ديفيد راندال يرسم خطوط «الصحفي العالمي» ويقدم له حزمة من النصائح

ترجمة عربية صدرت لكتابه في السعودية

TT

يقدم ديفيد راندال كبير محرري الإنديبندنت البريطانية في كتاب صدر له أخيرا بالقاهرة بعنوان «الصحفي العالمي» ، الشروط والخصائص التي يجب توافرها في هذا الصحفي على مستوى النظر والعمل والتطبيق، كما يقدم جملة من النصائح تعلمها من حكماء شيبتهم السنون، وبعضها الآخر من أكفأ المراسلين وهم يعملون، وغيرها من استخلاص المعلومات والأفكار من المحنكين المتمرسين، أو من الكتب، أو من مواقع الويب على الشبكة الالكترونية، وكثير منها اكتسبته من الأخطاء التي ارتكبتها.

يقول ديفيد راندال ممهدا لكتابه: " بالرغم من المخاطرة بأن أبدو وكأنني أخطب في ليلة توزيع جوائز "الاوسكار" المملة، فإن هناك قائمة طويلة بأسماء الأشخاص الذين استوطنت نصائحهم وخصالهم وأرواحهم هذا الكتاب". ثم يشدد على أن الصحافة الجيدة لا تتعلق ببلوغ الأهداف العالمية والشاملة فقط، بل تعني أيضا اكتساب سلسلة من المهارات التي تمكن الصحفيين من العمل في مهنة تشهد تغيرا مستمرا في الملكية والثقافة والمعلومات.

وتشمل هذه النسخة المنقحة والمحدثة، التي ترجمها معين إمام إلى العربية، وصدرت عن دار العبيكان بالسعودية، فصولا جديدة حول التعامل مع الأرقام والإحصاءات والمصادر وكتابة التقارير الصحفية بمساعدة الكومبيوتر، وكذلك الكتابة على الشبكة الالكترونية، إضافة إلى فصل منقح بصورة شاملة يتناول العناصر التكوينية للمراسل الكفء، يعكس فيه راندال خبرته الصحفية المتنوعة، فقد عمل صحفيا، ومراسلا، ومحررا طيلة أكثر من عشرين عاما، شغل خلالها منصب محرر الشؤون الداخلية في "الأوبزرفر"، وهو الآن كبير محرري الأخبار في "الإنديبندنت".

يقول راندال: " يضم هذا الكتاب بين دفتيه أفضل النصائح والعبر التي تعلمتها أو جمعتها طيلة ثلاثة عقود من عملي كصحفي. بعضها أتى مباشرة – دون دعوة – من حكماء شيبتهم السنون، وبعضها الآخر من أكفأ المراسلين وهم يعملون، وغيرها من استخلاص المعلومات والأفكار من المحنكين المتمرسين، أو من الكتب، أو من مواقع الويب على الشبكة الالكترونية، وكثير منها اكتسبته من الأخطاء التي ارتكبتها، لأتعلم – في أسوأ الظروف وبأصعب الطرق – أفضل السبل وأكثرها ابتكارا وإبداعا لأداء عملي. لكن بغض النظر عن أصول ومصادر الدروس المتضمنة هنا، فقد ساعدتني على النجاة بجلدي في العديد من المناسبات، وأتاحت لي مهمات مدهشة في أخرى".

وعلى ذلك يهدف الكتاب إلى تقديم وصف للتقنيات الجديدة في عالم الصحافة التي إذا تمت إضافتها إلى التقنيات التقليدية يمكن أن تصنع صحفيا ماهرا شاملا، حسب تعبيره.

يعضد راندال هذه الفكرة ويناقش أبعادها المختلفة عبر عشرين جزءا يتضمنها الكتاب، بدأها بمواصفات المراسل الجيد، حيث يرى أن هذه النوعية من الصحفيين هم أبطال الصحافة، ومهمتهم هي اكتشاف الأشياء. و من ثم يعرض لمثالبهم وعيوبهم، ولمواقف تعرض لها شخصيا. يقول:" في الأسبوع الأول من اشتغالي في الصحافة، مثلا، كنت أعمل في صحيفة صغيرة تصدر في جنوب إنجلترا. ومن خلال توليفة جمعت حظي السعيد وتصميمي العنيد على احداث تأثير مهم، وجدت قصة جيدة حول تلوث الأنهار. ذهبت لإجراء البحث ثم هرعت عائدا إلى المكتب وأنا أحلم بالأوسمة التي ستنهال علي. لكن محرر الأخبار صاح عندما قرأ قصتي: " ما هذا بحق الجحيم ؟ أين الأسماء ؟ ". كانت الإثارة قد تملكتني إلى حد أن نسيت أن أسأل عن أسماء الأشخاص الذين قابلتهم. صحيح أن القصة الإخبارية قد اتخمت بالشواهد والاقتباسات، لكنها مأخوذة عن " أحد السكان القلقين" و" أحد مهندسي المياه " أو أحد مفتشي السلامة والأمان "..إلخ. ثم قضيت الساعات الأربع والعشرين التالية وأنا أحاول الحصول على أسماء المعنيين ومقابلتهم مرة أخرى، وتصحيح الخطأ الذي ارتكبته. هيمنت القصة على الصحيفة ذلك الأسبوع. ومازلت أشعر بالامتنان لغلطتي الحمقاء حتى الآن".

ويتعرض في الجزء الثاني إلى حدود الصحافة وقيودها، والتي يوجدها الصحفيون أنفسهم وأولئك الذين يسيطرون على الصحف أو يملكونها. وهو يرى أن من أكبر أساطير المهنة أن تغطية الأحداث تصاغ تبعا لأسلوب الصحيفة وقيمة الخبر، هذا بالإضافة إلى الثقافة الصحفية السائدة، وقيم القراء.

ثم ينتقل في الجزء الثالث لتعريف الخبر وقيمته، وعناصره، ونمطه وتطوره، ومصدره، واضعا سلما متدرجا للقصص الإخبارية، وكيف تبدأ ـ أحيانا ـ من المشاهد العابرة والأشياء العادية البسيطة.

وفي الجزء الرابع، ينتقل إلى مصادر القص الإخبارية الجيدة، من خلال استعراضه لعادات المراسلين الجيدين. ويخصص راندال الجزء الخامس من كتابه لـمناقشة مفهوم وفلسفة " البحث " موضحا ما الذي يجب أن يبحث عنه المراسل الجيد، مستشهدا بالأمثلة والمواقف الحقيقية لأشهر الصحافيين في العالم. وينصح ـ في الجزء السادس ـ الصحافي المبتدئ بأن يتحكم بالمصادر ولا يدعها تتحكم به، من خلال بعض الدلائل الإرشادية للتعامل مع أي مصدر سواء كان رسميا أم غير رسمي، بينما يركز في الجزء السابع على موضوع المساءلة، والتي تكون عادة من خلال المقابلات الشخصية أو عبر الهاتف.

ويشرح راندال في الجزء الثامن من كتابه السلس كيفية كتابة التقارير التي تتضمن الأرقام والإحصائيات، موجها القارئ إلى مصادرها، ومراتب الحاجة إليها، كما يشرح في الأجزاء التالية كيفية البحث على الشبكة الإلكترونية، ويقدم نصائح لكتابة التقارير والتحقيقات الصحفية والاستقصائية، وكيفية تغطية الأحداث والكوارث الكبرى، وكذلك أخطاء وخداع الصحف الكبرى من خلال عدة حكايات مثيرة.

أما الجزء الثالث عشر، فهو يتحدث عن مبادئ الأخلاقيات المهنية الأساسية، والعوامل التي تحددها ومقاومة الضغوط التي تواجه الصحفي خلال عمله.

ويفرق راندال بين الكتابة الصحفية وكتابة الروايات والقصص القصيرة، حيث يرى أن الكتابة مثل العضلة، تقوى بتمرينها وتدريبها كل يوم، مشيراً إلى أهمية المقدمات التمهيدية أو الفقرة الأولى في القصة الإخبارية التي تجعل القارئ متشبثا بالقصة حتى السطر الأخير. ثم يستطرد في شرحه لكيفية بناء القصة الإخبارية، موضحا أهم المشكلات في هذا السياق، ويرشدك في الجزء السابع عشر إلى كيفية التعامل مع الشواهد من خلال مجموعة من أسرار مهنة الصحافة التي لا يبخل بها على القارئ. ثم ما يلبث راندال أن يطرح مجموعة أساليب مختلفة لرواية القصة الإخبارية، ويلحقها في الجزء التالي بالحديث عن التعليق المتعمد وغير المقصود سواء في الأعمدة الصحفية والمقالات الافتتاحية، والفرق بينه وبين التعليقات الزاحفة تحت الفقرات في القصص الإخبارية.

ويخصص راندال الجزء العشرين للصحافة على الشبكة الالكترونية، ولا يكتفي بكل هذه النصائح والارشادات القيمة، بل يذيل كتابه بباقة من المراجع المفيدة لكتابة التقارير الصحفية كاشفا عن مجموعة من الكنوز الثمينة والنفيسة التي تعين أي صحفي على ممارسة عمله باحتراف بالغ.