مسؤولون أميركيون: مستشارون قانونيون أكدوا لأوباما أن ما يجري للإيزيديين إبادة فأمر بالتحرك

كشفوا عن أن سيطرة «داعش» على سد الموصل كانت عاملا مهما في قرار شن الضربات الجوية

صورة نشرت على الموقع الإعلامي لتنظيم «داعش» أمس تظهر اثنين من مسلحيه في سد الموصل (أ.ف.ب)
TT

مع دخول العمليات العسكرية والإنسانية الأميركية في شمال العراق يومها الرابع اليوم قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، الذي لا يزال يقوم بجولة في الهند، إن «نحو 80 في المائة من شحنات الغذاء والماء، التي أسقطتها طائرات على جبل سنجار حيث عشرات الآلاف من النازحين الإيزيديين، وصلت إلى أهدافها. وإن هذا يزيد احتمال إسقاط مزيد من الشحنات خلال الأيام القليلة المقبلة».

وركز هيغل على المدنيين المحتجزين في جبل سنجار. وقال إن «72 حزمة أسقطتها الطائرات هناك. لكن، في وقت لاحق»، قال مسؤول في البنتاغون إن «63 من 72 حزمة وصلت إلى أهدافها. وإنها تشمل ثمانية آلاف وجبة جاهزة، و5.300 غالون ماء». وأضاف المسؤول أن «وجود قرابة 40 ألف شخص في المنطقة يحتم إرسال المزيد».

وامتنع المسؤول عن الحديث عن العمليات العسكرية. ولم يتحدث عن مصير أكثر من عشر شحنات إنسانية أسقطت، لكنها لم تصل إلى أهدافها. واكتفى بالقول إن نظام «جي بي إس» الفضائي ملحق بكل شحنة، ويوجهها إلى هدفها.

وحسب تفاصيل أعلنها البيت الأبيض، فإنه عندما غادر الرئيس أوباما قمة القادة الأفارقة الأربعاء الماضي، في وزارة الخارجية، قفز راكب إضافي في سيارته الليموزين لرحلة العودة إلى البيت الأبيض الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وكان يحمل معلومات جديدة عاجلة عن العراق. وبعد 36 ساعة، كانت الطائرات الأميركية تلقي قنابلها على العراق، للمرة الأولى منذ أن أعلن أوباما، في ديسمبر (كانون الأول) عام 2011، نهاية ما سماها «حربنا هناك». وأنهت هذه القنابل آمال أوباما في إنهاء تورط الولايات المتحدة المباشر في حروب الشرق الأوسط، التي هيمنت على كل سنواته في البيت الأبيض.

وحسب هذه التفاصيل، قال أوباما لمستشاريه في آخر اجتماع لمجلس الأمن القومي، مساء الأربعاء، بحضور الجنرال ديمبسي، إنه لا خيار له. وكان الاجتماع شهد عرض خرائط وصور وبيانات، خصوصا من شمال العراق، وخصوصا عن اقتراب مقاتلي «داعش» من أربيل، عاصمة إقليم كردستان. وشهد الاجتماع اتصالات هاتفية سرية مباشرة مع السفارة الأميركية في بغداد، ومع قوات أميركية في أربيل.

واستعرض أوباما الوضع، ثم أسرع إلى الجناح العائلي في البيت الأبيض، حيث كانت زوجته تنتظره للعشاء.

وصباح الخميس، عاد مسؤولون أمنيون وعسكريون إلى البيت الأبيض في وقت مبكر لاستعراض آخر التطورات، ومنها تقرير من السفارة الأميركية في بغداد، جاء فيه: «يتدهور الوضع بسرعة كبيرة. وأربيل تواجه الخطر. والناس يفرون منها».

وقال مسؤول اشترك في آخر اجتماع إن «سقوط سد الموصل، على نهر دجلة، في أيدي (داعش) كان علامة خطر محدق في كل العراق. وصولا إلى بغداد، حيث تقع السفارة الأميركية على نهر دجلة أيضا». وقال المسؤول: «كانت السيطرة الإرهابية على سد دجلة بعد انسحاب قوات البيشمركة منه، دافعا كبيرا لقرار الضربة العسكرية». وأضاف المسؤول «سألنا أنفسنا: ماذا إذا دمر (داعش) سد الموصل؟».

وفي الساعة العاشرة صباح الخميس، انتقل الاجتماع إلى قاعة مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، برئاسة أوباما. وحسب استشارات قانونية عرضت على المجلس، تأكد أن ما حدث للإيزيديين، ثم المضايقات للمسيحيين، على أيدي «داعش» ليس إلا إبادة. وقدم الاستشارات الرئيسة خبراء قانونيون واستخباراتيون من وزارة الخارجية. وقال واحد منهم، في وقت لاحق: «جاءتنا قصص إعدامات جماعية، وناس يموتون من العطش، ونساء سبين». وأضاف: «سمعنا قصصا كثيرة عن القتل والدمار والجوع والعطش. لكن، لأول مرة، سمعنا عبارة (إبادة جماعية) أثناء مناقشات المجلس».

وقال المسؤول إنه، في ذلك الاجتماع، عبر أوباما عن ارتياحه بأن شحنات من الطعام والماء ستسقط على الإيزيديين ليلة الخميس بتوقيت واشنطن. لكن، أضاف أوباما أنه «يميل للمضي قدما للموافقة على ضربات جوية على مواقع (داعش) في المنطقة». وقدمت له خيارات، وقال إنه «سينظر فيها في اجتماع مقرر في نفس اليوم» ، أي الخميس.

غادر أوباما البيت الأبيض للتوقيع على مشروع قانون قدامى المحاربين في قاعدة «فورت بلفور»، في ألكساندريا، بولاية فرجينيا، خارج واشنطن.

ومساء يوم الخميس، كان استؤنف الاجتماع في غرفة العمليات، واستمر لثلاث ساعات. هذه المرة، انضم إليه، على شاشة فيديو، وزير الخارجية جون كيري، الذي كان في جولة في أفغانستان. وأيضا، انضم، من الهند، وزير الدفاع تشاك هيغل. وكانت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، سامانثا باور، على شاشة منفصلة. وأيضا، قائد القيادة المركزية الأميركية الوسطى الجنرال لويد أوستن.

مع نهاية هذا الاجتماع، كان أوباما اتخذ قراره النهائي بشن غارات جوية. وتحولت المناقشة إلى الكيفية التي سيجري بها عرض القرار على الكونغرس، وعلى الشعب الأميركي، وجرى الإعداد لخطاب قبل منتصف الليل يوجهه أوباما إلى الشعب الأميركي تسبقه اتصالات مع قادة الكونغرس.

وجرى توقيت الخطاب مع بداية إسقاط المساعدات الإنسانية، والتي قرر أوباما أن يركز عليها مثل تركيزه على العملية العسكرية. وكان قال ذلك للذين يكتبون له الخطاب، وذلك حتى لا يفهم أن عودة القوات الأميركية إلى العراق عمل عسكري فقط، ولكنه عمل إنساني أيضا.

بالنسبة للعمليات العسكرية، رفض البنتاغون الحديث عن عمليات اليوم الثاني. وكان البنتاغون أعلن، أول من أمس، أن طائرات «إف إيه 18» قامت بالهجوم الأول. وأنها أسقطت قنابل موجهة بالليزر زنة 500 رطل. وأنها انطلقت من حاملة الطائرات «جورج بوش الأب». وكانت تحرسها طائرات مقاتلة. وحسب معلومات قدمها الجنرال المتقاعد كولبي هوارد، تحمل كل واحدة من هذه الطائرات جهاز توجيه فضائيا بأشعة الليزر. ويسمى «سيلف ليزر» (موجه ذاتي) أو «بودي ليزر» (ليزر مرافق). وفي الماضي، كانت هذه الطائرات تستخدم نظام «دجام» (الضرب المباشر) بمساعدة نظام «جي بي إسي» الذي يحدد المواقع بالأقمار الصناعية.

وقال الجنرال جون ستروبردج، وهو، أيضا، عسكري متقاعد: «في العراق وأفغانستان كانت هناك بعض الحالات التي لم يستطع فيها الطيارون التعرف بشكل إيجابي على الهدف من دون التعاون مع وحدات أرضية، قبل إنزال القنابل». وقال إنه ليست لديه معلومات كافية عما حدث في شمال العراق. لكنه، يعتقد أن وحدات أرضية يمكن أن تكون ساعدت الطيارين وهم يحلقون فوق المنطقة. وقال: «ليس سهلا على طيار (يحلق على ارتفاع أبعد من مدى الصواريخ الأرضية) معرفة أي شاحنة تتبع لـ(داعش)، وأي شاحنة تتبع للقوات العراقية».

وعن احتمال تدمير قوات «داعش» سد الموصل، قال كيث جونسون، خبير في مجموعة «فورين بوليسي»، التابعة لمركز غراهام «واشنطن بوست» سابقا: «يمكن أن يكون سد الموصل من أخطر أسلحة الدمار الشامل». وأشار إلى أنه أكبر سدود العراق. وأضاف: «إذا دمر السد، ستغرق كل الموصل خلال ساعات، وسيرتفع مستوى الماء في بغداد 15 قدما، وسيبلغ عدد الغرقى نصف مليون». وأشار إلى أنه، في عام 2007، خلال احتلال القوات الأميركية للعراق، أرسل الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوت الأميركية في العراق، وريان كروكر، السفير الأميركي في العراق، خطابا إلى نوري المالكي، رئيس وزراء العراق، جاء فيه أن سد الموصل، الذي بناه الروس عام 1980، يقوم على قواعد غير ثابتة. ويواجه «خطر الانهيار» وقال جونسون: «هذا التقييم لا صلة له باحتمال نسف (داعش للسد(». وقال جونسون إن «(داعش) كان سيطر على سد النعيمية على نهر الفرات، غرب العراق. لكن، يظل سد حديثة، وهو الآخر يقع في محافظة الأنبار، في أيدي القوات العراقية». وأضاف: «إذا سيطر (داعش) على سد حديثة، فإنه سيقدر على إغراق كل مزارع المنطقة، وعرقلة إمدادات ماء الشرب هناك». وأشار إلى أن «داعش» كان قد سيطر على سد صغير قرب الفلوجة، وفتح الماء وراءه، مما جعل أكثر من 50 ألف شخص يهجرون المنطقة، التي تقع بين الفلوجة وأبو غريب، بالقرب من بغداد.

من ناحية ثانية ، جلب مسلحو «داعش» الذين سيطروا على سد الموصل، أكبر سدود في العراق، مهندسين لإصلاحه، حسبما قال شهود أمس.