إميلدا ماركوس: وجدوا أحذية في خزائني.. لا هياكل عظمية

بين صور نيكسون وكارتر وصدام والقذافي تعيش سيدة الفلبين الأولى السابقة

إيميلدا تتصفح وثائق وأوراقا تقول إنها تؤكد براءتها وزوجها من تهمة تهريب أموال الدولة (أ.ف.ب)
TT

ما الذي يمكن أن يتطلع اليه أيُّ صحافي يذهب لمقابلة إميلدا ماركوس، سيدة الفلبين الأولى في ما مضى من الأيام؟ لا شك أنه سينظر الى حذائها قبل وجهها. فهذه المرأة التي دخلت التاريخ هي التي ذاع صيتها بين نساء العالم المترفات لأنها امتلكت مجموعة من الأحذية الفاخرة التي فاق عدد أزواجها على الثلاثة آلاف.

لكن أنظار مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في مانيلا، تركزت على الأرضية الخشبية المدهونة جيداً للشقة المتواضعة التي تقيم فيها أرملة الرئيس السابق فرديناند ماركوس، بينما كانت السيدة السبعينية تخطو نحوه وتمد له للمصافحة كفاً تنتهي بأظافر حسنة الطلاء، وهي تعتذر له عن تأخرها عن الموعد. في سن الثامنة والسبعين ما زالت إميلدا تتحرك بالخطوة المتأنقة نفسها التي دخلت بها، ذات يوم، الى أروقة الكرملين أو صالات البيت الأبيض الأميركي. إن البريق لم يخفت في عينيها، وما زال وجهها العريض خالياً من التجاعيد، رغم عمرها وما مرّ عليها فيه.

بالتأكيد أن زمن المشاهير من مصممي الثياب والمجوهرات الثمينة قد انقضى. وإميلدا تلفت انتباه زائرها الى أنها ترتدي فستاناً لا يزيد سعر قماشه عن 150 بيزوسا، أي أكثر بقليل من ثلاثة دولارات. أما قدماها (وقد حان وقت النظر اليهما أخيرا) فكانت تدسهما في نعل رخيص لا يمكن لسعره أن يزيد على 200 بيزوس. ولا شك أنها لاحظت نظرة الصحافي فسارعت الى القول: «لا، لم أعد أملك خزانة ملأى بالأحذية». في اشارة الى ما تناقلته الوكالات من صور لمحتويات بيتها عندما أجبرت مع زوجها الرئيس على مغادرة البلاد قبل 21 عاماً.

رغم حياتها المتواضعة الحالية، فإن إميلدا تقول إنها لا تأسف على شيء. وتضيف: «أعلم ما قاله الناس عنا وعن مليارات الدولارات التي يفترض أننا نقلناها معنا الى الخارج. ولكن ها هي أكثر من عشرين سنة قد مضت فأين تلك الأموال؟ لا شيء هنا». تتلفظ بالعبارة، وهي تدير رأسها فيما حولها في الغرفة المليئة بتذكارات من زمن آخر ومكان آخر.

تطل شقتها الواقعة في الطابق الرابع والثلاثين في ضاحية «ماكاتي» القريبة من مانيلا على منظر عام للمدينة التي كانت تحكمها في يوم ما. وهي بعيدة عن القصر الرئاسي الذي أقامت فيه مع زوجها لعقدين من الزمن. قصر محاط بالأشجار والحدائق والطرقات المنسقة والمباني التاريخية المشيدة على الطراز الاسباني. وهناك على الجدران الحليبية لغرفة الجلوس في الشقة مجموعة من اللوحات بينها واحدة لبيكاسو. وفي جانب من الغرفة تنتصب منحوتة نصفية لزوجها الراحل الذي غادر الدنيا، وهو في المنفى بهاواي عام 1989. كما توجد خزانة زجاجية تحتوي على الأوسمة والميداليات التي حازها خلال سنوات انخراطه في المقاومة ضد اليابانيين في الحرب العالمية الثانية، وهي ميداليات حامت الشكوك حول بعضها.

في الغرفة أيضاً صور للزوجين مع عدد من كبار قادة القرن العشرين، الى جوار كتب عن الفن والعمارة وعن الفلبين، موزعة فوق منضدة للشاي والكراسي والبيانو. وفي الصور، نرى الزوجين ماركوس مع الرؤساء نيكسون، كارتر، ريغان، وجونسون. وهي صور تصطف الى جوار واحدة مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين وأخرى مع العقيد الليبي معمر القذافي وثالثة مع الزعيم الصيني ماوتسي تونغ.

إن حياة إميلدا تشبه حكاية من الحكايات الرومانسية القديمة لشابة جميلة ومتواضعة تقاطعت خطواتها مع خطوات بطل شاب من أبطال الحرب وسياسي صاعد سيصبح عام 1965 رئيساً للبلاد. وفي تلك السنوات، قارنت الصحافة الأميركية بين هذا الثنائي وبين الثنائي جاكلين وزوجها الرئيس جون كنيدي الذي اغتيل في فترة قريبة. وأطلق الصحافيون على الزوجين الفلبينيين لقب «كيندي آسيا».

تبتسم إميلدا، وهي تتذكر تلك المقارنة وتعلق بأنها وجاكي ولدتا في العام نفسه، 1929. وهي قد عاشت الى جوار زوجها حياة من النوع الذي لا يعيشه أغلب الناس سوى في الأحلام. لقد امتلكت المال والنفوذ الذي يترافق معه. وكانت تدور في العالم باعتبارها المبعوثة الشخصية لزوجها، وقابلت الملوكَ والرؤساءَ والطغاةَ. كما أنها رقصت وغنت مع نجوم السينما والتلفزيون. هل كانت ستعيد النظر في تلك الحياة لو تسنى لها، اليوم، ذلك؟ ترد: «نعم، كنت سأغير اسم الفلبين. لماذا يتعين على هذه البلاد أن تحمل اسم الملك الاسباني الذي قضى بمرض السيفلس؟». وحتى عندما حلقت بها الطائرة العسكرية الأميركية في تلك الليلة من فبراير (شباط) 1986 ونقلتها الى المنفى مع زوجها، فإنها لم تشعر بأي ندم. «أنا أذكر تلك الليلة جيداً». تقولها إميلدا، وهي جالسة تبتسم فوق الأريكة الصفراء في صالون شقتها. وتواصل حديث الذكرى وكأنها تخاطب نفسها: كان السفير الأميركي ستيفن بوزوورث قد اتصل بزوجي وسأله عما إذا كنا جاهزين لمغادرة القصر. لم يكن أي منا مستعداً. ثم حلقت طائرتان عموديتان فوق الأرض الخضراء القريبة من القصر، عبر النهر، وكانت أنوارهما مطفأة في عتمة الليل. هل شعرنا بوجود خديعة ما؟ لا، فقد كان فرديناند يؤمن بأميركا وبقيم الحرية والعدالة والديمقراطية حتى آخر يوم في حياته». وعندما مضت بهما الطائرة فوق المدينة التي كان الآلاف قد نزلوا الى شوارعها، لم تنظر إميلدا خلفها.

تضحك وهي تستعيد ما قاله الناس عن أنها نقلت معها صناديق من سبائك الذهب والمجوهرات والأموال. وتقول: «كانت معي ابنتاي، ايرين وإيمي، وقد حملنا معنا الحليب والحفاظات لأطفالهما. كل ما نقلته اسرة ماركوس كان علم البلاد ووثائق اختياره رئيساً. لقد كان رجلاً واقعياً». واليوم، بعد أن عادت إميلدا الى البلاد، فإنها ما زالت تلفت النظر سواء عندما تتسوق في السوبر ماركت القريب من بيتها أو عندما تحضر حفلة في احدى السفارات الأجنبية، وهي تؤكد دائماً أنها لا تملك ما تخفيه ولا ما تشعر بالعيب منه. «كل ما قمت به، سواء كان مساكن للفقراء أو مستشفيات أو طرقا، أو مجرد غرس أشجار لتجميل المكان، قمت به للشعب الفلبيني وليس لإميلدا».

رغم هذا، تبقى إميلدا بالنسبة للكثيرين من منتقديها، مقترنة بالفساد الذي أتى على موارد البلاد. وحتى اللجنة الرئاسية التي تشكلت، فيما بعد، للبحث عن الثروة التي يمكن أن يكون ماركوس قد خبأها لم تتمكن من الوصول الى إجابات شافية حول الكيفية التي تبخرت بها أموال تتراوح بين مليارين وعشرة مليارات دولار. وقد كسبت إميلدا عام 1992 الدعوى التي اقيمت ضدها في نيويورك بتهمة نهب المال العام. وكانت المتهمة محاطة بفريق من ألمع المحامين المسلحين بأكثر من 350 ألف وثيقة لصالحها.

تقول لزائرها: «تطلع نحوي، هل أنا غاطسة في الماس والذهب؟ ثم ماذا إذا كنت أحب اقتناء الأحذية؟ من هي المرأة التي لا تحب ذلك؟ إن من السخف أن يقال إني كنت مهووسة بها فقد كانت لدينا، هنا في منطقة ميريكينا صناعة ناشطة للأحذية وكنت أقوم بتشجيعها بحيث أصبح المكان من المراكز المعروفة في هذه الصناعة. وكان التجار يهدونني نماذج من إنتاجهم. ولم تدخل رجلاي أغلبها، ثم عندما فتح الشعب خزانتي وجد أحذية وليس جثثاً وهياكل عظمية.