كلف الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية التونسية أمس الحبيب الصيد تشكيل الحكومة الجديدة كمرشح من قبل حركة نداء تونس، الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، ليحسم بذلك خلافا داخليا حادا طفا على النقاشات داخل الحركة بين متمسك بتعيين مرشح من داخل الحزب وبين مدافع عن ترشيح شخصية سياسية مستقلة لتولي هذه المهمة.
وتسلم الصيد بشكل رسمي من رئيس الجمهورية رسالة تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة. وإثر تكليفه برئاسة الحكومة من قبل رئيس الجمهورية كما ينص على ذلك الدستور التونسي، قال الصيد في تصريح صحافي مقتضب إنه سيشرع في مشاورات مع المجتمع المدني والأحزاب السياسية لتشكيل أول حكومة في الجمهورية الثانية، ملتزما بالسعي إلى تشكيلها في أسرع وقت ممكن.
وبالإعلان عن تكليف الصيد، فإن إجراء مشاورات تشكيل الحكومة سيكون في أجل لا يتجاوز شهرا ليعلن يوم 5 فبراير (شباط) المقبل في أقصى الحالات عن تشكيلة الحكومة التي ستخلف حكومة مهدي جمعة.
في غضون ذلك، أفاد مصدر مسؤول في رئاسة الحكومة التونسية أن مهدي جمعة هنأ خلفه الحبيب الصيد بالتكليف الرئاسي. وأبدى وفق نفس المصدر استعداده للتعاون بهدف تسليم السلطة في أحسن الظروف.
وسلم محمد الناصر رئيس البرلمان التونسي، ونائب رئيس حركة نداء تونس، صباح أمس ملف ترشيح الصيد إلى الرئيس قائد السبسي بقصر قرطاج.
وقال الناصر في مؤتمر صحافي عقده بقصر الرئاسة إن حركة نداء تونس «التزمت بما نص عليه الدستور وبالآجال القانونية المضبوطة والمحددة»، في إشارة لانتهاء أجل الأسبوع المحدد يوم أمس لترشيح شخصية لرئاسة الحكومة. ونفى الناصر وجود تأخير في الكشف عن اسم مرشح حزب حركة نداء تونس لرئاسة الحكومة.
وبشأن شخصية الصيد والمعايير التي جرى وفقها اختياره لرئاسة الحكومة، قال الناصر «حصل خلال المشاورات اختلاف في وجهات النظر والرأي حيث هناك من رأى ضرورة أن يكون رئيس الحكومة من خارج الحركة».
وتابع قائلا إن الرأي استقر في نهاية الأمر «على اختيار شخصية مستقلة لها خبرة في المجال الاقتصادي والتنموي ولها دراية بالملف الأمني». وأردف قائلا: «هذه الخصال تتوفر في شخصية الصيد من دون إغفال تمرسه بالمهام الحكومية بعد تحمله لأعلى منصب في وزارة الداخلية عقب الثورة».
وبشأن الجدل الذي سبق ترشيح رئيس للحكومة، قال الناصر إن «نداء تونس» أجرى مشاورات متنوعة مع عدة أحزاب لاختيار الشخصية التي تتوفر فيها كافة الشروط لتولي رئاسة الحكومة. وذكر أن المشاورات شملت أحزاب الاتحاد الوطني الحر بزعامة سليم الرياحي (حاصل على 17 مقعدا برلمانيا) وحزب آفاق تونس بزعامة ياسين إبراهيم (8 مقاعد) وحزب المبادرة الوطنية الدستورية بقيادة كمال مرجان (3 مقاعد).
ونفى الناصر علمه بوجود مشاورات مع حركة النهضة (69 مقعدا) وتحالف الجبهة الشعبية الذي يتكون من 11 حزبا سياسيا موزعا بين اليسار والقوميين (15 مقعدا).
في هذا السياق، أبدى زياد العذاري المتحدث باسم حركة النهضة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تفاعلا إيجابيا مع تعيين الصيد رئيسا للحكومة، وقال إن «النهضة» تلقت التكليف بكل إيجابية نظرا لخصال وشخصية ومهنية الصيد، التي تؤهله لأن يتولى هذا الموقع ويتحمل المسؤولية. وأضاف: «جرى التشاور مع حركة النهضة حول هذا التعيين»، وقال إنه يصب في منهج التوافق والتشاور والتعاون الذي تنادي به قيادات حزبه.
وبشأن استعداد حركة النهضة لدعم الحكومة المقبلة والمشاركة في تركيبتها، قال العذاري «نحن مستعدون للمشاركة إذا عرض علينا تصور يتفق مع رؤيتنا الاجتماعية والاقتصادية، ولكن الموقف النهائي سيتحدد على ضوء برنامج الحكومة المقبلة وتركيبتها».
وإثر الإعلان عن ترشيح الصيد لرئاسة الحكومة، قال حمة الهمامي المتحدث باسم تحالف الجبهة الشعبية «إن تكليف الصيد يعد رسالة أولى سلبية للشعب التونسي»، وعبر عن تخوّفه من وجود تعليمات مباشرة من قصر قرطاج للحكومة، بعد تكليف الصّيد تشكيل الحكومة الجديدة.
وأضاف أن الصيد من أبرز الوجوه التي عملت مع نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي وكذلك مع «الترويكا». أما أحمد الصديق رئيس الكتلة البرلمانية لتحالف الجبهة الشعبية في البرلمان، فأشار بدوره إلى أن حركة نداء تونس لم تف بالتزاماتها تجاه الجبهة الشعبية عند تعيين رئيس الحكومة.
وأشار إلى تجاهل استشارة تحالف الجبهة الشعبية بخصوص تسمية رئيس الحكومة. وأضاف كذلك أن «نداء تونس» لم يف بالتزام معنوي وأخلاقي سبق وأن أعلنه رئيس الجمهورية بشأن المشاورات الواسعة في إدارة البلاد، على حد تعبيره. وأشار الصديق إلى أن الجبهة الشعبية علمت بتعيين الصيد رئيسا للحكومة قبيل الإعلان الرسمي عن ترشيحه لهذه المهمة، عادا ذلك مؤشرا لا يبعث على الارتياح.
وكرد فعل على ذلك سيعقد الأمناء العامين لـ11 حزبا التي يتكون منها تحالف الجبهة الشعبية سيعقدون اجتماعا في غضون 24 ساعة للتشاور حول تعيين رئيس الحكومة.
وعلى صعيد متصل، التقى قائد السبسي رئيس الجمهورية أمس، قيادات الرباعي الراعي للحوار المكون من حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) ووداد بوشماوي رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (نقابة رجال الأعمال) ومحمد الفاضل محفوظ (نقابة المحامين) وعبد الستار بن موسى رئيس الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وعلى هامش هذا اللقاء، أكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في تصريح لوسائل الإعلام أن اللقاء كان بطلب من رئيس الجمهورية الذي أكد على أن تونس ما زالت في حاجة للحوار والتوافق والتشاور. وتابع قوله «لقد قال رئيس الجمهورية إنه رغم أنه ستكون لنا حكومة ومؤسسات دولة قائمة فإنه لا يمكن للحكومة أن تعمل بمعزل عن مختلف الأطراف وأن مؤسسة الحوار يمكن أن تكون فضاء تشاوريا مستمرا».
وأضاف العباسي أن مؤسسة الحوار الوطني ليست معنية مباشرة بالسلطة ولكنها معنية أساسا بالحوار السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولن تتوانى عن التدخل إذا ما طلب منها ذلك، على حد تعبيره. وذكر العباسي «نحن مستعدون لأن نكون فضاء حواريا إذا ما طلبت منا رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة ذلك أو أي من المؤسسات والأطراف.. نحن أيدينا ممدودة للحوار».
وتنتظر الحكومة التونسية المقبلة مجموعة كبرى من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. ومن أبرز تلك التحديات مطالبة عدة نقابات عمالية بفتح أبواب التفاوض مع الحكومة بشأن الزيادة في الأجور والحد من تدهور القدرة الشرائية للتونسيين، وهي مطالب أرجأتها حكومة جمعة على أساس أن الحكومة المقبلة هي التي ستتكفل بالمفاوضات مع الهياكل النقابية.
ووفق تصريحات قيادات حركة نداء تونس المعنية بتشكيل الحكومة المقبلة، فإن عدد أعضاء الحكومة لن يزيد عن 22 وزيرا و3 وزراء معتمدين (منتدبين) و10 كتاب دولة (وزراء دولة) ليكون عدد أعضائها 35 عضوا. ونادت عدة أطراف سياسية أبرزها حركة النهضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها معظم الأطراف السياسية.
ومن المنتظر البدء في مناقشة أسماء المرشحين لتولي حقائب وزارية في الحكومة الجديدة، إذ طفت بعض الأسماء بصفة أولية من بينها ترشيح غازي الجريبي وزير الدفاع الحالي لحقيبة العدل، وترشيح عبد الكريم الزبيدي الذي رفض رئاسة الحكومة لحقيبة الدفاع. وحسب تسريبات أولية سيجري التخلي عن لطفي بن جدو وزير الداخلية الحالي وسيرشح بدله رضا صفر الوزير المكلف الأمن في حكومة جمعة.