الجيش الجزائري يتعقب أثر خاطفي الفرنسي وسط فرص ضئيلة لإنقاذه

فالس: باريس لن تخضع أبدا للابتزاز.. والضربات ضد «داعش» ستتواصل

TT

قالت مصادر أمنية جزائرية إن الأمل في تحرير مواطن فرنسي، تعرض للاختطاف مساء أول من أمس بمنطقة القبائل شرق العاصمة، يبقى «ضئيلا» على أساس أن خاطفيه معروفون بتشددهم، وأنهم مستعدون لإعدامه بحثا عن صدى إعلامي، لولائهم لتنظيم «داعش».

ونشر الجيش الجزائري المئات من أفراده بجبال جرجرة (120 كم شرق العاصمة)، صباح أمس، لتعقب أثر خاطفي بيير هيرفي غورديل، المدرّب المتخصص في تسلق الجبال، حيث يعتقد أنه يوجد في معقل للإرهاب بجبال جرجرة المعروفة بوعورة تضاريسها. وذكر مصدر أمني بالمنطقة، لـ«الشرق الأوسط»، أن قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح «يسهر بنفسه على تسيير عملية تمشيط المنطقة الجبلية، وهو على اتصال مستمر مع رئيس الوزراء (عبد المالك سلال) الذي كلفه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمتابعة تطورات الأزمة، بالتنسيق مع السلطات الفرنسية».

وخضع خمسة جزائريين كانوا مع غورديل لحظة الاختطاف داخل سيارة للاستجواب أمس لمعرفة أدق التفاصيل عن ظروف الاختطاف وعن الخاطفين. وكان هؤلاء يتدربون على يدي الفرنسي، وأطلق المختطفون سراحهم بعد وقت قصير من اعتراض طريق سيارتهم وهي في طريقها إلى سفح الجبل. واقتاد الخاطفون الرعية الفرنسي إلى مكان مجهول، بعد أن أمروا الجزائريين الخمسة بترك السيارة في مكانها والعودة أدراجهم راجلين.

ولم تتسرب معلومات عما ذكره الأشخاص الخمسة للمحققين، الذين ينتمون لفرع المخابرات المتخصص في محاربة الإرهاب. فيما نشر التنظيم المسمى «جند الخلافة» المنشق عن «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» حديثا، تبنيه عملية الاختطاف في شريط فيديو بثه على الإنترنت بعد ساعتين من الاختطاف. وظهر غورديل في الشريط وسط شخصين ملثمين، قال أحدهما إن التنظيم «يمهل الرئيس الفرنسي (فرنسوا هولاند) 24 ساعة لوقف اعتداءات قواته في العراق، وإلا سيجري إعدام الرهينة الفرنسي».

وقال المختطف إنه ولد بمدينة نيس جنوب فرنسا، وإنه مدرب متسلقي جبال، وصل إلى الجزائر في 20 سبتمبر (أيلول) الحالي، وأضاف «أنا حاليا بين يدي مجموعة مسلحة، تابعة لجند الخلافة». وناشد غورديل الرئيس هولاند قائلا «المجموعة التي تحتجزني طلبت مني أن أطلب منكم وقف تدخلكم في العراق. إنني أستحلفكم سيدي الرئيس أن تفعلوا كل ما في وسعكم لتخليصي من هذا الوضع».

وعرف عن غورديل ولعه بالتصوير والسفر، وسبق له الذهاب إلى المغرب حيث ينظم دورات تدريبية في جبال الأطلس منذ عشرين سنة، كما سافر إلى نيبال والأردن. وأوضح في موقعه الإلكتروني «كنت دائما أعشق تصوير هذه المناظر الخلابة في نظري (...) وفي الأطلس المغربي بدأت تطوير مهاراتي. أردت أن أصور الناس الذين يعيشون هناك».

وقالت والدة غورديل البالغة 82 سنة «هذا صعب بالنسبة لنا»، موضحة في تصريح لمجلة «ليكسبرس» أن ابنها وصل إلى منطقة القبائل السبت من أجل جولة في الجبال تدوم عشرة أيام. وأكدت، وهي بجانب زوجها البالغ 88 سنة، أنها تحدثت هاتفيا مع هيرفي آخر مرة (الأحد) يوم خطفه، وأكد لها أن «كل شيء على ما يرام، وأنه يمكن أن يكون من الصعب الاتصال به» خلال تجواله في الجبال خلال يومين.

وخلال الحرب الأهلية في الجزائر في تسعينات القرن الماضي، قتل ثلاثون فرنسيا من أصل مائة أجنبي على يد المجموعات الإسلامية المسلحة.

في غضون ذلك، أفاد المصدر الأمني الجزائري بأن مصالح الأمن فحصت شريط الفيديو، وأنها تأكدت أن الأمر يتعلق حقيقة بالمواطن الفرنسي بيير هيرفي غورديل الذي دخل إلى الجزائر السبت الماضي. وأوضح أن الأمن لم يحدد هوية الشخصين اللذين ظهرا في الشريط المصوّر. ورجح المصدر ذاته تدبير العملية من طرف عبد المالك قوري، المعروف حركيا بـ«خالد أبو سليمان»، الذي أعلن ولاءه لـ«داعش» وزعيمه البغدادي وانشقاقه عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي كان أحد أبرز قيادييه.

وأضاف المصدر، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة متمرس في محاربة الإرهاب «يحاول قوري من خلال هذا العمل، إطلاق نشاط فرع داعش في المغرب العربي ومنطقة الساحل بشكل رسمي. كما يسعى إلى استقطاب جهاديين من الدول المجاورة». وتابع «الجزائر هي أكبر متضرر من عملية الاختطاف هذه، لأنها تقول دائما إن أراضيها بمنأى عن الإرهاب، وحريصة على ألا تكون أرض جهاد كما هو الحال في شمال مالي».

وذكر بن عومر بن جانة، وهو عقيد متقاعد، لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر لا يعدو برأيي كونه محاولة لاستقطاب الإعلام الدولي للجهاديين الذين ينشطون بالجزائر خاصة، وفي منطقة المغرب العربي والساحل الأفريقي عموما. فهؤلاء فقدوا زمام المبادرة منذ سنوات، ولم تعد لديهم القدرة على تنظيم أعمال إرهابية، كما كانوا في السابق، لذلك يحاولون التأكيد على أنهم ما زالوا رقما في المعادلة الأمنية، من خلال إنشاء تنظيمات إرهابية جديدة والقيام بأعمال إرهابية من قبيل خطف أجانب».

وجاء في بيان لوزارة الداخلية الجزائرية أن «أفرادا قاموا بتوقيف سيارة بالقرب من قرية ايت وابان ببلدية اقبيل (ولاية تيزي وزو) كان على متنها مجموعة من الجزائريين، برفقة الفرنسي غورديل البالغ من العمر 55 سنة»، مشيرا إلى أن الرهينة «مرشد تسلق جبال مقيم منذ قدومه إلى الجزائر يوم 20 سبتمبر الحالي، بشاليه كائن بالقرب من مركب تيكجدة بولاية البويرة».

وأضاف البيان «بعد إطلاق سراح المواطنين الجزائريين والتخلي عن المركبة بعين المكان، احتفظ الخاطفون بالمواطن الفرنسي وحده وتوجهوا به نحو وجهة مجهولة.. وعلى أثر تلقي هذه المعلومات أطلقت قوات الأمن عملية تمشيط واسعة بالمنطقة ولا يزال البحث عن الرهينة جاريا».

وفي باريس، رفضت الحكومة الفرنسية بشكل قطعي أمس مهلة خاطفي رهينة فرنسي بالجزائر، وأكدت أنها تريد مواصلة الضربات الجوية في العراق ضد جهاديي تنظيم «داعش». وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل فالس أن بلاده لن «تتفاوض أو تتباحث» مع الخاطفين الذين يحتجزون رهينة فرنسيا في الجزائر منذ الأحد، موضحا أن فرنسا ستواصل غاراتها ضد تنظيم داعش، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف فالس في مقابلة مع إذاعة «أوروبا 1» أن باريس لن تخضع «أبدا للابتزاز». وقال «في حال تنازلنا ولو قليلا فذلك يشكل انتصارا للإرهاب». وتابع فالس أن «هذه الضربات ستتواصل والتزامنا مستمر طبعا».

ولم تشن فرنسا رسميا غارات جوية سوى مرة واحدة منذ إعطاء الرئيس فرنسوا هولاند الضوء الأخضر لبدء العمليات العسكرية للجيش الفرنسي.