التسرع في الحكم

TT

* بعد قراءتي مقال محمد النغيمش «فكّر قبل أن تحكم»، المنشور بتاريخ 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أود أن أقول: يجب ألا نتسرع في الحكم على الناس، وألا نصدر أحكاما جزافية دون أن نفهم موضوع القضية، وأن نستمع لكل أطرافها، وأن نعطي الفرصة للجميع لكي يدلي بدلوه وأن يدافع عن نفسه، وبعد أن تكتمل أركان القضية ونستوثق من وقائعها ونتيقن من ثبوت ارتكاب الفعل المخالف في حق شخص ما نوجه إليه الاتهام، ونعطيه الفرصة للدفاع عن نفسه، ثم نصدر الحكم بالإدانة أو بالبراءة، ومن ثم فإنه من الخطأ أن نصدر الحكم على شخص في قضية ناقصة لم تكتمل أركانها، ولم يجر التحقيق في وقائعها، ولم يعط المتهم فيها فرصة للدفاع عن نفسه في ما هو منسوب إليه، من الخطأ أن نصدر الحكم بناء على مجرد تخيلات أو أوهام وظنون، ومن الخطأ أن نصدر الحكم بعد سماع طرف دون سماع الطرف الآخر؛ فإن العدالة تقتضي الاستماع إلى جميع الأطراف وإعطاء كل طرف فرصة الدفاع عن نفسه، فإن لم يتحقق ذلك يعد الحكم الذي يصدر باطلا؛ لأنه بني على وقائع منقوصة، ولعل قضية القرن في مصر المتهم فيها الرئيس الأسبق حسني مبارك وآخرون خير دليل على ذلك، فقد صدر الحكم فيها في المرة الأولى على الرئيس مبارك بالسجن المؤبد؛ أي السجن مدى الحياة، ثم نقض الحكم فأحالت محكمة النقض القضية برمتها إلى محكمة الموضوع لنظرها من جديد بدائرة جديدة، وأسفر نظر القضية من جديد عن براءة مبارك مما هو منسوب إليه، وهو الاشتراك بالتحريض على قتل المتظاهرين في ثورة يناير، وثبت أن القضية حكم فيها أول مرة دون أن تكون مكتملة الأركان وتحت ضغط ظروف يصعب فيها الاستدلال على الحقيقة، إلا أن المحكمة في المرة الثانية حققت القضية تحقيقا دقيقا شاملا ولم تترك ثغرة واحدة، فبالله عليك لو كان الحكم الأول بالإعدام وأخذ بهذا الحكم ونفذ وأعدم الرجل، فمن كان سيتحمل وزر هذا؟ ولذلك يقول المثل «ياما في الحبس أو في السجن مظاليم»، أي كم من بريء يحبس أو يسجن ظلما بناء على معلومات ناقصة وغير دقيقة؟ وتقول الحكمة «إن تبرئة ألف مذنب خير من إدانة بريء واحد».. وعلى ضوء ما تقدم فإن الطبيب الضحية في القصة التي سردتها يستحق الشكر والثناء لا التوبيخ والإهانة من والد الطفل الذي أجرى له العملية التي تمت بنجاح.

فؤاد نصر - فرنسا [email protected]