ممدوح عبد العليم.. عاشق السينما الذي احترف الأعمال التلفزيونية

الفنان الذي تحدى ملامحه وظروف جيله

TT

هو مزيج خاص من التقمص والإحساس، يمتلك مفردات مميزة تساعده على التعبير عن مختلف أنماط الشخصيات التي يجسدها خاصة في التعبير، وشاء حظه أن يبزغ نجمه وسط جيل لم ينل من الحظ السينمائي سوى القليل، ولكن أعماله التي قدمها كانت كافية ليلمع اسمه ويصبح واحداً من أهم نجوم التمثيل في مصر والعالم العربي، هو الفنان ممدوح عبد العليم الذي يطل علينا يومياً من خلال القنوات الفضائية عبر مسلسله «الفريسة والصياد».

اسمه ممدوح عبد العليم محجوب، ولد في عام 1959، وبالرغم من تفوقه الدراسي والتحاقه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وتخرجه فيها في عام 1980، إلا أنه اختار الفن الذي عرفه في طفولته طريقاً له، لشعوره بطاقة فنية هائلة بداخله سعى للتعبير عنها من خلال التمثيل.

وهو ما يقول عنه: «أحياناً كنت أشعر برغبة عارمة في الثورة على الكثير من الأمور المحيطة، وأحياناً أخرى برغبة شديدة في البكاء، وقد أردت لكل تلك الأحساسيس أن تخرج للنور».

بدأت علاقة ممدوح عبد العليم بعالم التمثيل من خلال شاشة التلفزيون عندما شاهده المخرج نور الدمرداش للمرة الأولى عند أحد أصدقائه وهو ما زال طفلاً صغيراً ورشحه للاشتراك بدور صغير في مسلسل «الجنة العذراء» عام 1965، ثم اشترك بعدها مع المخرج محمد فاضل في مسلسل «القاهرة والناس» في عام 1969. كما شارك ممدوح عبد العليم بصوته فقط في بعض برامج الأطفال من خلال الإذاعة المصرية، أثناء مرحلة دراسته، إلا أن عينيه ظلتا موجهتين دائماً نحو عالم التمثيل، حتى جاءته فرصته السينمائية الأولى عندما كان المخرج هشام أبو النصر يعد لثانية تجاربه الإخراجية السينمائية بعنوان «قهوة المواردي»، واستدعاه في مكتبه لإجراء اختبارات كاميرا له، ثم ضمه بعد ذلك لباقي فريق العمل الذي قامت ببطولته نبيلة عبيد، وفاروق الفيشاوي، ويوسف شعبان، وفريد شوقي، عن قصة للكاتب الصحافي محمد جلال، وسيناريو وحوار محسن زايد. وتناول الفيلم التأثيرات السلبية لعصر الانفتاح على الحارة الشعبية البسيطة، وجسد خلاله ممدوح عبد العليم شخصية «شعبان» الطالب بكلية الطب الذي يعيش الخوف ويقف متلعثما وهو يرى التغيير الذي يحدث للحارة التي تربى فيها. وتسببت ملامح البراءة والطيبة التي يتسم بها ممدوح عبد العليم في نمطية ما أسند إليه من أدوار من قبل مخرجي السينما والتلفزيون، حيث وضعوه في قالب شخصية الشاب الضعيف، المتسامح، العاشق، المستسلم، وابتعد تماماُ عن أدوار الشر، وهو ما نلاحظه في الخطوات الأولى لمسيرته الفنية، حيث اشترك مع الفنان محمود عبد العزيز في فيلم «العذراء والشعر الأبيض» للمخرج حسين كمال، وجسد شخصية «كمال» الشاب الذي يرتبط بعلاقة عاطفية مع «شريهان» في الوقت الذي تحب هي فيه زوج والدتها، ليتوالى ظهوره بعد ذلك في عدة أفلام سينمائية مثل «الخادمة» للمخرج أشرف فهمي وبطولة نادية الجندي، و«أنا» مع فريد شوقي وليلى علوي، و«وعد ومكتوب» للمخرج هاني بان، و«وداعا يا ولدي» عام 1986 للمخرج تيسير عبود، و«مشوار عمر» للمخرج محمد خان.

وعلى الرغم من تعدد الأدوار التي أداها في السينما، إلا أن ممدوح عبد العليم يعتز بدوره في فيلم «الحرافيش» الذي قدمه عام 1986، وقام بإخراجه حسام الدين مصطفى، حيث يرى ان ذلك الفيلم علامة بارزة في تاريخه الفني. وقد جسد في الفيلم شخصية «بكر» الابن المدلل للفتوة «سليمان الناجي» والذي يبدد ثروة والده في الحانات الليلية، والسهر واللهو، كما يتسبب في طرد شقيقه الأكبر من منزل العائلة بعد وشاية من زوجته «ليلى علوي»، وقد نجح عبد العليم في تجسيد تلك الشخصية ونال استحسان النقاد عند عرض الفيلم بدور العرض السينمائية، وهو ما شجع المخرج عاطف الطيب لضمه لفريق عمل فيلمه «البريء» الذي قام ببطولته النجم الراحل أحمد زكي، حيث جسد شخصية «حسين وهدان» الصديق المثقف للعسكري المجند «أحمد زكي» والذي تؤدي وفاته إلى تحولات جذرية في طريقة تفكير ذلك العسكري البسيط. في كل تلك الأفلام كان ممدوح عبد العليم يتحسس طريقه نحو دور البطولة المطلقة من بعيد، حتى جاءته الفرصة للقيام بأول بطولة مطلقة له من خلال الفيلم الكوميدي «بطل من ورق» للمخرج نادر جلال، وقد نجح عبد العليم في أداء شخصية «رامي قشوع» ذلك الكاتب الذي يتعرض لسرقة أحد مؤلفاته البوليسية، وتقع في يد أحد الأشخاص المضطربين نفسياً، وتستمر أحداث الفيلم في جو من الكوميديا والتشويق، التي لم تستطع هي الأخرى أن تخلع عنه عباءة الشاب المتسامح الطيب. وفي أواخر الثمانينات أشترك في بعض الأفلام السينمائية ولكنها لم تكن بطولة مطلقة، مثل «كتيبة الإعدام» مع نور الشريف ومعالي زايد ومن إخراج عاطف الطيب، الذي كان مقتنعا بموهبة ذلك الفتى وقال عنه في أحد اللقاءات الإعلامية «ان الظروف السينمائية في الثمانينات لم تعط بعضا من الوجوه الشابة المثمرة حقها، ومن هؤلاء ممدوح عبد العليم، الذي يقنعك بالشخصية التي يتقمصها من دون عناء». كما تعاون مع المخرج محمد خان في فيلم "سوبرماركت" الذي لم يحصد ما يستحقه من النجاح. ومع أوائل التسعينات أراد عبد العليم أن يطرق مناطق أخرى للإبداع، وأن يقدم شيئاً جديداً للسينما في شكل فيلم مزيج بين الكوميديا الاجتماعية والفنتازيا الاستعراضية، ولكنه لم يجد حماساً من المنتجين في ذلك الوقت، فقرر خوض التجربة بنفسه وأنتج فيلمه الاستعراضي الأول والأخير «سمع هس» مع الفنانة ليلى علوي، والذي قدما من خلاله فاصلاً من الكوميديا واللوحات الاستعراضية، ومعهم المخرج شريف عرفة، وليغني ممدوح عبد العليم ويرقص في أداء سلس وبسيط، من خلال دور «حمص» نموذج الفنان البسيط. وليقدم بعدها فيلم «المشاغبات والكابتن» مع المخرج حسام الدين مصطفى عام 1991، ثم «الحب في طابا» عام 1992 مع هشام عبد الحميد ووائل نور ونجاح الموجي، الذي تناول قصة إصابة 3 شباب مصريين بمرض الإيدز بعد إقامتهم علاقة جنسية مع 3 سائحات أجانب.

كما قدم مع المخرج أشرف فهمي عددا من الأفلام منها فيلم «الحب المر» و«ليلة قتل» و«الراية الحمراء».

أما آخر محطاته السينمائية فكانت من خلال فيلم «رومانتيكا» مع المخرج زكي فطين عبد الوهاب، وشاركه بطولته الفنان شريف منير الذي يعد أحد أبناء جيله مع كل من ليلى علوي وإلهام شاهين وغيرهم، ليبتعد منذ ذلك الوقت عن الشاشة الكبيرة. ويرفض عبد العليم القول بأنه لم ينجح سينمائياً، حيث يرى انه قدم العديد من الأفلام المهمة، مؤكداً أن ابتعاده عن السينما مرحلة مؤقته وانه يعد منذ أكثر من عام لتجربة سينمائية جديدة، يعتبرها بمثابة الحلم بالنسبة له، وتدور حول الملحن المصري الراحل بليغ حمدي، الذي انتهى منذ فترة من جمع المادة الأرشيفية الخاصة به. ويعتزم إنتاج ذلك الفيلم بنفسه. وبعيداً عن السينما، كان حظ ممدوح عبد العليم مع التلفزيون أفضل، حيث شهدت بدايته مشاركته في أدوار صغيرة من خلال مسلسلات «دعوة للحب»، و«صيام صيام»، حتى رشحه المخرج محمد فاضل للاشتراك في مسلسل «ليلة القبض على فاطمة» عام 1983، الذي قامت ببطولته فردوس عبد الحميد، وفي عام 1986 قدم دوره الرائع في مسلسل «الحب وأشياء أخرى» للمؤلف أسامة أنور عكاشة والمخرجة إنعام محمد علي، وشاركه البطولة آثار الحكيم ومصطفى فهمي وجلال الشرقاوي.

وتبقي «ليالي الحلمية» نقطة شديدة الإبهار في تاريخ ممدوح عبد العليم في عالم الدراما بوجه عام. حتى أن اسم «علي البدري» وهي الشخصية التي قدمها في المسلسل وصار ملازماً له لسنوات طويلة، يلقبه به كل من يراه، حيث نجح ذلك المسلسل الذي قام ببطولته صلاح السعدني ويحيي الفخراني نجاحاً شديداً، وبات واحداً من أشهر المسلسلات في تاريخ الدراما المصرية. وليجد عبد العليم نفسه أمام تحد خاص ودفعه للتساؤل: «كيف أحافظ على ذلك النجاح؟». وجاءته الإجابة من المخرج إسماعيل عبد الحافظ الذي اختاره لبطولة مسلسل «خالتي صفية والدير»، المأخوذ عن رواية أدبية كتبها بهاء طاهر، ونجحت شخصية الرجل الصعيدي الطيب «حربي» التي جسدها عبد العليم في المسلسل، حيث أداها ببراعة، وليجسد بعدها مع المخرج مجدي أبوعميرة وبرداء الرجل الصعيدي مرة أخرى، شخصية أكثر قوة وهي «رفيع بك» في مسلسل «الضوء الشارد» عام 1998 الذي كتب قصته محمد صفاء عامر، ونال استحسان الجميع، وليصبح عبد العليم واحداًَ من أفضل الممثلين الذين جسدوا شخصية الصعيدي على الشاشة الصغيرة. وتوالت أعماله التلفزيونية بعد ابتعاده عن السينما، التي شهدت قوانين جديدة ومعادلات مستحدثة منذ منتصف التسعينات بعد أن باتت الكوميديا هي العامل المسيطر على عجلة الإنتاج السينمائي، ولذلك تفرغ عبد العليم للتلفزيون برغبة في الإصرار والتحدي وقدم مسلسلات «الكومي» للمخرج محمد راضي وتأليف خيري شلبي، ومسلسل «سامحوني مكنش قصدي» مع الكاتب يسري الجندي الذي قدم معه أيضاً مسلسل «جمهورية زفتى» من إخراج إسماعيل عبد الحافظ، وتناول العمل فترة تاريخية مهمة في تاريخ مصر وهي أوائل القرن العشرين، وما صاحبها من أحداث سياسية ساخنة.

ومن المعروف عن عبد العليم محاكاته للشخصية التي يقدمها حتى انه يجد صعوبة في الخروج منها بعد انتهاء العمل وهو ما أثر في مسيرته الفنية، حتى انه عندما جسد شخصية المتصوف «ذو النون المصري» بالمسلسل الذي يحمل الاسم نفسه، تأثرت تعاملاته مع المحيطين به وعاش حياة الزهد، لدرجة أدهشت الكثيرين، وهي الشخصية التي قال عنها عبد العليم «كان ذو النون صاحب نظرية خاصة للتصوف فقد آمن بأن التصوف لا يفصل الإنسان عن سياقات الحياة الطبيعية، ومنذ أن بدأت في القراءة والاندماج في تصوير تلك الشخصية الثرية فقدت قدرتي على التواصل مع الناس، ولم أعد في حالتي الطبيعية».

وإلى جانب تلك الاعمال قدم ممدوح عبد العليم مسلسل «أبيض في أبيض» عام 2003، مع المخرج أحمد صقر، وشاركه البطولة أحمد بدير وأحمد خليل، ونيللي كريم، وجسد خلاله شخصية الشاب «منذر» الذي يقع تحت سيطرة والدته ولا يمتلك القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة ويتخبط في علاقاته واختياراته لأصدقائه وفي النهاية ترفع والدته دعوى قضائية ضده للحجر عليه.

ثم جسد للمرة الأولى في مشواره الفني شخصية تاريخية هي «الطارق بن زياد» في مسلسل «الطارق» عام 2004 قصة وسيناريو وحوار يسرى الجندى، وشارك في البطولة أحمد ماهر، وروجينا، ولورا سعد، ومن إخراج أحمد صقر، حيث تناول العمل قصة حياة «طارق بن زياد» منذ مولده فى إحدى قبائل البربر بشمال افريقيا، حتى توليه قيادة الجيش الإسلامى وخروجه من بلاد المغرب تحت ولاية «موسى بن نصير» لفتح الأندلس، وميلاد الحضارة الأندلسية العريقة. وللمرة الثالثة عاد عبد العليم لارتداء الجلباب الصعيدي في مسلسل «الحب موتاً» عام 2005، مع المؤلف محمد صفاء عامر والمخرج مجدي أحمد. ولممدوح عبد العليم حياة عائلية مستقرة لم تمسسها الشائعات، وذلك منذ زواجه من الإعلامية شافكي المنيري التي تعرف عليها عن طريق الصدفة بإحدى المحطات الفضائية في أحد أيام عيد الفطر، وأثمر زواجهما عن ابنة وحيدة.