الفنان السوري جمال سليمان: ازدادت ثقتي .. وقلقي!

TT

مما لا شكّ فيه ان لجمال سليمان رؤية مختلفة حول التمثيل، فجميع الاعمال التي قدّمها ذات قيمة وبعد اجتماعي ومغزى. من «الثريا» الى «الموت القادم الى الشرق» وصولاً الى صلاح الدين والمتنبي اليوم. اعمال عميقة عالجت قضايا جريئة.. وشخصيات جسّدها جمال سليمان ببراعة. خلال حواري معه، تأكدت ان شعبيته لا تنحصر بفئة واحدة، فمن الاطفال الى الشباب والسيدات والرجال، كثر اتوا لتحيته. في حديثه تتجلى ثقته بنفسه ومصداقيته. اليكم حواري معه.

* بعد سلسلة من الاعمال والادوار الناجحة (عكاش في الثريا وصلاح الدين والمتنبي)، الى اي مدى تشعر اليوم انك وصلت الى مرحلة متقدّمة من النضوج الفنّي؟

ـ اليوم اصبحت اكثر ثقة بنفسي وبالمقابل اكثر قلقاً، سأشبه الامر بالفلوس مع انه غير مناسب كثيراً لكن يقرّب الفكرة، من يملك مائة الف دولار ليعمل بها يقلق وبالمقابل من يملك مائة مليون... يقلق اكثر. لان الكتلة التي يشغّلها اكبر وحجم المشاريع ايضاً.. وبالتالي الخطورة اكبر. في البداية يكون الفنان في طور البحث عن نفسه يسعى الى توظيف هذه الموهبة في الصورة الامثل، حتى اخطاؤه تكون مبرّرة سواء بينه وبين نفسه او تجاه الناس، كما ان في البداية، الناس تهتمّ به من باب التعرّف اليه، اما في ما بعد فتدقق اكثر في اعماله، فالنقد يصبح اقسى ومتى هو لا يعد يغفر لنفسه، في العمل الفني من الصعب الشعور بالنضج التام..اليوم ثقتي بنفسي تضاعفت.

* تعتبر ان دور «عكاش» في الثريا شكّل مرحلة انتقالية في مسيرتك؟

ـ بالتأكيد، خصوصاً ان المسلسل حظي بمتابعة شديدة خاصة في بلاد الشام (لبنان وسورية والاردن). فضلاً عن ذلك كان دوراً صعباً فيه تحد على مستوى تجربتي الخاصة.

* الى اي مدى تعتبر ان براعة سوزان نجم الدين ساهمت في انجاح العمل... كذلك تقارب مستوى الممثلين عموماً؟

ـ مهنتنا مهنة جماعية اذ لا يمكن لاحد ان ينجح وحده. لا يمكنني ان اكون جيدا اذا ما كانت سوزان جيدة وباسم ياخور وخالد تاجا.حيّز البطل يبقى محدوداً...لان الجميع يحملون العمل للناس، انا أؤمن ان مستواي كممثل مرهون بمستوى العمل والعاملين.

* تعتبر ان مسلسلي صلاح الدين والمتنبي اليوم، يشكلان منعطفاً مهماً في حياتك العملية؟

ـ صلاح الدين مسلسل خاص بالنسبة لي بكل المعايير والمقاييس... ليس فقط كممثل بل كمشاهد عربي، لانه نفّذ باحترام شديد لصلاح الدين، شخصية صلاح الدين مهمة وعظيمة ليس فقط في عالمنا العربي انما في تاريخ العالم اجمع، هو من الاشخاص النادرين في رحلة صراع الامم.. اذ تحوّل اسطورة كما انه محترم جداً لدى اعدائه الذين قاتلوه. صلاح الدين لم يهزم اعداءه بالسيف فقط، انما هزمهم اخلاقياً وانسانياً. صنع مسلسل ناجح عن صلاح الدين شيء صعب وكذلك الاقتراب منه امر صعب. المسلسل كان عملاً خاصاً على كل المستويات، سواء التأليف او الانتاج. ما قدّمه حاتم علي اخراجياً ـ مهم جداً، وما قدمته شركة سورية الدولية (التي انتجته) خدمت المسلسل بشكل لائق جداً، اذ وصلت كلفته لحوالي مليوني دولار تقريباً وهي سابقة في تاريخ التلفزيون السوري.

* كيف تم التعاون بينك وبين منصور الرحباني، ليسند اليك دوراً في مسرحية المتنبي؟

ـ سبق وعملت مع مروان الرحباني في عمل مسرحي من انتاج وزارة الاعلام السورية، وذلك قبل اربع سنوات. جاءت فرصة المتنبي واتصل بي الاستاذ منصور، وكنت سعيداً بذلك. المتنبي شخصية مهمة وغير معقّدة ودوري يتحدث عن الجانب الذي له علاقة مع المتنبي، اي الذي يخدم هذه الشخصية. تشبثت بهذه الفرصة، كونه عملا مسرحيا مهماً وراقياً ويحترم شروط العمل المسرحي ويجول في الوطن العربي. ثم ان للعمل مع منصور الرحباني مكانة خاصة عندي، كوني من صغري اشاهد مسرحيات الرحابنة. اما اليوم فسأكون احد عناصرها.. شيء غير متوقّع.

* تعتبر ان اعمالاً كهذه ستشكّل اضافة اليك؟

ـ بالتأكيد ثم ان حتى العمل الفاشل يشكل اضافة لأن الانسان يتعلّم ويستفيد من الفشل احياناً اكثر من النجاح، لانه بمثابة درس يجعله يتوقف ويراجع نفسه.

* منذ حوالي خمس سنوات، وغالبية الاعمال التي تشارك فيها لها علاقة بالتاريخ... هل بطبيعتك تميل نحو هذا النوع تحديداً اكثر من غيره.

ـ اسعى الى الجودة، منذ مدّة عرضت عليّ اعمال معاصرة، كانت هناك عدّة اسباب للرفض، الدور مثلاً مناسب اكثر لممثل اصغر مني سناً، او ان العمل غير متكامل... عموماً ألحق الجودة والنوعية وشركة الانتاج التي سأعمل معها.

* من المعروف ان في التاريخ وتحديداً عند تجسيد شخصية مهمة... مجازفة، لان من الممكن ان لا يتقبل الناس صورة هذه الشخصية من خلال ذاك الفنان؟

ـ صحّ، لان لكل شخص صورة معينة في ذهنه عن تلك الشخصية، وعملية اقناعه بالصورة الجديدة غير سهلة، وحتى لو الشخصية التي يجسّدها الناس لم ترها (كصلاح الدين مثلاً) الا انها ترسم له بورتريه معيّناً... وليس من الضروري ان تتقبله بصورة الممثل التي يجسّده.

* تعرّضت اعمال الفانتازيا التاريخية السورية الى نقد مفاده انها لا تنقل الصورة بدقة... وذلك على لسان كبار المخرجين السوريين... ما رأيك؟ وهل تعتبر ان هناك اعمالاً نجحت في نقل الواقع التاريخي بشكل صحيح..واخرى لا؟

ـ الفانتازية التاريخية موجودة وليست اختراعاً سورياً. هي نوع ادبي موجود على الدوام وشبيه بالحكايات التي تنتمي الى الماضي غير المحدد بدقّة سواء بطريقة ساذجة او مليئة بالمعاني.. برأيي ان عدداً من اعمال الفانتازيا التاريخية السورية كانت مهمة جداً وشكّلت نقلة، المشكلة تكمن في استهلاك النجاح وتكرير انفسنا. فالتلفزيون اليوم لا يرى الا الفانتازيا التاريخية.. ليصنع منها اعمالاً. وما احب التنويه به، ان اكثر الافلام رواجاً اليوم في العالم هو «LORD OF THE RINGS» ويعتبر فانتازيا تاريخية.

* لا شكّ ان البروز القوي للمسلسلات السورية خفف من سطوة الدراما المصرية بعدما كان وجودها مطلقاً على مدار السنوات. برأيك ما هو ابرز سبب انها قدمت شيئاً جديداً؟

ـ ارفض هذه القاعدة.

* لكنها فرضت نفسها وشدّت نسبة مشاهدين مرتفعة جداً.

ـ نعم لانها دراما جيّدة، المضامين التي قدّمتها ـ وليس فقط في الاعمال التاريخية انما المعاصرة ايضاً ـ جعلتها تفرض نفسها... شيء طبيعي. ومن هذه الاعمال التي حصدت اصداءً ايجابية جداً: الخشخاش، الفصول الاربعة، دائرة النار، نهاية رجل شجاع... خان الحرير ويوميات مدير عام. هذه اعمال جيدة على مختلف المستويات وقدّمت مضامين ومعاني وتنتمي الى انواع فنية مختلفة فهي اما تاريخ معاصر او عمل معاصر تماماً. وبرأيي لنجاح هذه الاعمال هناك سببان: الاول: هناك عمق في الكتابة. الثاني: هناك مدرسة في الاخراج اقرب الى السينما منها الى التلفزيون، الذي يحب هيثم حقي ان يصفه بالمسرح او الاذاعة المصوّرة. اذ لا يعتمد على لقطتين فقط.. فضلاً عن انه خرج من الاستوديو. وما احب التنويه به ان مخرجين مثل مأمون الباني وهيثم حقي ساهموا في نجاح هذه الاعمال. عموماً مدرسة التمثيل السورية مهمة وواقعية جداً. الممثل السوري يسعى الى تقديم شخصية اكثر من تكريس نجومية... طبعاً هناك استثناءات وهي عيوب. في مصر النجوم هم اسياد العمل... ووصل الامر ببعضهم الى انتقاء المخرج الذي يناسب هواهم ويصوّرهم بالطريقة التي يريدون. المخرج هو سيّد العمل ويجب ان يخضع الممثل لرؤيته. للممثل السوري هم ثقافي واجتماعي... ثمّ ان للمنتج الخاص الذي برز وراء هذه الاعمال... دوراً كبيراً في انجاحها.