لاقى اللبنانيون سريعا مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي قدّم بموجبها مليار دولار لتسليح القوى العسكرية اللبنانية لدعمها في مكافحة الإرهاب بعد المواجهات التي شهدتها بلدة عرسال في شرق لبنان، فتوافق القادة الأمنيون على خطة لصرف الهبة السعودية، على أن يديرها رئيس الحكومة الأسبق زعيم تيار المستقبل سعد الحريري العائد بعد غياب قسري استمر 3 سنوات إلى لبنان.
وقالت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع الأمني الذي عُقد في السراي الحكومي أول من أمس فور عودة الحريري، وحضره إلى جانب سلام والقادة الأمنيين، انتهى إلى «توافق على خطة لصرف الهبة تقضي بأن يُعد قادة الأجهزة لوائح باحتياجات مؤسساتهم، وهم شرعوا في ذلك، يقدمونها بعدها للوزراء المعنيين، أي وزيري الدفاع والداخلية، اللذين يعرضانها بدورهما على رئيس الحكومة، على أن تُستكمل الآلية القانونية من خلال طرح الهبة على مجلس الوزراء مجتمعا على أنّها عينية للشروع في صرفها».
وأوضحت المصادر أن الحريري سيعمد بعدها لتأمين الاحتياجات المطلوبة، كون المملكة العربية السعودية أمّنته على هبة المليار دولار، لتخصيصها لدعم القوى الأمنية والجيش في معركتهم للدفاع عن لبنان ودحر الإرهاب.
وكان الحريري أعلن خلال الاجتماع الأمني المذكور أنّه «مؤتمن على إنفاق الهبة السعودية في الوجهة المخصصة لها، وتقديمها كهبة عينية إلى الجيش والقوى الأمنية، بمتابعة الرئيس سلام ومجلس الوزراء ووفق الأصول القانونية».
ووضع الحريري أمس مجموعة الدعم الدولي للبنان، والتي تضم سفراء الدول الكبرى، في أجواء المساعدة التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز للبنان، والاتصالات والجهود المبذولة لوضعها موضع التنفيذ العملي «لتلبية حاجات الجيش اللبناني والقوى الأمنية لتمكينها من القيام بالمهام الملقاة على عاتقها، لمكافحة الإرهاب وترسيخ الأمن والاستقرار»، عارضا معهم أيضا المساعدات التي يمكن أن تقدمها دولهم هذا الإطار.
وكانت قوى «14 آذار» عقدت مساء الجمعة اجتماعا استثنائيا موسعا لها في «بيت الوسط» مقر الحريري لتهنئته بالعودة إلى بيروت، شكرت خلاله الملك عبد الله بن عبد العزيز على «التفاتته الكريمة دعما الجيش اللبناني والقوى الأمنية في معركتهم الشرسة ضد الإرهاب، والذي أوكل دولة الرئيس سعد الحريري بتنفيذ هذه المساعدة مع الحكومة اللبنانية». وطالبت هذه القوى بضبط الحدود اللبنانية السورية من خلال نشر الجيش، مدعوما بقوات الأمم المتحدة، كما يتيح القرار 1701، مشددة على أن «ضبط الحدود بكل الاتجاهات لا يكتمل إلا بانسحاب (حزب الله) الفوري من القتال الدائر في سوريا، منعا لتكرار ويلات تهدد لبنان وأمنه، كما حصل في بلدة عرسال الصامدة ومحيطها».
ولم تترك عودة الحريري آثارا مباشرة وسريعة على الملف الرئاسي اللبناني الذي لا يزال يراوح مكانه، مع دخول البلاد اليوم الـ78 من دون رئيس للجمهورية.
وخرق المراوحة على صعيد هذا الملف اتصال رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بالحريري لتهنئته بالعودة، علما بأن التواصل بين الزعيمين قائم لكنّه تعرقل أخيرا في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية مع إصرار عون على ترشحه وربط الحريري موقفه بقرار مسيحيي قوى 14 آذار غير المؤيدين لرئاسة عون، صاحب أكبر كتلة مسيحية في البرلمان اللبناني.
وبرز موضوع الانتخابات النيابية الواجب إتمامها قبل نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فبعدما نقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه رفضه تمديد ولاية المجلس الحالي، معتبرا أن الظرف الحالي ملائم لإجراء الانتخابات في موعدها، اعتبر وزير الداخلية نهاد المشنوق في تصريح بعد لقائه بري أن الوضع الأمني يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها «وكلنا يرى ويعيش ما يجري من تطورات أمنية من حريق في المنطقة يمتد إلى لبنان».
ويؤيد وزير الداخلية السابق مروان شربل رؤية بري للموضوع، معتبرا أن الانتخابات النيابية يجب أن تحصل في موعدها، باعتبار أن «اللجوء لخيار التمديد لا يعبّر إلا عن نية بعدم إجرائها بصرف النظر عن الأحوال الأمنية، وهي نية مرتبطة إلى حد بعيد بموضوع قانون الانتخاب الذي يبقى نقطة خلافية جوهرية بين الفرقاء». واعتبر شربل، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع الأمني الحالي في كنف حكومة سلام أفضل مما كان عليه في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي»، لافتا إلى أن «70 في المائة من المشاكل الأمنية تراجعت». وقال «لا يمكن الجزم بحصول أحداث أمنية خلال العملية الانتخابية كما لا يمكن الجزم بالعكس، ولكن يمكن تنظيم هذه العملية بطريقة تقطع الطريق على المخلين بالأمن خاصة في المناطق التي تتمتع بخصوصية معينة».
ورأى شربل أن تمدد «داعش» إلى لبنان والمواجهات التي حصلت بين عناصر التنظيم والجيش اللبناني أخيرا في عرسال «ليست سببا وجيها لعدم إجراء الانتخابات، فوجود (داعش) محصور حاليا في بلدة عرسال، وبالتالي يمكن وضع صناديق الاقتراع في منطقة بعيدة عن الحدود وعن مساحات التوتر الأمني».