دعوات إلى «أخلقة» سلوك المصرفيين لتجنب الأزمات المالية

من بينها فرض قسم مماثل لقسم الأطباء عليهم

TT

هل يمكن أن يشكل قسم أبقراط للمصرفيين سلوك عمالقة القطاع المالي؟

يعتقد أحد مراكز الأبحاث التي يقع مقرها في المملكة المتحدة ذلك الأمر؛ حيث أصدرت ريسبابليكا (ResPublica)، منظمة مستقلة غير حزبية، ومقرها في لندن، تقريرا بعنوان «الخدمات المصرفية النزيهة»، قدم اقتراحات لإصلاح القطاع المصرفي. وكان من بين التوصيات الواردة بالتقرير أن يؤدي الممولون قسما يسمى «قسم المصرفي»، على غرار قسم أبقراط للأطباء.

وينص جزء من القسم المقترح على الآتي: سأتصدى للتبذير والمخالفات أينما واجهت ذلك، بينما نص جزء آخر على: إذا لم أخالف هذا القسم، قد يمكنني الاستفادة من الازدهار الذي ينجم عن خدمة العملاء بشكل جيد.

فكرة القسم هذه مخصصة لهدف سهل. وصاغت مجلة «مانيجمينت توداي» (Management Today) نصا ساخرا لقسمها، قائلة: لن أحاول التلاعب بالأسعار، حتى إذا توسل إليّ الآخرون. سأترك هذا الأمر لتضطلع به البنوك المركزية. وفي رسالة إلى صحافية «الإندبندنت»، قال مسؤول خدمات مالية متقاعد، إن الفكرة «جعلتني أجفل» وكان ستيوارت هيريتج، التابع لصحيفة «الغارديان»، صريحا بشأن فرص نجاح تلك الفكرة، قائلا: «إنني مستعد للقسم بأنني سآكل ساقيّ إذا نُفذت هذه الفكرة».

وقد تبدو الفكرة غير منطقية بالنسبة للبعض، ولكنها ليست بالفكرة الجديدة، فقد اقترح المسؤولون الحكوميون العاملون في هذا القطاع وحتى الشعراء شيئا مماثلا، فبالعودة إلى عام 2010، اقترح مدير صندوق أسكوتلندي أداء الممولين قسما: «لمعاملة عملائي في كل الأوقات بالطريقة التي أود معاملتي بها». واعتبارا من ذلك العام، كان على الموظفين العاملين في البنوك الهولندية التعهد بذلك، وفي حال عدم الامتثال تُفرض عليهم غرامات، أو يجري إدراجهم في القوائم السوداء، أو وقفهم عن العمل. وورد بالقسم الآتي: أقسم بأنني سأبذل قصارى جهدي للحفاظ على وتعزيز الثقة في قطاع الخدمات المالية. ساعدني يا الله (الجزء الخاص بالله اختياريا).

وبالعودة مجددا إلى الولايات المتحدة، فقد اشترى ماركوس ستوبس، الكاتب والشاعر المقيم في بولدر بولاية كولورادو - موقع الويب www.bankersoath.com عام 2012، وصاغ نص القسم الخاص به، وينص جزء منه على التالي: سأبتعد عن التصرفات السيئة المتعمدة، آخذا في الاعتبار أن إغواء الثروة يؤثر في الحكم على الأمور بشكل جيد. ويقول ستوبس إنه وزّع مئات النسخ خارج المباني الإدارية في وول ستريت عام 2012، وتراوحت ردود الفعل بين اللامبالاة الكلية إلى اندهاش أحد المصرفيين للغاية من الأمر وعاد من طريقه ليتحدث مع ستوبس لأكثر من ساعة من الزمن. وأقر أن سعيه القليل لتحقيق ذلك الأمر لم يحظ باهتمام كبير، قائلا: «في الحقيقة لم يزدد عدد زائري موقع الويب على الإطلاق»، وأضاف: «ولكنني واصلت المسيرة».

قد تكون الجهود التي بذلها ستوبس غير معروفة، ولكن فكرة القسم المهني لمديري الأعمال التجارية - إن لم يكن المصرفيين - حظي باهتمام حقيقي في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. وفي مقال نُشر بمجلة «هارفارد بيزنس ريفيو» عام 2008، دعا أستاذان بمدرسة هارفارد للأعمال، وهما راكيش كورانا ونيتين نوريا (عميدة المدرسة الآن) المديرين إلى أداء قسم أبقراط، وهي الفكرة التي أوضحها كورانا في كتابه عام 2007 المعنون «من الغايات الأعلى إلى الأيدي المستأجرة». وقالا في مقالهما إنه عندما انطلقت كليات إدارة الأعمال لأول مرة منذ قرن مضى، كان الغرض منها ضمان أن الشركات «ستعمل بما يتماشى مع مصالح المجتمع من خلال تحويل الإدارة إلى مهنة حسنة النية، جنبا إلى جنب الركيزة التعليمية، والشهادات، وقواعد السلوك التي تتماشى معها».

وأضافا أنه لم يحدث منذ ذلك الحين أن استطاعت الإدارة أن تستفيد بأن تصبح أشبه لحرفة مثل الطب أو القانون. نوريا وكورانا أصبحا عضوي مجلس الإدارة المؤسسين لمشروع القسم، وهي منظمة تسعى إلى إضفاء الطابع المهني على ممارسة الإدارة. إن «يمينها الأفلاطوني للأعمال التجارية» جرى دمجه في شكل ما لا يقل عن 78 كلية إدارة أعمال وأكثر من 52 ألف شخص وقعوا على اليمين.

وأصبح إقناع الطلاب بقيمة مثل تلك القاعدة يمكن أن يكون أكثر اختلافا من بيعها إلى البنوك وعلامات الدولارات في عيونهم. كتب جون دوبسون، أستاذ العلوم المالية بجامعة كاليفورنيا بولي تيكنيك الحكومية، في رسالة أرسلها لي عبر البريد الإلكتروني.. «تخميني أنه إذا طلب من الوجوه الجديدة في القطاع المصرفي أن يقسموا يمين الأخلاق قد يؤخذ الأمر بنفس جدية البواب الذي يتمنى لهم أن يقضوا يوما لطيفا».

وبعبارة أخرى: سيكون أداء اليمين في حد ذاته بالكاد فعالا. يجب أعمال اللوائح. ويجب تعديل المكافآت مالية. وفي بعض الحالات، ستحتاج ثقافة وقيادة المنظمات إلى التغير. يحذر روبرت ستيفن كابلان، أستاذ بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد ومدير تنفيذي سابق بغولدمان ساكس، من أن قسما لن يؤثر بالشكل المطلوب في مؤسسة يخشى فيها الناس من إثارة قضايا شائكة أو حيث لا تتفق الثقافة مع مضمون التعهد.. «إن اليمين في حد ذاته لا يمكن أن يؤدي مهمة القيادة أو تغيير ثقافة مختلة. على القادة أن يقوموا بذلك».

في الواقع، تقترح الورقة البحثية للمؤسسة اليمين كأحد أجزاء الحل. ولا تشمل توصياتها العشر سوى أن يحلف المصرفيون اليمين، ولكن أن يحدد القطاع غرضا شاملا للأعمال المصرفية، ويطبق واجبات ائتمانية أشد على المساهمين، ويزيد من التنوع وينافس أكثر على رضا العملاء. وسواء كانت تلك الوصفة، أو فكرة اليمين نفسها، ستساعد فعليا في إصلاح هذا القطاع أم لا، يبدو من المرجح أنها على الأقل لن تحدث أي ضرر.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»