على الإعراب عن دعم الإدارة الأميركية المبادرة المصرية لاحتواء الموقف المتدهور في غزة، وذلك خلال الاتصالات المتتالية التي تلقيتها منه والتي جرت بيننا على مدى الأيام الماضية، والتي تأتي في إطار التشاور المستمر سواء فيما يتعلق بتطورات الموقف في غزة أو القضايا الأخرى في المنطقة.