مقاتلون في مواجهة «داعش» بالأنبار.. لكل قصته مع التنظيم المتطرف

«الشرق الأوسط» تواكب معركة الدفاع عن ناحية البغدادي

مقاتلو العشائر جنبا إلى جنب مع رجال الشرطة في مواجهة «داعش» في ناحية البغدادي («الشرق الأوسط»)
TT

ابتدأ صباح السبت الماضي بدوي انفجار سيارة مفخخة يقودها انتحاري عند حاجز أمني في أحد مداخل ناحية البغدادي التابعة لقضاء هيت (64 كلم غرب الرمادي مركز محافظة الأنبار). ورغم صغر حجمها وقلة إمكاناتها أبت ناحية البغدادي أن تخضع لسيطرة مسلحي تنظيم داعش الذي يسيطر على 85 في المائة من مساحة الأنبار.

أعقبت ذلك الانفجار موجة قصف للمدينة بقذائف الكاتيوشا. هرع أهالي المدينة إلى حمل أسلحتهم والانتشار لأخذ مواقعهم التي اعتادوا على التمركز فيها بعد أي محاولة للهجوم من قبل مسلحي تنظيم داعش.

وصلت الأوامر إلى مقاتلي العشائر بفتح النار فمسلحو «داعش» قد عاودوا الكرّة محاولين هذه المرة أن يدخلوا المدينة من الجهة الشرقية. هاجم المسلحون المدينة من محورين مستخدمين آليات عسكرية تتقدمها مدرعات ومن خلفها عربات همر.

تصدى أهالي المدينة ومقاتلو العشائر وتشكيلات من الجيش والشرطة المحلية للهجوم وبدأ الشيخ مال الله برزان العبيدي، شيخ عشيرة العبّيد وقائد مقاتلي العشائر في المنطقة، بإجراء اتصالاته مع قيادة عمليات الأنبار وبعض شيوخ العشائر القريبين من ناحية البغدادي لغرض الإسناد فالمعركة كما يقول العبيدي «ستكون طويلة وحاسمة هذه المرة».

«الشرق الأوسط» سألت الشيخ مال الله: «لماذا ستكون المعركة حاسمة هذه المرة؟». أجاب: «أنا أجريت اتصالاتي لغرض استدعاء بعض القوات من عشيرة البونمر لأننا اتفقنا على أن نحاصر مسلحي داعش ونبيدهم جميعا هذه المرة».

اشتد القتال ووصل الإسناد وتمت محاصرة المسلحين من قبل مقاتلي عشائر البونمر ودارت رحى معركة طاحنة فيما قصفت طائرات التحالف الدولي مسلحي تنظيم داعش ووفرت غطاء جويا لمقاتلي العشائر.

صالح، 24 سنة، أحد المقاتلين في صفوف العشائر كان يتمركز في أقرب نقطة للتماس مع المسلحين المهاجمين. رغم ذلك كان يستخدم سلاحه عند الرمي بشكل متقطع وعندما انتهى الاشتباك انسحب من موقعه ليكون قريبا من رفاقه. بسؤاله عن سبب كل ذلك الاندفاع والمغامرة بحياته بالاقتراب كثيرا من المسلحين، أجاب «أنا أتمركز بالقرب منهم لأقتنص من هم في طليعة المهاجمين كي تهبط معنوياتهم في التقدم. منذ طفولتي أهوى القنص والصيد واليوم أنا أقتنص أعدائي وأعداء الإنسانية. هؤلاء المسلحون قتلوا زملائي في جامعة الأنبار. أنا طالب جامعي كنت اذهب لكليتي في الرمادي وفي يوم من الأيام هاجم مسلحو (داعش) الجامعة وفتحوا علينا نيران أسلحتهم ونحن عزّل وقتلوا الكثير كان بينهم اثنان من أعز أصدقائي. أنا اليوم أنتصر للعراق ولأهلي ولمدينتي ولمحمود وليث».

أما «أبو أحمد»، المقاتل البالغ من العمر 48 سنة، فيقول: «كنت أسكن قبل مجيئي إلى هنا في منطقة حي التأميم في مدينة الرمادي وبعد دخول مسلحي تنظيم داعش وسيطرتهم على مناطقنا، بعد انسحاب قوات الجيش والشرطة الاتحادية والمحلية، كان لا بد لنا أن نتأقلم ونرضى مجبورين بالتعايش مع الأمر المفروض والواقع لأننا مدنيون لا حول لنا ولا قو ة وليس بمقدورنا مجابهة تنظيم مسلح بهذا الحجم والقوة». ويضيف «في أحد الأيام خرجت مع زوجتي لجلب بعض احتياجات البيت من السوق القريبة وإذا بسيارة يستقلها 4 مسلحين تعترضنا ونزل منها 4 مسلحين اتجهوا نحونا وقال لي أحدهم.. من هذه التي معك؟ قلت إنها زوجتي.. فقال ولماذا لم تأمرها بارتداء النقاب لتغطي وجهها؟ قلت له إنها محجبة الحجاب الإسلامي ومنذ يوم زواجي بها وحتى قبل زواجي هذا هو زيّها وزي باقي نساء المدينة. قال لي أحدهم: اصفعها إذن على وجهها كي ترتدي النقاب، هيا اصفعها الآن. أجبته لا.. لن أصفع أم أولادي بغير ذنب وبلا خطيئة».

ويضيف «أبو أحمد»: «قالوا لي إذن أنت تخالف شرع الله.. وأنت من يمنعها ارتداء النقاب..أنت لا تطبق شرع الله.. وجهوا أسلحتهم نحوي ثم قالوا لزوجتي أنتِ أمام خيارين إما أن تخلعي نعالك وتضربيه على رأسه أمام الناس 10 مرات وإما سنقتله أمامك. خلعت زوجتي نعالها وبدأت بضربي أمام الناس وهي تبكي لكي تنقذني».

بعد هذا الحادث قرر «أبو أحمد» مغادرة المدينة وجاء إلى هنا حيث أقاربه في ناحية البغدادي وهو اليوم مقاتل في صفوف العشائر يحارب مسلحي تنظيم داعش الذين أهانوه واستباحوا مدينته.

الشيخ مال الله العبيدي، قائد مقاتلي العشائر في البغدادي، يشرف بنفسه على توزيع الطعام والعتاد على المقاتلين.

بعض النساء في ناحية البغدادي كان لهن دور كبير في المساهمة في المعركة هذه فهن تارة يحملن السلاح وأخرى يقمن بإعداد الطعام للمقاتلين. هكذا كان المشهد هنا في ناحية البغدادي التي غادرناها بعد أن انتهى القتال بانتصار هذه المدينة الصغيرة.