مخاوف مسلمي فرنسا تتزايد بسبب أعمال إرهابية يقوم بها أفراد ينتسبون إلى جاليتهم

وزير الداخلية: أعلنا التعبئة العامة ضد المتطرفين.. ورئيس الجمهورية ينبه إلى انتشار الهلع بين المواطنين

TT

مع كل يوم يمر في فرنسا، يصبح الجو أكثر ثقلا بالنسبة للمسلمين الفرنسيين أو للمسلمين الذين يعيشون في هذا البلد حيث يزيد عدد الجالية المسلمة على 5 ملايين نسمة. وما بين تكاثر الأعمال التي تربط بين الإسلام والإرهاب ودعوة أحد الصحافيين الفرنسيين إلى التفكير في ترحيلهم إلى بلادهم، فإن هؤلاء أخذوا يضيقون ذرعا بأن توجه إليهم أصابع الاتهام أحيانا لكونهم غير صالحين للاندماج في المجتمع الفرنسي وتقبل قيمه وأحيانا أخرى لأنهم يملأون السجون وأخيرا لمسؤوليتهم عن أعمال «إرهابية» إن من خلال انضمامهم إلى منظمات متطرفة إرهابية في سوريا والعراق أو لما يشكلونه من خطر عند عودتهم إلى الأراضي الفرنسية.

في الأيام الـ3 الأخيرة، سلطت الأضواء على «الإرهاب الإسلامي» من خلال عمليتين حصلتا يومي السبت والأحد. وقد بلغ التخوف من تحولها إلى مسلسل متواصل حدا دفع رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند إلى تناول الموضوع في مجلس الوزراء ودعوة الفرنسيين إلى «عدم الانصياع للهلع» وإلى التزام «أقصى درجات الحذر». من جهته، أعلن وزير الداخلية برنار كازنوف أن باريس «أعلنت التعبئة العامة ضد الظاهرة الجهادية». ونبه كازنوف مواطنيه إلى أن «الإرهابيين يسعون لتخويف الفرنسيين» وأنه إذا ما استقر الهلع في النفوس، فإنهم «يكونون قد حققوا أول انتصار». ولذا، يرى وزير الداخلية أنه يتعين «مقارعة الخوف ما يعني مقارعة الإرهاب».

منذ أشهر طويلة، تقرع باريس ناقوس الخطر وتحذر من استفحال ظاهرة المتطرفين الفرنسيين الذين يغادرون إلى سوريا والعراق. وبحسب وزير الداخلية نفسه، فإن أعداد هؤلاء «تضاعفت» في العام 2014 لتتخطى سقف الألف متطرف 20 في المائة منهم اعتنقوا الإسلام حديثا.

ورغم الإجراءات والقوانين الجديدة التي سنتها فرنسا، فإن هذه الظاهرة تتنامى والخوف الكبير أن يعود هؤلاء وأن يعمدوا إلى تنفيذ عمليات إرهابية في فرنسا تلبية للدعوة التي أطلقها «داعش» منذ نحو الشهرين وفيها حث المسلمين في الولايات المتحدة وفرنسا وكندا إلى استهداف مصالح هذه الدول بأي طريقة توفرت. وأكد كازنوف الأسبوع الماضي أن 4 عمليات إرهابية تم تلافيها على الأراضي الفرنسية في الأشهر الأخيرة كما أن الأجهزة الأمنية نجحت في تعطيل 13 خلية تعمل على تجنيد المتطرفين فيما وضع القضاء يديه على أكثر من مائة حالة.

بيد أن ما حصل يومي السبت والأحد رفع منسوب المخاوف. فيوم السبت هاجم «بلال» وهو أفريقي أسود من بوروندي اعتنق الإسلام حديثا واسمه الحقيقي برتراند زوهابونايو مركزا للشرطة في مدينة صغيرة تدعى جويه ليه تور (وسط غرب فرنسا) وشهر سكينا أصاب به 3 من أفراد الشرطة وهو يصرخ «الله أكبر». وقد أطلق شرطي كان موجودا في المقر النار على هذا الشاب المولود في العام 1994 وأرداه قتيلا. وبحسب مصادر التحقيق، فإن بلال الذي لم يكن في مرمى الأجهزة الأمنية، عرف مؤخرا بتشدده ووضع صورة لعلم داعش على صفحة «فيسبوك» الخاصة به. وجزم وزير الداخلية وكذلك مصادر التحقيق أن عملية يوم السبت مرتبطة بـ«التطرف الإسلامي».

أما يوم الأحد، فإن مسلما آخر لم تكن قد كشفت هويته بالكامل، هاجم بسيارته وهي من نوع رينو «كليو» 3 مرات مشاة في وسط مدينة ديغون «جنوب شرقي باريس». وسمع عدد من المارة الرجل الذي صدم بسيارته 13 شخصا يصرخ «الله أكبر». وبعد مطاردة في شوارع المدينة، قبض عليه. وتفيد المعلومات التي أفرجت عنها وزارة الداخلية وكذلك المدعية العامة في ديغون أن الرجل البالغ من العمر 40 عاما «معروف من قبل أجهزة الشرطة» بسبب أعمال سرقة وجنح مختلفة. ووصف شهود عيان مشهد السيارة وهي تدهس المارة بأنه كان «مرعبا». لكن يبدو، وفق المدعية العامة في ديغون أن الرجل مريض نفسي أو حتى أنه «مختل عقليا» وأن ما قام به «ليس عملا إرهابيا» بينما التزم وزير الداخلية الذي زار ديغون بالأمس التحفظ بقوله إن «الدوافع ليست مؤكدة» وداعيا إلى «الحذر» ومنبها من «الاستعجال» في استخلاص النتائج. أما الناطق باسم الحكومة الوزير ستيفان لو فول فقد أكد عدم «وجود علاقة» بين الحادثتين.

كل هذه التطورات التي تضاف إلى ما يأتي مباشرة من المسرح السوري - العراقي وما تبين من وجود فرنسيين شاركوا في عمليات الذبح التي ينفذها «داعش»، تضع مسلمي فرنسا في موقف حرج. وقد فهمت وزارة الداخلية وشؤون العبادة المخاطر الكامنة في توجيه أصابع الاتهام نحو المسلمين فأعلن كازنوف أن ما يحصل «ليس ظاهرة جماعية تخص المسلمين بل تراكم مبادرات فردية» لا أكثر منبها من تجريم المسلمين الذين هم أول من يدين هذه العمليات.

ولا يكفي المسلمين هذا الفيض من الشكوك والاتهامات إذ ما زاد الطين بلة أن أحد الصحافيين المعروفين واسمه أريك زمور وهو مواطن فرنسي يهودي ولد في المغرب، قد دعا في حديث لصحيفة إيطالية إلى «ترحيل» المسلمين الذين يرى فيهم الكثير من المشاكل التي تعرفها فرنسا.