اللاعبون في لبنان من جميع الطوائف والنادي وجمهوره من لون واحد

الطائفية في الرياضة موجودة في كرة القدم وبدرجة أشد في أندية السلة والحرب تسببت في زيادة العصبية

TT

التنافس بين الاندية الرياضية اللبنانية ليس تنافساً بين شركات راعية لهذا الفريق او ذاك، او حمى لصراعات مباريات «الدربي» التقليدية، بل هو في الواقع يرتكز على خلفية طائفية، مذهبية ومناطقية.

فالهتافات الطائفية غدت واقعاً حاضراً بقوة في المباريات الرياضية خاصة في كرة السلة وكرة القدم، باعتبار ان الرياضات الباقية تعاني اما من ضعف واضح او لا يقبل عليها الجمهور بنفس النسبة او كونها رياضات غير شعبية ككرة المضرب والفروسية والغولف برغم انها الافضل حالياً. لقد باتت هذه الظاهرة الاجتماعية الحلقة الاكثر قابلية للتأثر والتأثير في النشاط الرياضي اللبناني ومن ابرز المعوقات التي تمنع الرياضة اللبنانية من المضي على طريق التقدم والاصلاح، بحيث يكون رد فعل الجمهور في المباريات على ضوئها وبتأثيرها سواء كان ذلك بشكل مباشر او غير مباشر. ونالت المدينة الرياضية في السلم نصيباً وافراً من العبث بمنشآتها نتيجة لعدم رضا الجمهور عن اداء حكم او نتيجة المباراة او حتى اداء فريقه، وكذلك ملعب بيروت البلدي وهما من المنشآت الحديثة التي تم بناؤها خصيصاً للدورة الرياضية العربية، وقبلها باقي الملاعب البلدية خاصة ملعب برج حمود الذي سقط فيه ضحايا للمرة الاولى مطلع التسعينات برصاص مشجعين في مباراة بين فريقي «السلام زغرتا» الشمالي و«الهومنتمن» الارمني.

وتنقسم الاندية وجماهيرها في لبنان، ومعظهما من جيل الحرب الذي ترعرع في ظروف صعبة للغاية، على اساس طائفي بالدرجة الاولى ومذهبي بالدرجة الثانية.

وتحتضن بيروت وضواحيها معظم تلك الاندية. ففي العاصمة يمثل نادي «النجمة» قاعدة عريضة هي الاولى في لبنان وينتمي بلونه مع «الانصار» و«الاهلي صيدا» الى الطائفة السنية برغم ان جلّ جمهوره من الطائفة الشيعية التي تتمثل بأندية «البرج» و«العهد» و«الساحل» و«التضامن صور»، فيما يمثل «الحكمة»الطائفة المارونية و«الراسينغ» طائفة الروم الارثوذكس و«الاخاء - الاهلي عاليه» و«الصفاء» الطائفة الدرزية و«الهومنمن» و«الهومنتمن» الارمن.

وتتداخل ايضاً مع مباريات تلك الفرق الابعاد السياسية والمناطقية. فقمة «الهومنتمن» و«الهومنمن» تشبه صراع الديوك بين مذهبين سياسيين للطائفة الارمنية في لبنان احدهما يميني يمثله «الهومنتمن». والآخر يساري يمثله «الهومنمن» وبكلمة اخرى صراع سياسي في الملعب بين حزبي «الطاشناق» و«الهنشاك». وقمة «الحكمة» و«الراسينغ» نزاع على زعامة منطقة الاشرفية (شرق بيروت) و«النجمة» و«الانصار» على زعامة بيروت ويشهد «التضامن صور» صراعاً ادارياً بين اليساريين وحركة «امل» التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري. ويمثل «العهد» الوجود الرياضي لـ «حزب الله» و«الصفاء» و«الاخاء» باتا يمثلان بالمطلق الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط.

ويقول رئيس نادي «النجمة» عمر غندور ان ظاهرة الشعب هي ظاهرة مستنكرة، فالتنافس الرياضي يجب ان يكون قائماً على الروح الرياضية وليس على صراعات متعددة الوجوه. ويؤكد بأن جمهور النجمة هو «ظاهرة بحد ذاته ولا يثور الا اذا رأى ظلماً قد لحق بفريقه وهو يمثل كل لبنان لان ادارته متنوعة وجامعة». ويصف غندور ظاهرة الطائفية في الاندية الكروية بانها «سيئة». ويقول: «انها لا يمكن ان تختفي الا بعدما يتقدم الشعور الوطني على الشعور الطائفي لدى اللبنانيين بصورة عامة». اما الحل الآني بنظره فهو تمثيل جميع الطوائف في الادارة الرياضية والا تكون مصبوغة بلون واحد، ولكن كي نصل الى رياضة سليمة يجب ان تبدأ المعالجة على الصعيد العام عبر مجموعة من القوانين والمراسيم. ويرى غندور ان كل الامور مسيسة «فالاتحاد السابق لكرة القدم لم يحل لولا تدخل القوى السياسية، والاتحاد الجديد لم يكن ليأتي لولا مباركة القوى السياسية له».

والغريب ان الادارات والجمهور ليسوا بصورة عامة كاللاعبين فجميع الفرق تقريباً تضم لاعبين من مختلف الطوائف والمذاهب، والاستثناء الوحيد على الصعيد الاداري هو تولي النائب انطوان اندراوس (المسيحي) رئاسة نادي الاخاء عاليه خلفاً لبهيج ابو حمزة (الدرزي) الذي بات اميناً عاماً لاتحاد كرة القدم.

ويعتبر المدير العام لوزارة الشباب والرياضة زيد خيامي ان ظاهرة الشغب موجودة في كل دول العالم لكنها تختلف في لبنان نظراً لتركيبة البلد السياسية والديموغرافية. ويرى ان الظاهرة في لبنان «محدودة ومحصورة ضمن اطار الهتافات والهتافات المضادة والاشكالات العادية التي ما تكاد تبدأ حتى تنتهي، بينما في العالم يلامس الشغب حدود الجريمة خاصة بوجود مراهنات نسمع بها فقط من دون ان نمارسها، لكن هنا تبدأ المشاكل عادية لتصل الى الطائفية والمذهبية». ويشدد خيامي مع ذلك على «ضرورة ايجاد حلول لها عبر التربية على اسلوب التشجيع وتوجيه وترشيد من قبل وزارة الشباب والرياضة والاتحادات واللجنة الاولمبية وادارات الاندية من خلال منشورات ومطبوعات وندوات وارشادات عبر الصحف ووسائل الاعلام منعاً لانعكاساتها السلبية على المجتمع».

ويختلف خيامي مع غندور فيشير الى ان «المعالجة لا تتم بدمج اداري لانه من الممكن ان تكون هناك منطقة من لون معين وفيها ناد يمثلها فهل يؤتى بأعضاء من باقي المناطق»؟.

ويرى حسن ايوب وهو لاعب كرة قدم (مسلم -شيعي) يلعب لفريق الحكمة المسيحي الماروني «ان الشغب والهتافات ذات البعد الطائفي تمنع اللاعب من العطاء وتشكل لديه حالة استياء»، ويرفض ان تتخطى حالة الاحتجاج الحد المطلوب متمنياً ان «يتحلى كل الجمهور بالثقافة الرياضية حتى لا تنحدر اللعبة الى الدرك الاسفل». ويروي ايوب الذي كان لاعباً سابقاً في نادي الصفاء كيف تعرض لعتب شديد من قبل احد الاندية المحسوبة على الطائفة الشيعية بعد تسجيله هدفاً منح فريقه السابق «الصفاء» الفوز والوصافة مطلع التسعينات وانزل «التضامن»- بيروت الى الدرجة الثانية.

وفي كرة السلة تبدو المشكلة جلية اكثر نظراً الى تنافس ناديين بصورة خاصة على زعامة السلة احدهما يمثل المنطقة الغربية لبيروت ذات الكثافة السكانية الاسلامية والآخر يمثل المنطقة الشرقية ذات الكثافة السكانية المسيحية وهما «الرياضي» و«الحكمة». وما حصل منذ فترة وجيزة على ملعب غزير (شمال بيروت) من تحطيم وتكسير للمقاعد والسيارات كان دليلاً واضحاً على مدى عمق المشكلة. وقد حاول رئيسا الناديين انطوان شويري وهشام جارودي ترطيب الاجواء عبر استنكار مشترك للاحداث التي رافقت المباراة واتخذ الاتحاد اجراءات تأديبية دون ان تحل المشكلة جذرياً. ويقول ياسر الحاج نجم النادي الرياضي انه يرفض كل ما من شأنه اعادة الحرب الى الاذهان في ملاعب كرة السلة لان ذلك يشوّه صورة الرياضة والرياضيين واسم لبنان لا سيما ان المباريات تنقل مباشرة الى الخارج، ويؤكد انه يقبل بردات فعل طبيعة ناتجة عن الحماس ليس الا. ويتمنى ان «تعير الادارات اهتماماً خاصاً بروابط الجمهور وتضع اجراءات رادعة بحق المخالفين لان ذلك غير موجود على ارض الملعب بين اللاعبين الذين يمثلون جميع شرائح المجتمع اللبناني وفئاته على ارض الملعب».

وبرغم ان معظم لاعبي النادي الرياضي من المسيحيين والعكس لدى نادي الحكمة فان ذلك لم يثن بعض الفئات المتهورة من الطرفين عن افساد معظم لقاءات القمة بين الفريقين. ويشير نجم لبنان ولاعب الحكمة ايلي مشنتف الى ان ردة الفعل لدى اللاعب هي ابشع شعور خاصة ان جميع لاعبي السلة في لبنان تربطهم صداقات قوية، وتمنى ان تستمر لقاءات الفريقين حضارية كما حصل في آخر لقاءاتهما ضمن بطولة لبنان التي يحمل لقبها الحكمة بما يخدم التعايش وهو ميزة لبنان. ويبدي مشنتف «تفاؤله خاصة ان الرياضة هي اهم وسيلة للتعبير عن تقدم ورقي الشعوب».

واذا كانت كرة القدم التي وضع على رأس ادارتها اتحاد جديد بعد اقالة الاتحاد السابق وامينه العام رهيف علامة، امام تحقيق انجازات، فان انجازات كرة السلة كانت واضحة اذ حصل «الحكمة» على بطولة العرب وبطولة آسيا وحل المنتخب اللبناني وصيفاً لبطولة الامم الآسيوية خلف الصين وبات اول منتخب عربي آسيوي يبلغ نهائيات بطولة العالم. وقد تكون تلك المشاركات الخارجية موحدة للجمهور، فقد تحلقت مجموعة من الشبان امام محل للصيرفة في شارع الحمراء ببيروت الغربية تهلل لفوز «الحكمة» على «الوحدة» السوري في نهائي دورة دبي الدولية.