مدير عام بنك فيصل الإسلامي السوداني: لنمو المصرفية الإسلامية لا بد من الإندماج وزيادة رؤوس الأموال

فرح لـ«الشرق الأوسط»: ضعف التنسيق بين الهيئات الشرعية وتضارب الفتاوى الفقهية.. يضعف البنوك

المقر الرئيسي لبنك فيصل الإسلامي السوداني، وفي الإطار علي فرح («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي تشهد فيه المصارف الإسلامية انتشار كبيرا في الدول الغربية، إلا أنها ما زالت تخطو خطواتها بخجل في الدول الإسلامية، وإن كانت تسجل تحولات في العمل من بنك تقليدي إلى إسلامي في بعض الدول. لكنها مع ذلك لم تضف اسم «الإسلامي» بجوار اسم البنك. السودان سبق كثيرا من الدول الإسلامية والعربية، عندما وافق على تأسيس أول بنك إسلامي في البلاد والذي بدأ نشاطه عام 1978، تحت اسم «بنك فيصل الإسلامي».

علي عمر إبراهيم فرح المدير العام لبنك فيصل الإسلامي السوداني يستعرض أبرز أنشطة البنك منذ تأسيسه والنجاحات التي حققها، والمعوقات التي تحد من انتشار المصارف الإسلامية ومنافستها للبنوك التقليدية. وفي ما يلي التفاصيل:

* كيف كانت نشأة بنك فيصل الإسلامي السوداني وما هي أهدافه وأغراضه؟

ـ بدأت فكرة نشأة بنوك إسلامية في منتصف السبعينات حيث كانت البداية بإنشاء البنك الإسلامي للتنمية في جدة، وهو بنك تملكه حكومات، تبع ذلك جهد خاص نحو إنشاء بنوك إسلامية كان للأمير محمد الفيصل آل سعود فيها الريادة بدعوته لإنشاء بنوك إسلامية.

وأفلحت جهود الأمير محمد في الحصول على موافقة السلطة الحاكمة آنذاك على قيام بنك إسلامي في السودان، وتم بالفعل إنشاء البنك. حيث اجتمع في 1977 المؤسسين السودانيين والسعوديين وبعض مواطني الدول الإسلامية الأخرى، ووافقوا على فكرة التأسيس واكتتبوا في ما بينهم نصف رأس المال المصرح به آنذاك والبالغ ستة ملايين جنيه سوداني. وفي 18 آب (أغسطس) من نفس العام تم تسجيل بنك فيصل الإسلامي السوداني كشركة مساهمة عامة محدودة وفق قانون الشركات. وباشر البنك أعماله فعلياً اعتبارا من أيار (مايو) 1978 لتحقيق العديد من الأهداف والأغراض أهمها القيام بجميع الأعمال المصرفية والتجارية والمالية وأعمال الاستثمارات والمساهمة في مشروعات التصنيع والتنمية الاقتصادية والعمرانية والزراعية والتجارية والاجتماعية، بجانب قبول الودائع بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى تحصيل ودفع الأوامر وأذونات الصرف وغيرها من الأوراق ذات القيمة والتعامل في النقد الأجنبي بكل صوره، وغيرها من العمليات.

* ما هي الملامح الإدارية العامة للبنك؟

ـ ظل البنك طيلة الفترة الماضية وما زال حاملاً للواء التحديث في مجال المعاملات المصرفية الإسلامية والتقنيات المصرفية الحديثة. ويقوم نظام عمل البنك على إستراتيجية واضحة تتلخص في (أنه مصرف إسلامي الوجهة، سوداني السمات، يلتزم الجودة والامتياز في أعماله، إسعاداً للعملاء، ثقة في الموردين، تنمية للمجتمع، عناية بالعاملين، وتعظيماً لحقوق المالكين). وقام البنك برسم استراتيجية تشغيلية تقوم على تعزيز مقدرات البنك المالية بزيادة رأس مال البنك المدفوع واستغلال الأصول في مشتقات مالية، بجانب التوسع في الوساطة المالية تعزيزاً واستغلالا للموارد وتنويعا لمصادر الدخل ودعما للنشاط الاستثماري والاستشارة المالية للعملاء لرفعة كفاءة وفعالية النشاط التجاري عموما ومن خلال إتاحة أموال إضافية لمشتقات مالية واستثمارية منظورة.

* ما أبرز المنتجات التي يقدمها بنك فيصل الإسلامي السوداني؟

يقدم البنك عدداً من المنتجات الإسلامية في شكل حزم استثمارية وتمويلية وخدمات مصرفية لصالح الأفراد والمؤسسات والشركات ومن أهمها، المرابحة والتي تعتمد على مبدأ شراء وتملك البنك لسلع بناءً على رغبة وطلب العميل من الأسواق المحلية، ثم بيعها للعميل بالتقسيط وبهامش ربح محدد. وكذلك المشاركة والتي تعد من أهم الصيغ الاستثمارية التي يتعامل بها البنك هذا بجانب صيغة السلم والاستصناع والإجارة والمضاربة والمقاولة وغيرها من الصيغ الإسلامية. وجعل بنك فيصل الإسلامي السوداني تمويل القطاعات الاقتصادية الإنتاجية من أولويات أعماله الاستثمارية مثل تمويل قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة الخارجية والتجارة المحلية والنقل والخدمات وقطاع الأسر المنتجة والمهنيين والحرفيين، والذي أسس له فرعاً منفصلاً ومتخصصاً في تقديم التمويل والمشورة الفنية وقد حاز هذا القطاع على نسبة كبيرة من حجم التمويل المقدم للقطاعات الاقتصادية الأخرى. ووضع البنك استراتيجية للمرحلة الحالية في استثماراته تتوجه نحو الاستثمار في الأوراق المالية والصكوك والمحافظ الاستثمارية وهي أدوات أثبتت جدواها من حيث قلة المخاطر وسهولة التسويق وارتفاع معدلات العائد.

* ما أبرز الخطوات الاستثمارية للبنك؟

يعتمد بنك فيصل الإسلامي السوداني في تعاملاته على فقه المعاملات الإسلامي، لذلك فإن البنك ينشط في المجالات الاستثمارية حيث قام البنك بالمساهمة في كافة المحافظ بغرض تمويل المشروعات التنموية. كما أنه أسس ثلاث شركات تعمل في مجالات الاستثمار المالي والتجاري والعقاري.

* كيف تقيم تجربة البنك في الصيرفة الإسلامية؟

ـ بنك فيصل الإسلامي السوداني أول بنك إسلامي في السودان وثاني بنك على مستوى العالم من حيث التأسيس، وحقق البنك نجاحاً باهراً عبر مسيرته الطويلة. ويرجع هذا النجاح إلى عاملين أساسيين أولهما الجوانب الفكرية والنظرية لمجال عمل البنك والتي تتمثل في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في جميع معاملاته، والابتعاد عن المحظورات الشرعية فيها. والعامل الثاني في الجوانب التطبيقية، فقد مثل بنك فيصل الإسلامي السوداني وعاءً جمع كماً هائلاً من الأرصدة النقدية والاستثمارات ممثلة في موجوداته والتي تقارب الآن المليار جنيه سوداني.

ويعتبر البنك المؤسسة الأولى الرائدة في مجال الاستثمار الحلال قبل إنشاء ديوان الزكاة، كما ساهم البنك في التنمية الإجتماعية والاقتصادية من خلال مساهمته المقدرة في ضريبة أرباح الأعمال وتمويل القطاعات الحرفية والمهنية. كما كان للبنك فضل الريادة في إرساء تجربة التأمين التعاوني حيث أنشأ البنك أول شركة تأمين إسلامية في العالم أصبحت الآن مرجعاً أساسياً للتأمين الإسلامي على مستوى العالم تقوم بتلبية كافة احتياجات العملاء في مجال الخدمات التأمينية.

* الترتيبات لعمل بنك السودان المركزي بنافذتين إحداهما بالشمال تتبع النهج الإسلامي والأخرى بالجنوب وتتبع النهج التقليدي. ما هي المخاطر التي يمكن ان تنجم عن العمل بهذا الأسلوب؟ ـ في تقديرنا أن نظام العمل في اقتصاد واحد وبنظامين يختلفان تماماً في السياسات والوسائل تكتنفه كثير من المخاطر التي تؤثر على إدارة السيولة والتضخم وتحقيق التنمية ويمكن التغلب على ذلك بخلق كيانات مصرفية في الشمال قادرة على المنافسة وترجح كفة النظام المصرفي الإسلامي.

* وهل لدى البنك نية في التوسع في جنوب البلاد الذي تعمل المصارف فيه بالنظام التقليدي؟

ـ يعد بنك فيصل الإسلامي السوداني من أوائل المصارف التي لها فروع بالولايات الجنوبية ويمتلك البنك الآن ثلاثة فروع ومكتب صرف في جنوب البلاد في مقدمة المصارف. وفي خطتنا أن تستمر هذه الفروع في أداء عملها وإن دعا الأمر الى أن يقتصر عملها على تقديم الخدمات المصرفية وتجميد عمل الاستثمار تمشياً مع متطلبات اتفاقية السلام مع الالتزام التام بأحكام الشريعة الإسلامية في معاملاتنا.

* هل لدى البنك خطط للتوسع داخليا وخارجيا؟

ـ يمتاز بنك فيصل الإسلامي السوداني بالتعامل مع شبكة واسعة من المراسلين تغطي كافة قنوات التجارة من استيراد وتصدير بالإضافة إلى خدمات التحاويل، مما ساهم كثيراً في تميز البنك في مجال خدمات التجارة الخارجية. كما أن للبنك خطة للانتشار الداخلي بما يتوافق مع المتطلبات التجارية والمالية ويساهم في عملية التنمية في البلد ويحقق أرباح للبنك، كذلك فإن للبنك خطة للتوسع الإقليمي والخارجي وفقاً لمتطلبات المتعاملين واتجاهات حركة الأموال والسلع والخدمـات.

* ما هي برأيكم أبرز الصعوبات والمعوقات التي يواجهها العمل المصرفي الإسلامي؟

ـ أداء المصارف الإسلامية في أغلب البلدان تنقصه التشريعات المصرفية اللازمة للنهوض بأداء هذه المصارف في البلدان العربية والإسلامية المختلفة، ولو وجدت هذه البنوك البيئة الصالحة للنمو لتقدمت بشكل أكثر.

ومن أبرز المعوقات: عدم وجود التشريعات والقوانين الملائمة لطبيعة البنوك الإسلامية من قبل الحكومات في بعض الدول الإسلامية. حيث أن القوانين التي تحكم أنشطة المصارف الإسلامية وخاصة التي تنظم علاقتها بالبنك المركزي مثل معدل الاحتياطيات والسيولة النقدية وقيود التمويل وغيرها، وضعت على نمط القوانين التقليدية والتي لا تلائم طبيعة الاستثمار الإسلامي، وإلزامها بهذه القوانين يعرقل من دورها الاستثماري والتنموي.

كما تواجه البنوك منافسة شرسة من قبل المصارف العالمية والتي تمتاز بارتفاع مستوى خدماتها وخاصة عقب افتتاحها لأقسام خاصة بالمعاملات الإسلامية، لذلك ينبغي على المصارف الإسلامية أن تتجه نحو تحقيق الجودة الشاملة في خدماتها المصرفية.

وكذلك تحتاج المصارف الإسلامية للعديد من الصيغ والآليات المصرفية الإسلامية في هذه المرحلة، وحاجة هذه المصارف لآليات تستطيع التوفيق بين رسالتها في التنمية وبين رغبات المودعين في سهولة تسييل الودائع مع قلة المخاطر إلى جانب ضعف رؤوس أموال المصارف الإسلامية والتي تعتبر حاليا ضئيلة جدا مقارنة بالمصارف التقليدية. حيث أظهرت الدراسات أن قرابة الـ75 في المائة من البنوك الإسلامية يبلغ رأسمال كل منها اقل من 25 مليون دولار فقط، ما يحول دون تحقيقها الأهداف التي أسست من أجلها. وللتغلب على هذه المشكلة ينبغي على المصارف الإسلامية تطبيق سياسة رفع رأس المال وتوسيع قاعدة المساهمين لا سيما الاستفادة من الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده المنطقة حاليا، باندماج المصارف الإسلامية في ما بينها لتكوين كيانات كبرى تستطيع الصمود في ظل العولمة أمام المصارف التقليدية المنافسة.

ومن العقبات التي تواجه المصارف الإسلامية تأهيل كوادرها العاملة تأهيلا خاصا أن تكون ملمة بطبيعتها المصرفية على اعتبار أنها تختلف عن المصارف التقليدية، ونرى أن يتم ربط التخصصات المصرفية بفقه المعاملات الإسلامي وأصول الفقه الإسلامي وتنظيم الدورات المتخصصة وورش العمل. بالإضافة إلى ضعف التنسيق والتحالفات في ما بين المصارف الإسلامية لاستغلال الفرص والاستخدام الأمثل للموارد. وكذلك ضعف التنسيق في ما بين الهيئات الشرعية، ما ينتج عنه تضارب الفتاوى الفقهية في معاملاتها. وعلى المصارف الإسلامية ايجاد قاعدة علمية مشتركة للاجتهاد من خلال الندوات وورش العمل التي تضم متخصصين مصرفيين وشرعيين والتنسيق في ما بينها وتوحيد الفتاوى حتى لا تضعف وجودها وبروزها في العمل المصرفي العالمي في أوساط الصناعة المصرفية التي بدأت تأخذ وتيرة سريعة وعالية في السنوات الأخيرة.