سوار الذهب.. «ود عرب»

بنهاية مشهد إعدام تشاوسسكو وسط بوخارست علق البعض: عجبا لم يستفد أنصاره من تجربة سوار الذهب

TT

تروي مجالس السياسة في الخرطوم، عند اللزوم، ان احد السياسيين السودانيين كان يتابع، لحظة بلحظة، تداعيات ثورة الجماهير في بوخارست التي اقتلعت دكتاتور رومانيا نيكولاي تشاوسسكو من سلطته الحمراء، في اوائل التسعينات. كان السياسي يراقب عن كثب الحشود تتواكب على ساحة المدينة، ويفتح زبانية النظام النار بكثافة على الكتل البشرية، يُقتل منهم آلاف، وبين الطلقة والاخرى تلتهب بوخارست اكثر، وتشتعل، وتتدفق الى الساحة آلاف اخرى من الناس اشد غضبا، واكثر اصرارا على المضي قدما على خط الثورة.

ويحدق السياسي على شاشة الاحداث، والمعركة يحمي وطيسها بين الشعب الاعزل إلا من ارادته وجنود تشاوسسكو المدججين بالسلاح وبسلطة النظام الى ان انتهت بانتصار «الاعزل» على «المسلح»، ثم توغل الغاضبون الى ان طالوا الدكتاتور في حصنه المنيع وانتزعوه ووضعوا رأسه تحت المقصلة، في ذات الميدان، ليلقى حتفه على الملأ. بنهاية مشهد اعدام تشاوسسكو في المكان علق السياسي السوداني قائلا: «عجبا لم يستفد انصار تشاوسسكو من تجربة سوار الذهب».

وتتمثل تجربة سوار الذهب التي صارت مثالا يحتذى، واستدعاها السياسي السوداني في غمرة متابعته لنهاية تشاوسسكو ونظامه، في ان الفريق اول عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب القائد العام للجيش ووزير الدفاع في نظام الرئيس السوداني السابق جعفر نميري ظل يراقب زهاء العشرة ايام تصاعد الثورة الجماهيرية ضد نميري في العاصمة الخرطوم، وعندما بلغت حدها الاقصى اجتمع مع قادة الجيش، وحسب وقدر، وأعلن الاطاحة بنظام نميري في السادس من ابريل (نيسان) عام1985  بعد ستة عشر عاما من الحكم القابض والذي وصل اليه عبر انقلاب عسكري في عام 1969، وأعلن سوار الذهب انحياز الجيش للشعب، في «عملية بيضاء»، لا قتلى ولا جرحى، فقط كانت هناك اعتقالات واسعة طالت سدنة النظام.    وسجلت التجربة على مستوى العالم العربي كأول تجربة يقوم فيها عسكري بتولي السلطة وأمور الحكم في البلاد بانقلاب عسكري، ويلتزم بتعهدات قطعها على نفسه باعادة السلطة الى الشعب عبر القوى المدنية التي تمثله، ويقبل طواعية فكرة التنحي عن الحكم، وخلع البزة العسكرية، والانتقال الى فضاء المجتمع المدني.

سجلت تجربة مماثلة هي الثانية من نوعها في المنطقة، حدثت في موريتانيا الاسبوع الماضي، عندما سلم محمد ولد فال، الذي اطاح بانقلاب عسكري حكم معاوية ولد الطايع في عام 2005 ، ثم بقي في السلطة الى ان اجرى انتخابات ديمقراطية وسلم السلطة الى الحاكم المنتخب عبد الله ولد الشيخ الذي فاز في انتخابات رئاسية جرت في مارس (اذار) الماضي اشرف عليها ولد فال بنفسه، قبل ان يترك الكرسي الوثير وييمم وجهه شطر البادية. ويعقد المراقبون مقارنة في الخصوص بأن ولد فال ظل عسكريا مغمورا ووفيا لمؤسسته، ولم يتقلد منصبا سياسيا، غير انه عرف لحد ما تولى منصب المدير العام للامن الوطني في بلاده، قبل ان يطيح بولد الطايع، فيما عرف عن شخصية سوار الذهب قبل اعلانه الاطاحة بنميري بأنه شخصية هادئة ومتدينة وغير معروفة خارج المؤسسة العسكرية ويتمتع بسمعة طيبة في اوساطها. ولد سوار الذهب في مدينة ام درمان في عام 1935، لوالديه «محمد حسن» الذي جاء الى ام درمان من الابيض، ووالدته «السريرة مهدي ضيف الله» وهي من سكان حي «ودرو» الشهير في ام درمان، وتنتمي الى عشيرة «العبدلاب» التي تتمركز في منطقة حلفاية الملوك شمال العاصمة السودانية قبالة «الخرطوم بحري».

لكن بعد عامين انتقل والده الى مدينة الابيض بغرب السودان، ليواصل ما بدأه اجداده من نشاط في مجال تعليم الدين، وقال سوار الذهب في هذا الشأن: «رسالة اهلنا في الحياة هي نشر العلم وتحفيظ القرآن لذلك عاد والدي الى الابيض لإكمال الرسالة».

وفي الابيض تلقى سوار الذهب تعليمه الاولي ثم الثانوي في مدرسة خور طقت الثانوية، ليلتحق بالكلية الحربية الدفعة السابعة، وتخرج فيها ضابطا في القوات المسلحة السودانية في العاشر من اغسطس (اب) العام 1955، ضمن 60 من زملائه، قبل عام واحد من استقلال البلاد من الاستعمار البريطاني، وكانوا اكبر دفعة تتخرج من حيث العدد من الكلية الحربية. ويعتقد سوار الذهب في حديثه لـ«الشرق الاوسط»: ان «التخرج من الكلية يعتبر من اهم المحطات» في حياته، ويقول: «بعد اسابيع فقط من تخرجنا وقع التمرد المسلح في الجنوب فقطعت القيادة اجازاتنا واستدعتنا لمواجهة التمرد، وعليه دهبت الى الجنوب مع اول التمرد وعملت في عدة مواقع في الجنوب».

تزوج سوار الذهب في يناير (كانون الثاني) عام 1963، بعد اربعة اعوام من وفاة والده في المدينة المنورة عام 1959، ورزق سوار الذهب من الابناء اثنين وهما: محمد وهو طبيب يعمل الان في السعودية، واحمد ويعمل دبلوماسي في الخارجية السودانية، وثلاث بنات وهن: عازة وهي طبيبة صيدلانية وهي الان مع زوجها في السعودية، ودعد وهي مهندسة تعمل في شركة موبيتل للهواتف الجوالة في السودان، والصغرى هبة خريجة كلية التربية. ولسوار الذهب سبعة من الاحفاد، ويقول«هم الذين يدفعوننا الى الامام».  وبالعودة الى الجذور البعيدة، ينتمي سوار الذهب الى اسرة «السواراب» المعروفة الموزعة بين «دنقلا العجوز» في شمال السودان ومدينة ام درمان ومدينة الابيض بغرب السودان، ويعتبر جده محمد عيسى سوار الذهب الذي دخل السودان بعد رحلة طويلة، بدأت بالجزيرة العربية، وشمال افريقيا والمغرب وأخيرا اسوان المصرية، هو الذي ادخل رواية «عمر الدوري» في قراءة القرآن الكريم في السودان عبر مدرسة قرآنية أسسها في دنقلا العجوز فور دخوله البلاد عام 1504. وتوارثت الاسرة تعليم القرآن ونشره في السودان، وفي اطار هذه المهمة انتقل جده النور الى وسط السودان وتحديدا الى مملكة سنار المعروفة، وفيها جرى تكليفه من حاكم سنار بنشر تعاليم الدين في اقليم كردفان فغادر الى هناك مستقرا به المقام في مدينة الابيض كبرى مدن غرب السودان وكان يدير فيها مسجدا يعلم فيه الناس القرآن ويؤم المصلين في المسجد. اما جده صالح النور سوار الذهب فاستضاف محمد عثمان الميرغني احد مؤسسي طائفة «الختمية» الدينية في السودان وأعطاه الاخير «الطريقة». جده محمد صالح النور لم يخرج عن نهج التدين وعندما قامت طائفة الانصار بقيادة «المهدي» بفتح مدينة الابيض رحب بالمهدية بل ان احد ابنائه وهو «ميرغني» تولى قيادة مجموعة من المجاهدين باسم راية «الدناقلة» وهي المجموعة ذاتها بقيادة «ميرغني» التي اقتحمت فيما بعد قصر الحاكم البريطاني في الخرطوم «غردون باشا». وقد صحب ميرغني معه للخرطوم شقيقه حسن وهو الجد الثالث للمشير سوار الذهب، واستقر في ام درمان وقام ببناء مسجد السواراب المعروف في مدينة ام درمان، وتزوج وانجب محمد، وهو والد عبد الرحمن المشير. كان الباب الذي دخل منه سوار الذهب، العسكري المغمور الموسوم بالهدوء والتقوى والالتزام بالاوامر الى فضاء الشهرة والقومية في التعاطي مع الشأن العام، يتمثل في انه اطل صباح السادس من ابريل (نيسان) عام 1985 بكامل زيه العسكري على شاشة التلفزيون السوداني وبحضور الاذاعة السودانية في بيان حمل الرقم واحد: «لقد ظلت القوات المسلحة خلال الايام الماضية تراقب الموقف الأمني المتردي في انحاء الوطن وما وصل إليه من أزمة سياسية بالغة التعقيد. ان قوات الشعب المسلحة حقناً للدماء وحفاظاً على استقلال الوطن ووحدة اراضية قد قررت بالاجماع ان تقف الى جانب الشعب واختياره، وان تستجيب الى رغبته في الاستيلاء على السلطة ونقلها للشعب عبر فترة انتقالية محددة، وعليه فإن القيادة العامة تطلب من كل المواطنين الشرفاء الاحرار ان يتحلوا باليقظة والوعي وان يفوتوا الفرصة على كل من تسول له نفسه اللعب بمقدرات هذه الامة وقوتها وأمنها».

وكانت صحف السادس من ابريل تحمل بالبنط العريض تأييد سوار الذهب غير المحدود لثورة نميري في مايو (آيار) من خلال كلمة كان قد القاها امام ضباط وجنود حامية مدينة ام درمان، وقال فيها «ان القوات المسلحة تقف بصلابة خلف الثورة والقائد العام نميري».

ويروى ان سوار الذهب رفض تسليم حامية مدينة الابيض العسكرية، عندما كان قائدا للحامية اثناء انقلاب الرائد هاشم العطا على نميري عام 1971، حتى استعاد نميري مقاليد الحكومة بعد ثلاثة ايام، ويتفق الكثيرون في الاوساط السياسية والعسكرية في السودان ان هذه الواقعة هي التي «جعلت نميري يضع كل الثقة في سوار الذهب». وقال سوار الذهب لـ«الشرق الاوسط» في هذا الخصوص: «كان نميري يثق في بشدة وكنت حريصا كل الحرص على تلك الثقة». وبالتالي منذ ذلك الحين وحتى الان، ما انفكت الروايات والقراءات تتباين وتتضارب حول تداعيات الاحداث وتصاعدها منذ الاسبوع في نهاية مارس (آذار) وحتى السادس من ابريل (نيسان) 1985 اليوم الذي اعلن فيه سوار الذهب «انحياز القوات المسلحة للشعب»، ضد نميري. هناك من يعتقد ان ما جرى هو انقلاب «عسكري ابيض» نفذه سوار الذهب على نميري، وهناك من يرى ان سوار الذهب «قدر الموقف» في الشارع الذي كان يغلي على مدى ايام وقرر الاستجابة لمطالب الشعب، وهناك فئة ترى ان سوار الذهب فقط اجبر من قبل الجماهير على عزل نميري من حكمه.

اما انصار نميري «الاوفياء»، كما يسمون، فيرون ان سوار الذهب «خائن، اؤتمن، ولم يرد الامانة الى اصحابها»، طبقا لاحد المقربين من نميري ممن يطلق عليهم «المايويون»، واذ يرددون تهمة خيانة سوار الذهب لنميري، يشيرون الى مستوى الثقة التي كان يوليها نميري لسوار الذهب، وحرص الاخير على تنفيذ كل التعليمات التي تصدر اليه من الرئيس والقائد الاعلى للجيش السوداني. وقال عميد متقاعد كان يعمل في جهاز امن نميري لـ«الشرق الاوسط» بهذا الصدد ان سوار الذهب لم تترك له المظاهرات والضغوط من قبل قوات الجيش اي فرصة غير اعلان بيان انحياز الجيش للشعب، وأضاف رجل الامن، الذي طلب عدم ذكر اسمه،: «كان امام سوار الذهب خيار واحد».

ويروي المحامي كمال الجزولي الناشط انذاك في التجمع المعارض لنميري تداعيات اللحظات الاخيرة للاطاحة بنميري بقوله: «غير مسبوق، بكل المعايير، هذا الانفجار الجماهيريُّ الذي ظلَّ يشهده وسط الخرطوم، منذ الصباح الباكر. أخذت جموع المواطنين والعاملين تتقاطر، عن بكرة أبيها، وتتجمَّع، نساءً ورجالاً، شيباً وشباباً، حتى الكسيح جاء محمولاً على ظهر الأعمى، لتتدفق أنهاراً». ويتابع الجزولي:«أخذت الجماهير في التصاعد، أكثر فأكثر، حركة النقابات والأحزاب، واكتظت الشوارع بالهتافات المدوية ترفع شعارات الاضراب السياسي، والعصيان المدني، وتدعو لإسقاط النظام، والقصاص من قادته ورموزه، في ذات الوقت الذي راح يستعر فيه نشاط جهاز الأمن متجاوزاً لكلِّ الحدود، حتى ازداد تساقط الشهداء».

ويقول المحامي الجزولي: «من ناحية، كان كبار قادة القوَّات المسلحة، وقتها، يعقدون اجتماعاً تاريخيَّاً آخر، في القيادة العامَّة، مع المشير سوار الذهب، القائد العام ووزير الدفاع، ويضغطون عليه ضغطاً مكثفاً كي يوافق على إعلان انحيازهم للانتفاضة بالاطاحة بالنظام، ورئيسه، وأجهزة حكمه. وقد نجحوا في ذلك، بالفعل، مع الساعات الأولى لفجر السادس من أبريل». ومن الناحية الأخرى، يواصل الجزولي «كان اللواء عمر محمد الطيِّب، النائب الأوَّل لرئيس الجمهوريَّة ورئيس جهاز الأمن، يحاول اللعب بآخر كرت توهَّم أنه ما زال في جيبه، فعندما أحسَّ بتحرُّكات كبار القادة، بعث، مع اثنين من كبار ضباطه، برسالة شفهيَّة تنضح بالسذاجة واليأس إلى ممثلين لجهاز الاستخبارات الأميركي، كانا ناشطين، بعلم الجهاز، خلف قناع دبلوماسيٍّ من داخل سفارة بلادهما بالخرطوم، طالباً تدخل قوات الانتشار السريع من القواعد المتوسِّطيَّة لحماية البلاد، بزعم اكتشاف مخططٍ ليبيٍّ لشن غزو داهم على السودان خلال الساعات القادمة، غير أن الردَّ الصاعق سرعان ما جاء، شفاهة أيضاً، من المندوبَين إلى رسولي اللواء عمر، بأنه لم يعُد ثمة متسع من الوقت لمساعدة النظام، فقد انتهت اللعبة، على حدِّ تعبيرهما، وليس بمستطاع أيَّة قوَّة على الأرض أن توقف الانقلاب الذي سيقع بعد قليل، والذي ائتمر قادة الجيش على تنفيذه انحيازاً للانتفاضة الشعبيَّة».  غير ان الفريق اول عمر محمد الطيب الذي كان يشغل منصب النائب الاول للرئيس نميري ومدير جهاز الامن وهو من اقرب المقربين للرئيس له رواية اخرى للحظات الاخيرة، اذ يقول: «كان سوار الذهب معي لآخر لحظة حتى انه وقف بمسجد المظلات وهو يحمل المصحف الشريف مخاطباً الجنود والضباط  ويتعهد بالدفاع عن مايو والولاء لها، وقال سندافع عنها ونحميها ولن نفرط في ذلك، لقد ألقى خطبة عصماء كلها ولاء وعهد لمايو».

ويقول عمر في اخر احاديثه الصحافية: «كنت على اطمئنان غير عادي لسوار الذهب، اطمئنان كامل. هذا الرجل علمناه نحن وأوصلناه الى هذا الموقع نتيجة لثقة، حتى أصبح وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للجيش لقد كان صاحب ولاء شديد لمايو». وواصل روايته: «كنت أثق فيه جداً وأتعامل معه كوزير دفاع وقائد عام للجيش وأحد الموالين جداً لمايو، وصباح 6 أبريل، بعد أن أديت صلاة الفجر تحدثنا حول تقييم الأمور فطمأنني الرجل. كان القائد العام للجيش وقد أخذت معلوماته مأخذ الجد وقال لي كل الامور تمام سعادتك». وتابع: «جاءني في المكتب وقلت له فلندهب الى القيادة العامة، وبالفعل ركب معي في عربتي وعربته خلفنا يسوقها السواق ودخلنا القيادة العامة، لنجد ان هناك اجتماعاً لهيئة الأركان. في البدء اندهشوا وخافوا وبعد قليل ظهروا أمامي مساكين، فسألتهم الاجتماع ده شنو...  فقال أحدهم: ما في حاجة. فقلت لهم: ما في حاجة يعني شنو».

وتابع عمر: «فرد عليّ تاج الدين: في شوية ضغوط من قادة الوحدات من الضباط.. فقلت لهم: ولكنكم أنتم القيادة العليا في الجيش. ثم نظرت لسوار الذهب، وقلت له: وأنت رأيك شنو؟ فأجاب: ما في حاجة. أنا بعتقد أن الأوضاع كويسة. ما في حاجة. فهمت أن الأمور تعقدت». واصل الفريق عمر روايته «بعد أن أذاعوا بيانهم، أيقنت أن الأمور اختلفت، لقد كانت صدمتي في سوار الذهب كبيرة جداً. أصلاً لم نتوقعها. لقد غدر بنا، وهل هناك أصعب من أن تثق في الإنسان ولا يتبادر الى ذهنك أن هذا الإنسان سيغدر بك في أية لحظة. إنها صدمة العمر بالنسبة لي لا تضاهيها ذهاب مايو نفسها»، ومضى «لقد قطعت صلتي به نهائياً. ولم أكن أقبل أن التقيه أو حتى أصافحه، الى أن عدت الى السودان. زارني في بيتي، حا أعمل شنو؟ يعني خلاص نسيت أو اتناسى الموضوع». فيما يروي سوار الذهب لـ«الشرق الاوسط» روايته للاحداث موضحا: «عندما جاءت الانتفاضة كنت وزيرا للدفاع في الحكم.. كان نميري لديه ثقة كبيرة في، وكنت حريصا على تلك الثقة، ولكن مجريات الاوضاع كانت تسير في اتجاه آخر غير تلك الثقة والحرص عليها، فقد كان هناك اجماع سوداني لتغيير الاوضاع يتصاعد من يوم لآخر، مع توالي انحسار جماهير الاتحاد الاشتراكي حزب نميري». وبلغة واثقة يتابع سوار الذهب الرواية: «كنا حريصين ان تكون مسيرة الردع التي رتب لها الاتحاد الاشتراكي قوية، وحاولوا ان يحشدوا لها الناس ولكنها جاءت هزيلة وهذا ما اكده لي ولزملائي من حولي ان ثورة مايو لم تعد لها جماهير». وتابع المشير: «كما ان اغلب الضباط ومن بينهم القادة كانوا يرون انه لا بد من الاستجابة لمطالب الشارع.. وعليه اجتمعت بالقادة وتحدثت معهم حول الاحداث وكنت حريصا جدا على تلمس وحدة القوات المسلحة وقد بدت لي كذلك رغم ان هناك من ينتمي بقوة لمايو». وأضاف: «اتضح لي من الاجتماع ان الاتصالات مستمرة وانه ليس هناك ما يدعو للمصادمة مع الشعب، فقررنا تسليم السلطة للشعب وهذا ما فعلناه. ولمن يستغربون ويرسلون، في هذا الخصوص، اسئلة واستفهامات حول قيامي بتسليم السلطة للشعب عن طريق قيادته التي اختارته في نهاية الفترة الانتقالية، احرص دائما ان اقول انني فقط اوفيت بوعدي.. لانني قلت لهم في بيان الانحياز للانتفاضة الشعبية بأنني سأسلم السلطة لهم»، ومضى:«ليس هناك ما يدعو للعجب فما قمت به في ذلك اليوم شيء عادي».

مضى عام الفترة الانتقالية المحددة في البيان الاول لسوار الذهب كله عواصف تجلت فيها كل المظاهر السلبية لممارسة الديمقراطية، وكانت الاحزاب ترمي بعضها البعض بالحجارة، ونال سوار الذهب نصيبا مقدرا من الحجارة المقذوفة في الساحة الانتقالية، وكان اكبر الاحجار المرمية في سوار الذهب هو «انه كان ينحاز للاسلاميين ممثلة في الجبهة الاسلامية بزعامة الدكتور حسن عبد الله الترابي» كما يردد المنسوبون للحزب الشيوعي السوداني، ولكن الرجل اوفى بوعده وسلم السلطة للشعب في الزمان المحدد، وتولى زمام الامور في البلاد الصادق المهدي زعيم حزب الامة، بعد ان نال حزبه الاغلبية في الانتخابات التي اشرف عليها سوار الذهب، ومضى الاخير في اتجاه اخر يروق له «وهو نشر الدعوة الاسلامية والاهتمام بتعاليم الدين الاسلامي، في كل بقاع الارض»، كما اكد لـ«الشرق الاوسط» نصر محمد نصر مدير مكتب سوار الذهب في «منظمة الدعوة الاسلامية»، وهي منظمة عربية افريقية في السودان يتولى سوار الذهب فيها منصب رئيس مجلس الامناء في السودان، ويعود الفضل إلى المنظمة في تشييد مساجد، ومستشفيات، وملاجئ الأيتام ومراكز رعاية الطفولة في شتى انحاء العالم.

ويتولى سوار الذهب مناصب اخرى في ذات المجال، حيث يشغل منصب نائب الرئيس للمجلس الاسلامي للدعوة الاغاثة وتضم نحو 70 منظمة، ونائب الرئيس للهيئة الاسلامية العالمية في الكويت، ونائب «رئيس ائتلاف الخير» ومقرها لبنان تعنى بدعم القضية الفلسطينية، ونائب رئيس امناء مؤسسة القدس الدولية.

وحول نشاطات سوار الذهب اليوم، قال مدير مكتبه نصر في هذا الخصوص لـ«الشرق الاوسط»: «انه يسافر كثيرا داخليا وخارجيا سواء بصفته الشخصية او الاعتبارية»، وأضاف «ان المشير محل تقدير في كل المحافل الاسلامية والرئاسية.. انه مشغول الان بشدة بقضية جمع الصف الوطني السوداني.. الاوضاع في دارفور التي تفاعلت الى الدرجة التي دفعت بعض القوى التي لا تريد الخير للبلاد لان تعمل من اجل ادخال القوات الدولية في الاقليم بدلا عن السعي لحل المشكلة. هذا دفع مجموعة من الاخوة الى التحرك من اجل ايجاد الحل السوداني لشتى القضايا». ويقول سوار الذهب بهذا الخصوص «قمنا بتكوين هيئة جمع الصف الوطني وكلفوني برئاستها وقامت حتى الان بالاتصال بكل القوى السياسية في البلاد ونحن الان في انتظار ردودها تجاه ما طرحناها من افكار حول عملية جمع الصف الوطني». ومع هذا المشوار المضني يتمتع سوار الذهب الان بصحة جيدة، وقال في هذا الشأن لـ«الشرق الاوسط»: «صحتى كويس»، بعد ان اشار الى انه اصيب في رمضان الماضي بوعكة في القلب تجاوزها، والى انه اجرى قبل عشرين عاما عملية في القلب. ومهما اتفق الناس او اختلفوا حول شخصية سوار الذهب، فلن يبتعدوا كثيرا عن وصف رئيس الوزراء في حكومته الانتقالية الدكتور الجزولي دفع الله، الذي ظل لصيقا به طوال الفترة والذي قال لـ«الشرق الاوسط»: سوار الذهب نقي وأصيل وود عرب.