كوبا: لن نغير نظامنا الشيوعي رغم تحسن العلاقة مع أميركا

فنزويلا في عزلة بعد التقارب الكوبي الأميركي التاريخي

نشطاء يرفعون الإعلام الأميركية في ميامي ضد التقارب الأميركي الكوبي أمس (رويترز) وفي الاطار الرئيس الكوبي راوول كاسترو يرد على أسئلة الصحافيين وقد تعهد في البرلمان أمس بعدم تخلي بلاده عن الشيوعية (أ.ب)
TT

تعهد الرئيس الكوبي راوول كاسترو أمس بعدم تخلي بلاده عن الشيوعية موجها الشكر للرئيس الأميركي باراك أوباما على قراره بإعادة العلاقات بين البلدين. وقال راوول كاسترو أمس في كلمة أمام البرلمان الكوبي الذي استقبله بحفاوة بالغة «بنفس الطريقة، فنحن لم نقترح قط أن تغير الولايات المتحدة نظامها السياسي، سنطالب باحترام نظامنا». واختتم راوول خطابه بالهتاف لأخيه فيدل كاسترو الذي لم يسمع عن أي تصريح له منذ إعلان هذا الأسبوع عن تغيير في العلاقات بين البلدين وأعرب راوول كاسترو عن سعادة الشعب الكوبي بالتقارب التاريخي بين كوبا والولايات المتحدة. وقال كاسترو أمس أمام البرلمان الكوبي: «الشعب الكوبي ممتن لهذا القرار العادل من الرئيس الأميركي باراك أوباما». وفي الوقت ذاته أكد راوول كاسترو على أن الحظر التجاري والاقتصادي على كوبا من جانب الولايات المتحدة سيبقي المشكلة الرئيسية بين البلدين قائمة. وحضر الخطاب 3 كوبيين أطلق سراحهم هذا الأسبوع في إطار اتفاق مع الولايات المتحدة. وتم سجن أعضاء ما يسمى بالـ«5 كوبيين» منذ عام 1998 في الولايات المتحدة بتهمة التجسس وقال مسؤولون أميركيون بأن التحول في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا يشير إلى تصور بفتح صادرات الولايات المتحدة من خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية والإنترنت لكنه يبقى على الحظر المفروض على واردات السيجار والسياحة الأميركية. ويمكن للكونغرس فقط رفع الحظر التجاري العام المفروض منذ عقود. ودعا أوباما إلى وضع حد للحظر، لكن لا يتوقع أن يرفع الكونغرس الحظر في وقت قريب، حيث أشار الرئيس إلى أن المشرعين قد يريدون أن يروا تقدما من كوبا قبل إلغاء الحظر، وأضاف كاسترو أن بلاده لن تتخلى أبدا عن مبادئها. وكان راوول وهو الشقيق الأصغر لزعيم الثورة الكوبية فيدل كاسترو، 88 عاما، رفض إدخال إصلاحات على نظام الحزب الواحد في كوبا. وكانت حكومتا كوبا والولايات المتحدة قد أعلنتا يوم الأربعاء الماضي، أنهما ستستأنفان العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد 50 عاما من انقطاعها. واحتفت الأوساط العالمية بهذه الخطوة التي اتخذتها الدولتان المتعاديتان آيديولوجيا بصفتها علامة بارزة في تاريخ البلدين إلا أن الحظر الأميركي على كوبا المفروض منذ 1962 سيبقى على حاله حتى إشعار آخر.

في غضون ذلك، بعد إعلان التقارب بين هافانا وواشنطن تجد فنزويلا الحليف الرئيسي للنظام الكوبي، نفسها معزولة ما قد يرغم رئيسها نيكولاس مادورو إلى التخفيف من لهجة خطابه الناري تجاه الولايات المتحدة على خلفية أزمة اقتصادية خطيرة. وقال المحلل السياسي نيكمر ايفانز وهو من تيار ينتقد السياسة التي أرساها شافيز لوكالة الصحافة الفرنسية «إن هذا الإعلان خض حكومة مادورو في سياستها تجاه الولايات المتحدة، بما في ذلك الخطاب السياسي المعتمد في الداخل الذي كان يرتكز إلى حد كبير على النضال ضد الإمبريالية وإدانة الحظر الأميركي على كوبا». ومنذ الأربعاء بدأ المعارض البارز انريكي كابريلس يشدد الضغوط على مادورو. وقال: «بينما تسعى كوبا إلى تحسين علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع الولايات المتحدة، تسعى حكومة نيكولاس لزيادة علاقاتها سوءا، لاستخدامها كحاجب دخان وتحويل الانتباه عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي نعيشها».

فمع تضخم سنوي بنسبة تزيد عن 60 في المائة ونقص خطير يشمل 40 في المائة من السلع الأساسية، تقترب فنزويلا من حافة التوقف عن السداد برأي الكثير من المحللين.

ويزداد الوضع سوءا يوما بعد يوما مع تدهور أسعار النفط في هذا البلد الذي يملك أكبر احتياطي للخام في العالم.. ويعد أيضا أبرز داعم اقتصادي لكوبا.

ويرجح أن يكون هذا الجانب لعب دورا أساسيا في المصالحة التاريخية المعلنة الأربعاء، إذ تخشى كوبا أن يؤثر الوضع الصحي لحليفها على المساعدة التي يقدمها إلى الجزيرة، وتزودها فنزويلا 60 في المائة من نفطها مع تسهيلات في الدفع وتشتري منها خدمات نحو 40 ألف مهني بينهم 30 ألف طبيب وممرض. ويعتبر الخبير الاقتصادي بافل فيدال من جامعة كالي (كولومبيا) أن التقارب «هو جهد إضافي تقوم به الحكومة (الكوبية) لتنويع اقتصادها وتقليص تبعية فنزويلا». ويتوقع في حال توقف التجارة بين كاراكاس وهافانا أن تغرق كوبا في «4 سنوات من الانكماش». ولفت ميلوس الكالاي الدبلوماسي الذي كان نائبا لوزير الخارجية إلى «أن كوبا عاشت تجربة الفترة الاستثنائية في التسعينات عندما سقط الدعم الاقتصادي لميثاق وارسو فجأة». وأضاف أن «الأزمة الاقتصادية البنيوية في فنزويلا دفعت الرئيس الكوبي راوول كاسترو إلى البحث عن بديل لئلا يؤخذ على حين غرة».

وتابع ميلوس الكالاي أن المفاجأة كانت لفنزويلا لأنه فيما كان يتفاوض سرا مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تقارب «كل شيء يدل على أن (راوول) كاسترو لم يتحدث مع مادورو في هذا الشأن». وكانت كاراكاس تجد في الجزيرة حتى الآن رفيقا في الخطاب الناري ضد الولايات المتحدة. لكن الدبلوماسي رأى «أنه أمر ذو مغزى أن تتبنى كوبا هذا الموقف البناء في وقت تتصاعد فيه المواجهة الكلامية لفنزويلا تجاه الولايات المتحدة» مضيفا: «إن نهج مادورو الراديكالي تجاه الولايات المتحدة يتباين مع طريق الحوار الذي سلكته كوبا، لكن ذلك قد يتغير». فمادورو الذي يواصل سياسة سلفه ومرشده الروحي هوغو شافيز الذي توفي في 2013 اعتاد على اعتماد خطاب حاد تجاه الولايات المتحدة، فيما لم يعد للبلدين أي تمثيل على مستوى سفير في عاصمتيهما منذ العام 2010». والإعلان الأخير عن عقوبات يتوقع أن يقرها الكونغرس الأميركي ضد الفنزويليين المتورطين في قمع المظاهرات ما كان من شأنه سوى أن يزيد الطين بلة. وقبل بضعة أيام فقط وصف الرئيس الفنزويلي هذه العقوبات بأنها «حمقاء». والأربعاء قبل الإعلان التاريخي لراوول كاسترو وباراك أوباما، حاول نيكولاس مادورو إقناع البرازيل والأرجنتين والأوروغواي وباراغواي المجتمعة معه في إطار قمة مركوسور في الأرجنتين بدعم إعلان ضد الولايات المتحدة بسبب هذه العقوبات. وبعد بضع ساعات تغيرت اللهجة بشكل ملحوظ فقال: إن بادرة أوباما شجاعة وضرورية للتاريخ. ورأى مكتب الاستشارات الأميركي ستراتفور «أن الصعوبات الاقتصادية المتزايدة التي تمر بها فنزويلا والاضطرابات المحتملة قد تحثه إلى اعتبار تحسن العلاقات هذا تهديدا ممكنا على المدى الطويل». ولمعالجة هذا الوضع قد يسعى إلى الاقتداء براوول كاسترو. وأضاف المكتب «أن مادورو قد يكون لديه دافع إضافي للسعي إلى تحقيق تقاربه الخاص مع الولايات المتحدة»، مذكرا بأن محادثات قد جرت في الأشهر الأخيرة لكنها لم تفض إلى أي نتيجة حتى الآن. وأكد الرئيس الكوبي راوول كاسترو أول من أمس أن الاقتصاد الوطني الذي شهد هذا العام تباطؤا في النمو، سيبقى أولوية لدى سلطات الجزيرة الشيوعية في الأشهر المقبلة.

وقال كاسترو إثر الدورة البرلمانية النصفية في هافانا بأن «الاقتصاد هو الموضوع الرئيسي الذي ينبغي التصدي له ومن واجبنا أن نبدي حياله اهتماما تاما من أجل التطوير الدائم للاشتراكية في كوبا». وأضاف أمام أعضاء البرلمان الـ612 الذين يجتمعون مرتين سنويا أن «التحدي الذي نواجهه كبير جدا. ينبغي الارتقاء بالاقتصاد ليكون بقدر المكانة السياسية التي اكتسبتها هذه الجزيرة الصغيرة في الكاريبي بفضل الثورة الاشتراكية التي انطلقت العام 1959 ويتوقع أن يشهد الاقتصاد الكوبي هذا العام تباطؤا في النمو نسبته 1.3 في المائة، وهي النسبة الأعلى منذ تسلم راوول كاسترو السلطة خلفا لشقيقه فيدل اعتبارا من 2006. لكن الرئيس توقع أن يتجاوز النمو العام 2015 4 في المائة». وأوضح أن البرنامج الاقتصادي للعام المقبل يلحظ سياسة لإحياء الصناعة المحلية وخصوصا بفضل الاستثمارات الأجنبية.